العدل هو أساس الحكم , لذا يسعى المشرع لكل ما يمكن أن يحقق العدل من قانون و إجراءات . و يسعى الحريصون على العدل إلى إقرار قانون لا تحوم حوله أية شبهة ظلم . و قد صاحب النقاش حول قانون القوات المسلحة جدال لا يوحي إطلاقاً بالإطمئنان إلى هذا القانون , و يكفي أنه قد أجيز في ظل انقسام أقرب إلى الحاد . و لشرح الصورة أكثر نختبر ما يمكن أن ينعقد له الإجماع , و يبرأ بذلك من شبهة الظلم . يجمع النواب و غيرهم على تقديم أي متهم للمحاكمة لتثبت براءته أو إدانته .. هذا مبدأ لا خلاف عليه , فلا كبير على القانون .. و لن يختلف النواب على تقديم المتهم المدني لمحكمة مدنية , لكنهم يختلفون على تقديم المدني لمحكمة عسكرية .. فلماذا الإصرار على المحاكمة المختلف عليها , و رفض الخيار الذي ينعقد له الإجماع , خاصة و أن هذا الخيار يحقق جوهر الأمر , و هو محاكمة المتهم ؟ لقد أدير هذا الموضوع في المجلس بلا حكمة , فإختار المجلس الانقسام رغم ما كان متاحاً له من إجماع حول خيار يحقق ذات الهدف بلا شبهة و لا دخان . و نعلم درجة الانقسام و خطره حين نتابع آراء الرافضين للقانون الذين غلبوا بالأغلبية الميكانيكية , فقد قال الدكتور غازي صلاح الدين إن إجازة قانون الجيش بهذه المواد و الصياغة قرار خطير في تراث البلاد الفقهي و القضائي . و قال النائب عبد الله مسار ما هو أخطر حين وصف القانون بالمفصّل على أشخاص معينين .. و تكتسب هذه الآراء قوة إضافية حين نسمع الآراء المبررة لمحاكمة المدنيين في محاكم عسكرية حيث يقول وزير الدفاع إن المحاكم العسكرية ( ما قاعد تمسك زول من طرف السوق و تحاكمو) .. هذه حقيقة و هي إجابة صحيحة و دفاع قوي لو أن المحكمة العسكرية اتهمت بملاحقة مدنيين أبرياء بلا شبهة إتهام .. المحكمة العسكرية تحاكم مدنيين تحوم حولهم إتهامات , لكن مبدأ محاكمة المدني بقانون الجيش قد لا يتيح للمدني محاكمة عادلة , هذا هو الاعتراض أو التحفظ .. و لن يرأس المحكمة العسكرية أو ينال عضويتها بلطجي أو كاوبوي كما نبّه السيد هجو قسم السيد في غير موضع تنبيه , لأن المعترضين لم يخافوا على مبدأ العدالة من بلطجية محتملة .. و قد تشكل المحكمة من أفراد أفاضل لكنها قد تقع فيما وقعت فيه المحاكم العسكرية التي شكلتها الإنقاذ في بدايات عمرها و أصدرت أحكاماً ظالمة رغم أن أعضاء المحكمة لم يكونوا من البلطجية . و نعود للتساؤل : لماذا الإصرار على قانون لا ينعقد له الاجماع رغم وجود بدائل مجمع عليها ؟ و لماذا لا ينزعج (قسم) من النواب من شبهة ظلم يقول بها قسم آخر ؟