شُهرةٌ وصلت الآفاق، ملخصّها أنّ الداخل الى معسكر أبو شوك للنازحين في دارفور "مفقود"، ولا أحد سيبحث عنه أو "يجيب سيرتو"، لأنّه قطعاً ستكون مع الراحلين. أما الخارج منه، فهو "مولود"، يستحق أن "تتحمدل" له سلامة العودة سالماً، والخروج من قمقم التنين!! هذه كانت الصورة المرسومة في ذهن الناس عن معسكر "أبو شوك" للنازحين بدارفور. قطعاً، لقي المعسكر هذا الصيت غير الجميل، لعمليات السلب والنهب والقتل التي كانت تُمارس فيه وضح النهار، للدرجة التي لم تقدر السلطات المحلية دخوله. الصورة الفائتة مختلفة عّما عايشناه ونحن نتابع باستمتاعٍ ببطولة سيكافا هذه الأيام. وبالتالي أصبح الحال مختلفاً كليةً عما كان عليه في السابق. فالأمان يُظلل العلاقة بين ساكني المعسكر، وأسواق المعسكر تعجُ هي الأخرى بالسلع الاستهلاكية، وبالشاحنات المحملة بخيرات جبل مرة، التي تأتي إليها صباح كل يومٍ جديد. (1) أطفال معسكر أبو شوك، شأنهم شأن بقية أطفال السودان، وربما لا يصدق أحد أنهم في صباح كل يوم ينشدون أهازيج السلام ويرددون عبارة على شاكلة "سلام دارفور سلام" و"هوى يا ولد سيكافا دخل البلد"، هاتان العبارتان باتتا عبارات لا تبارح أفواههم أملاً في أن تتوصل كافة الأطراف المتنازعة بدارفور الى سلام ينهي مرارات ومعاناة السنين التي قضوها بالمعسكرات. وأن حلم الواحد منهم هو توفير المستلزمات الحيوية، فقد أصبحوا أولياء أمور لأنفسهم ولأسرهم. وبات بعضهم ذوي قدرات كبيرة في التفكير في تدبير أمور حياتهم اليومية. (2) أكثر ما أثار اهتمامنا، طفل في السابعة من عمره يعمل ماسحاً للأحذية «الورنيش» بسوق ام دفسو الشهير بالفاشر، الصغير "محمد" يفكر بعقلية كبيرة جدا في أدارة أمور حياته وفي تصرفه مع الآخرين حتى يخلق معهم علاقة حميمة. وقد لا تكون هذه العقلية متوفرة لدى الأكبر منه سنا، وقد يرى أن عمله ماسح أحذية لا يليق بمكانه لأن والده كان ثريا، وكانوا يعيشون في ترف ورفاهية قبل مجيئهم للمعسكر، ما اضطره للعمل في مسح الأحذية. فمحمد الصغير يخطط للحصول على رأس مال قدره «50» جنيهاً، إنه يرغب في التحول للتجارة والتحرك في جميع أسواق المدينة لزيادة دخله، وتوفير الأغراض والمستلزمات لأسرته وخاصة والدته التي يحبها كثيرا، فضلا عن تجهيز المعدات المدرسية قبل افتتاح المدارس. (3) أمثال محمد ليسوا مئات بل آلاف، ويحكي عدد من الأطفال الذين يعملون باعة متجولين بالأسواق والشوارع، عن صعوبات بالغة تواجههم، إذ أصبحوا يتحملون مسؤوليات أكبر من طاقاتهم، مشيرين الى أنهم منذ الصباح الباكر يغادرون المعسكرات متجهين صوب المدينة راجلين على الأقدام قاصدين أسواقها وأحياءها للعمل في جيمع أنواع الخدمة «طُلب مباني، ورنيش، درداقات، أو العمل بالأحياء لنقل الأوساخ أو ردم البرك والحفر. حليمة وجدناها تقوم بعملية خياطة بعض ملابسها همها الوحيد هو أن تعيش في أمنٍ وسلام . (4) يقول «منتصر» من معسكر زمزم إن الأجور التي يتقاضونها ليست كافية، لكنهم يجتهدون في الحصول على أكثر من فرصة في اليوم، حتى يستطيع الفرد منهم توفير مبلغ يتراوح بين «10 - 13» جنيها قبل العودة الى معسكراتهم، علما بأن يومية الطلبة لا تتجاوز العشرة جنيهات منها وجبة الإفطار والمواصلات ذهابا وإيابا. وهذا ما دفع كثيرا منهم لترك العمل في يوميات الطُلبة والتوجه نحو الأسواق للعمل في المطاعم أو عمل الدرداقات لنقل البضائع بقيمة من «50» قرشاً الى واحد جنيه في المشوار. ويفضل بعضهم العمل بالمطاعم، لأن عمل المطاعم يوفر لهم بعضاً من المال هكذا يعيشون حياتهم بكل مافيها ليظل أطفال دار فور منبعا للعلم والقرآن.