نافع الى واشنطون، وجوزيف استافورد يكسر صمت شوارع الخرطوم بصيحات التكبير فى محاريب الطرق الصوفية، أو مراكز التيارات السلفية كلما أقبل على احدهما.. عبارات ومشاهد تثير الاعصاب حيناً وتدفع للجنون حيناً آخر وبين كلا الحالتين تظل الخرطوم تنظر ملياً لواشنطون فى انتظار رضا عابر للقارات، لخص خارطة طريقه جوزيف ستافورد القائم بالاعمال الامريكى قبل أيام فى الوصول لحلول سلمية لكافة القضايا السودانية.. واشنطون تدرك حجم قلق الخرطوم، إزاء ما يمكن أن تخرج به زيارة د.نافع على نافع مساعد رئيس الجمهورية، بعدما قدمت الخرطوم كل رصيدها من النوايا الحسنة لنيل الرضا بما في ذلك قيام الاستفتاء والإقرار بنتائجه وترتيبات ما بعد الدولتين، ولم تحصد كحد أدنى امتناناً أمريكياً.. دعوات سابقة الدعوات الامريكية للأطراف السودانية لم تكن حكراً على قيادات الحزب الحاكم وسبق لها أن وجهت الدعوة للطرف الاكثر إيلاماً فى المعادلة السودانية، الحركة الشعبية قطاع الشمال، الذى لبى الدعوة الأمريكية، بهدف استطلاع رأيه حيال الوضع في السودان، بهدف الوصول لتحديد استراتيجية أمريكية جديدة تجاه الخرطوم بعد التاسع من يوليو، ثم مرة أخرى لاستنطاق مقدرات الجبهة الثورية بعد توقيع ميثاق الفجر الجديد، فى مقابل استمرار مراهنة الوطنى منذ فترة ليست بالقليلة على تطبيع العلاقات مع واشنطون لرفع اسمه من قائمة الدول الداعمة للإرهاب وإلغاء العقوبات الاقتصادية وغيرها من المسائل الثنائية. الخرطوم نظرت لكل دعوات الادارة الامريكية للحركة الشعبية، طبقاً للمراقبين بأنه اعتراف أمريكي مبكر بحزب الحركة الشعبية شمالاً، ومن ثم ارسال رسالة للخرطوم بايقاف التصريحات العشوائية فى مواجهة القطاع، فى المقابل سعت الادارة الامريكية على زيادة إفراز (الادرنالين) في عروق سياسيي الوطني، باثارة انفعاله بصرف روشتة استباقية قبيل توجه د.نافع لواشنطن، بمطالبة القائم باعمالها بايقاف التصعيد فى المنطقتين ووقف القصف فى دارفور، ليكون السؤال ما جدوى الزيارة وهدفها.. فى صالح الحركة مراقبون يرون أن الزيارة في حد ذاتها ليست معنية بتحديد السياسات أو استراتيجيات أمريكية، بقدر ما أنها معنية بالتأكيد على أن ذهاب الجنوب عن الشمال لا يعني ذهاب الحركة عن الشمال، وهو ما يضاعف من مأزق الوطني في تمرير كل سياساته بسهولة، وأن الوطنى سيستثمر الزيارة لتذكير الادارة الامريكية بما قدمه سابقاً من إثبات حسن نية، وسيحرص على أن تكون مخرجات الزيارة وما تم الخوض فيها لن يلقى في سلة المهملات أو الأركان الخلفية للذاكرة بل سيكون محل اعتبار من الإدارة الأمريكية في التعامل مع الشمال وامكانية الغاء العقوبات عليه أو في الحد الأدنى بقاء الوضع كما هو عليه، طالما ظل خطابه السياسي مبنياً على (سحق) المعترضين. الاهتمام.. ليس مفاجئاً توقيت الزيارة ربطه د.مهدى دهب بتزايد الاهتمام الامريكى بالسودان ومنذ فترة لقبه بسلة غذاء العالم، بالاضافة لما هو المعلوم أن القارة الأفريقية تضم عالمين عالم شمال الصحراء وعالم جنوبها ، والسودان يمتد في العالمين، مما جعله يحتوي داخله نماذج سكانية من كلاهما، ما ينعكس في منح السودان خبرة في عمليات التواصل الحضاري والثقافي، مما يؤهله للقيام بمثل هذا الدور بين العروبة كثقافة ووعاء حضاري في شمال القارة وبين بقية القارة، خصوصاً اذا تم استصحاب عمليات التفاعل والانصهار والاندماج والتزاوج الذي تم بين الكيانات السكانية التي تمت داخله وانتجت انتشاراً ثقافياً عربياً ،مما يمكنه من تصدير هذا النموذج الانتشاري لباقي القاره الأفريقية، من ثم يكون ذلك بمثابة تهديد على الثقافة الغربية بروافدها المتعددة الانجلوسكسونية والفرانكفونية، باعتبار أن معظم القاره الأفريقيه هي مناطق نفوذ وتبعية لثقافات غير الثقافه العربية، وأضاف: ( ذلك يؤهل السودان ليكون محل أنظار العالم برئاسة أمريكا التي تحرص علي تمديد النموذج الثقافي الأمريكي وقيمه في العالم مستغلة المرحلة التاريخيه الحالية الموسومة بصراع الحضارات). فيما يذهب المحلل المقرب من دوائر القطاع محمد سيف النقر فى حديثه ل(الرأى العام) الى أن الاهتمام الامريكى بالسودان يجئ فى سياق الأهتمام الأمريكي بالقارة الافريقية ككل، ويجئ كتعبير عن أحقية واشنطون فى الأشراف علي ثروات القاره البكر ذات الموارد والثروات غير المستغلة، يلاحظ ذلك من خلال تدشين العديد من مشاريع افراغ القاره من مكوناتها السكاني الأصلية عبر بوابتين رئيسيتين، بوابة الهجرة ومن ثم التذويب في مجتمعات الدول المهاجر اليها، بالاضافة لبوابة الحرب حيث يقتل أبناء القارة بعضهم بعض من خلال تجذير مشاريع الخلافات بين الكيانات السكانية ودعم الأنظمة الشمولية والديكتاتورية، مما يسهم في تهتيك النسيج الاجتماعي للدول والمجتمعات هذا من جهة، ومن جهة أخرى تعمل هذه البوابه على افراغ مخازن تجار السلاح وحصولهم على العائد المادي وهو ما يظهر بوضوح في الأزمة السودانية. لعيون تل أبيب تحليلات أخرى ترى أن الاهتمام الامريكى يرتبط ويتزامن مع الاهتمام الاسرائيلى بالمنطقة، ويذهب المحلل المقرب من دوائر المعارضة ايهاب محمد الحسن الى أن تكرار الحديث عن يورانيوم بدارفور ?رغم عدم وجود دراسات تؤكد ذلك- بالاضافة للبترول ومياه النيل اضافة للصراع بعداً جديداً، فضمان التفوق الاسرائيلي على الدول العربية لم يتحقق الا بفضل احتكارها وتفوقها النووي ، مما يجعل من البديهي السعي الاسرائيلى نحو السيطرة على مناطق تواجده -ان وجد بالفعل- منعاً لانتشاره وبديهي أن يدفع ذلك أمريكا كراعي للمصالح الصهيونية، للاهتمام بالسودان كوسيلة للحفاظ على هذه الثروة بعيداً عن الأيدي العربية.. مبررات الاهتمام الامريكى بالخرطوم، وجدت نقداً غير مباشر من د. محمد محجوب هارون الأكاديمي والمحلل السياسي ، وأعتبر أن التفاعلات الأخيرة الامريكية ترتبط فقط بالطابع البراجماتى فى السياسة الامريكية الخارجية وليس لأولوية السودان المتقدمة.. وغض النظر عن حقيقة الاهتمام الامريكى بالسودان من عدمه، الا أن الاحداثيات تؤكد وجود علاقة ما فى حدها الأدنى وأن الطرف السودانى حريص على تطويرها وأن الطرف الامريكى يضع شروطاً للتطوير، ما يجعل زيارة د. نافع تكتسب بعداً وأهمية غير مسبوقة.. المحصلة والموضوعية د.ربيع عبد العاطى يرفض فى حديثه ل(الرأى العام) أن يكون الحوار بين واشنطون والخرطوم وليد التطورات الاخيرة أو وجود القائم بالأعمال وتحركاته فى الشارع السودانى، ويذهب الى أن الحوار مع واشنطن كان واضحاً طيلة الفترة الماضية عبر المبعوثين والقنوات الاخرى، منذ ناتسيوس مروراً بغرايشون، وكانت النتائج ايضاً واضحة بأن عملية الحوار نفسها لم تستقم بالرغم من التطمينات والوعود التى ظل يطلقها ممثلو الادارة الامريكية واضاف: (فالعقوبات ما تزال مستمرة، واسم السودان ضمن قائمة الارهاب الامريكية، وثمة تعاطف واضح مع الحركات) واردف: (هناك الكثير من المواقف غير المبررة تشير الى أن هناك رؤية أمريكية لها علاقة بالسياسة الداخلية الامريكية أو بسياسة الولاياتالمتحدة فى أفريقيا). الأجندة المتوقعة وتوقع د.ربيع عبد العاطى أن يتصل الحوار بين الحكومتين، متناولاً وجهات النظر حيال العلاقات نفسها وطبيعتها، والعقوبات والتعامل دون ازدواجية فى المعايير ويدور حول مختلف القضايا.. ورهن عضو القطاع السياسى محصلة اللقاء بالادارة الامريكية للتعاطى الموضوعى مع الملف وادارة الحوار دون اجندات او انحياز ويكون معلنا وشفاف، وبدون ذلك ستستمر المعاناة. ولخص عبد العاطى رغبات الخرطوم وما تريده من واشنطون فى الوصول لعلاقات مبنية على التفاهم تستند على النقاط المشتركة ، رافضاً فى الوقت ذاته وقوف ايجابية المواقف الامريكية فى حدود العبارات الدبلوماسية والإدانة الاخيرة. مصدر أمنى رفيع سابق ? فضل حجب اسمه-، شكك فى حديثه ل(الرأى العام) فى وجود دعوة من واشنطون للخرطوم أو الحزب الحاكم، وكشف بأنه طبقاً لمعلوماته فإن المؤتمر الوطنى هو من طلب اللقاء واضاف: ( حتى الآن لم توافق الحكومة الامريكية).. واعتبر المصدر أن الخرطوم فى حاجة لواشنطن لجهة ما تستشعره من ورطات لن يخرجها منها سوى الادارة الامريكية، واصفاً أى حديث عن اهتمام واشنطون بالخرطوم أو تزايد أهميتها بالوهم أو الحديث المجانى وأضاف: أمريكا تتعامل مع السودان عبر محورين، محور الاحتواء بمنعه من تصدير العمل السلبى للاخرين، ونجحت فى تطبيق ذلك منذ زمن طويل أى منذ التسعينيات، والمحور الثانى محور حماية النظام من الانهيار وتريد منع ذلك خوفاً من انتقال الفوضى الى دول الجوار). محور منع السودان من الانهيار بدأ مثيراً للفضول لجهة تفسيره للعديد من المواقف الامريكية التى أعلنتها اكثر من مرة برفضها تغيير النظام باستخدام القوة .. من كمبالا يذهب د. عبد الناصر سلم عضو مجلس التحرير الثورى بالتحرير والعدالة الى أن الدعوة قدمت بالفعل وأن الهدف منها حصول الادارة الامريكية على العديد من الاجابات على تساؤلات حيال المنطقتين ومستقبلهما ودارفور ، والحديث عن الديمقراطية ومسيرتها، وهل ثمة تحولات جذرية فى الحزب الحاكم واضاف فى حديثه ل(الرأى العام) : الامريكان يعون ضعف المعارضة عن الحفاظ على استقرار البلاد، بالتالى تسعى أمريكا لاضفاء طابع ديمقراطى على الحكومة يمكنها من احداث تحول دون اراقة دماء).. اذاً.. ثمة فصول فى انتظار الخرطوم وواشنطون ربما تحفل بمطبات لكن الكلمة الاولى والاخيرة تظل للمصالح ، فطالما تكرست لواشنطون مصالح فى الخرطوم فإن مستقبل العلاقات سيتجه لآفاق أرحب، ليكون عامل الزمن وذهاب د.نافع وعودته هو المحك الأخير..