بوساطة من موسى هلال..الجيش يطلق سراح 43 من عناصر الميليشيا    السعودية وتركيا ومصر؛ لا مناص امامهم من العمل على حماية سيادة السودان    كيكل يعود صلباً... ودرع السودان يكتب صفحة جديدة من الصمود    استئناف حركة المرور في معبر الرقيبات بين دارفور وجنوب السودان    البحر يبتلع عشرات السودانيين الهاربين من جحيم بلادهم    7 منها عربية.. المنتخبات المتأهلة إلى كأس العالم    السودان يتعادل أمام منتخب عمان الأولمبي بمسقط    الطيب صالح ناهض استعلاء السلطة عبر "الكتابة السوداء"    إنهم يكذبون على انفسهم فقط    بعد انتشار أنباء عن استشهاد قائدها "كيكل" بكردفان.. قوات درع السودان تصدر بيان توضح فيه الحقائق كاملة    شاهد بالفيديو.. بعد أن أقاموا له سرادق عزاء.. شاب سوداني يفاجئ أسرته بأنه على قيد الحياة بعد ظهوره في مكالمة فيديو وأحد أقاربه يطالبه بالعودة سريعا: (تعال الصباح بدري عشان تلحق فطور فراشك)    حقق حلمه وكان دائماً ما يردد: "لسه يا قلبى العنيد لا شقيت لابقيت سعيد".. شاهد ماذا قالت مفوضية اللاجئين عن ظهور الشاب السوداني "مهدي" وهو يغني مع الفنان الشهير تامر حسني داخل أحد المصانع بالقاهرة    شاهد بالصورة والفيديو.. "خواجة" يوثق لتجربته الأولى مع شرب القهوة السودانية.. عبر عن قوتها ويصف الجنزبيل بالشطة "سبايسي"    دونالد ترامب يفجّرها حول حرب السودان    قرار لسكان الخرطوم بشأن فاتورة المياه    جعبوب يحرز برونزية الوثب العالي بدورة التضامن الإسلامي    تدخلات طبية وصحية من الهلال الأحمر القطري لنازحي الفاشر بالدبة    هل ثمة نظام دولي بديل يتشكل فعلا؟ّ!    ساردية يحقق فوزاً ودياً ويؤكد جاهزيته لدوري شندي المحلي    الشعلة والنصر في نهائي كأس السودان برفاعة    (انسوا الدوري الرواندي)    خبير عسكري يطلق التحذير من خطر محدق جديد في السودان    السودان يعلن وصول شحنة من هولندا    فوز قاتل ضد الإمارات يقود العراق إلى الملحق العالمي بتصفيات المونديال    فريق ميداني متخصص من إدارة مباحث ولاية كسلا يسدد بلاغ خاص بسرقة عربة بوكس    الذكاء الاصطناعى وإرضاء الزبون!    قناة الجزيرة ... من يختار الضيوف ولماذا … ؟    بالصورة.. صحيفة "الغارديان" البريطانية تهاجم القيادي بمليشيا الدعم السريع "الربيع عبد المنعم" وتؤكد حذف حساباته على منصات التواصل الاجتماعي    إسرائيل تكشف رسميا عن خطتها على حدود مصر    "خسرنا بالسحر".. مدرب نيجيريا يتهم الكونغو بممارسة "الفودو"    خالد عمر: تصريحات وزير الخارجية الأمريكي لا تتعارض مع "الرباعية"    شبح شفاف.. مفترق بين الترقب والتأمل    روسيا.. سجن إماراتي 6 سنوات بتهمة محاولة تهريب صقور مهددة بالانقراض    الأولى منذ 7 سنوات.. محمد بن سليمان إلى واشنطن    شاهد.. "القروش بتخلي البني آدم سمح".. جمهور مواقع التواصل بالسودان يواصل سخريته من المذيعة تسابيح خاطر بنشر صور قديمة لها قبل ظهورها في الإعلام    شاهد بالفيديو.. الفنان المصري سعد الصغير يثير غضب السودانيين أثناء ترحيبه بالفنانة "مونيكا": (أنا أعرف أن السوداني لازم يبقى أسود أو أسمر لكن من السودان وبيضاء أزاي مش عارف!!)    الطاهر ساتي يكتب: مناخ الجرائم ..!!    إظلام جديد في السودان    تحذير من استخدام الآلات في حفر آبار السايفون ومزوالة نشاط كمائن الطوب    والي الخرطوم يعلن عن تمديد فترة تخفيض رسوم ترخيص المركبات ورخص القيادة بنسبة 50٪ لمدة أسبوع كامل بالمجمع    اتحاد أصحاب العمل يقترح إنشاء صندوق لتحريك عجلة الاقتصاد    الطاهر ساتي يكتب: أو للتواطؤ ..!!    "كرتي والكلاب".. ومأساة شعب!    شرطة ولاية الخرطوم : الشرطة ستضرب أوكار الجريمة بيد من حديد    عطل في الخط الناقل مروي عطبرة تسبب بانقطاع التيار الكهربائي بولايتين    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    مخبأة في باطن الأرض..حادثة غريبة في الخرطوم    5 مليارات دولار.. فساد في صادر الذهب    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    وزير الصحة يوجه بتفعيل غرفة طوارئ دارفور بصورة عاجلة    تركيا.. اكتشاف خبز عمره 1300 عام منقوش عليه صورة يسوع وهو يزرع الحبوب    (مبروك النجاح لرونق كريمة الاعلامي الراحل دأود)    المباحث الجنائية المركزية بولاية نهر النيل تنهي مغامرات شبكة إجرامية متخصصة في تزوير الأختام والمستندات الرسمية    دراسة تربط مياه العبوات البلاستيكية بزيادة خطر السرطان    والي البحر الأحمر ووزير الصحة يتفقدان مستشفى إيلا لعلاج أمراض القلب والقسطرة    شكوك حول استخدام مواد كيميائية في هجوم بمسيّرات على مناطق مدنية بالفاشر    السجائر الإلكترونية قد تزيد خطر الإصابة بالسكري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حروب الأشباح ... السجل الخفي ل «سي. أي. أيه» الحلقة (18 ) - الاتحاد السوفيتي.. وأوهام المخابرات الامريكية..!!
نشر في الرأي العام يوم 23 - 11 - 2009

هل خلقت ال «سي. أي. إيه» حركة طالبان وتنظيم القاعدة، وهل عزفت الولايات المتحدة على وتر طالبان كورقة للترهيب أو التأديب. أسئلة يجيب عليها كتاب حروب الاشباح -السجل الخفي لل «سي.اي إيه».. لإفغانستان.. ولابن لادن.. لمؤلفه ستيف كول .. كتاب يتجلى فيه الدور غير الاعتيادي لل «سي.اي إيه» في قصص بيع الصواريخ وإعادة شرائها.. وقصص ضباط وكالة الاستخبارات الامريكية.. وصراعاتهم التي تفسر الحروب السرية التي سبقت «11/سبتمبر».. وتورط رؤساء.. ودبلوماسيين.. في فرع جديد يُسمى مكافحة الأرهاب .. كتاب حائز على جائزة بوليتزر المرموقة مرتين.. وهو من أكثر الكتب مبيعاً في العالم.. ------------------------------------------------------- لاحظ المنتمون إلى حلقات الجهاديين العرب المغلقة، في صيف العام 6891م، إشارات خلاف بين ابن لادن وعزام. كان عزام شخصية قيادية، وابن لادن تلميذاً قاصراً نسبياً «إنما فاحش الثراء». ولا مجال ليقوم المحمي بتحد مفتوح على الأخص في بيئة تحترم المستوى الطبقي والمستوى الثقافي. كان من الواضح ان ابن لادن يسلك اتجاهاً جديداً. وقد نتجت هذه التغيرات عن اصراره المتزايد من ناحية، وعن النقاشات السياسية التي تطورت في القاعات العربية في يونيفرسيتي تاون من ناحية أخرى: من هم أعداء الجهاد الحقيقي؟ الشيوعيون؟ الامريكيون؟ الاسرائيليون؟ حكومة مصر؟ ما نوع العلاقة بين الحرب الأفغانية وأهداف جماعة الإخوان المسلمين العالمية؟. بدأت الاستخبارات الباكستانية التعاون في مشاريع مكلفة لشق الطرقات وبناء المخازن على طول الحدود الأفغانية، آملة إنشاء بنية تحتية مادية للتصدى لهجمات السبتسناز السوفيتية. خصصت ال «آي. أس. آي» خلية كبيرة داخل مكاتبها في أفغانستان من أجل المشاريع الإنسانية ومشاريع الإعمار، وعندما شن السوفيت هجمات على طرق الإمداد على الحدود الباكستانية في العام 4891م، غالباً ما كان الثوار الأفغان يفرون، فأوقف انسحابهم تدفق الإمدادات إلى القادة داخل أفغانستان، تماماً كما أراد السوفيت، صممت البنية التحتية الحدودية الجديدة، الطرقات والكهوف والمخازن ومخيمات التدريب العسكري، بطريقة تحميها من الاعتداءات السوفيتية، وسمح ذلك ل «آي. أس. آي» بإنشاء مستودعات لتخزين الإمدادات وتطوير وسائل نقل ميكانيكية من أجل إدخال الأسلحة إلى أفغانستان. سافر قائد الأركان، أحمد باديب، إلى باكستان، بينما كانت المشاريع جارية على متن طائرة نفاثة من طراز غولفستريم تابعة لقسم الاستخبارات العامة. أقيمت ولائم في مقر ال «آي. أس. آي» الرئيسي على شرفهما، بينما تسلما تقارير عن تطورات الحرب أضيفت إليها رسوم بيانية وخرائط تم رسمها بمساعدة الأقمار الصناعية الامريكية. استعملت الجرافات التي استوردها ابن لادن في هذه المشاريع المدنية والعسكرية بين العامين 4891-6891م. وحصدت منطقتان أكبر نسبة من الاهتمام: منطقة حدودية يطلق عليها اسم باروت بيك، شرق بيشاور، حيث ينخرط جزء من الأراضي الباكستانية داخل أفغانستان، ومنطقة في الجنوب قرب ميرام شاه، هي منطقة جبلية عبر الحدود من بلدة خوست الأفغانية. وقد عمل ابن لادن في الأساس في المنطقة الأخيرة. يذكر العميد في الاستخبارات الباكستانية، محمد يوسف: «الأموال العربية هي التي أنقذت النظام إلى حد كبير». أنفقت المبالغ الإضافية على عمليات النقل وعلى البنية التحتية الحدودية، وعلى دعم القادة والأحزاب الأفغانية الإسلامية المرتبطة بجماعة الأخوان المسلمين. وجذب جلال الدين حقاني المتطوعين ونظمهم. وحارب في منطقة حدودية «غارقة في الفساد»، وتسكنها قبائل عدوانية ومحافظة اجتماعياً من الباشتون، كما وصفها امريكي سافر إلى هناك. كان حقاني رجلاً نحيلاً لا يحلق لحيته، ويرتدي حزاماً يضع فيه ذخيرة أسلحة هجومية، وأصبح في أواخر الثمانينيات القوة الهجومية الرئيسية المعارضة للشيوعية حول خوست. تغنى الدعاة الدينيون بحقاني، معتبرين إياه مقاتلاً مؤمناً. وقد أصبح فيما بعد بطلاً عسكرياً زميلاً للناشطين الوهابيين . أدار مكاتب لجمع المساعدات المالية في دول الخليج العربية، واستقبل متطوعين جهاديين عرباً صغاراً في السن في أرضه القبلية. أصبحت المناطق الحدودية الأقرب إلى باكستان مقاطعة لشبكات متداخلة من ضباط الاستخبارات الباكستانية والمتطوعين العرب والمدرسين الوهابيين، ويعود ذلك جزئياً إلى رعاية حقاني. رأي عبد الله عزام ان بناء بعض الكهوف والطرقات خسارة للأموال، بينما أراد ابن لادن إنفاق مبالغ كبيرة على تشييد عيادة في قرية حدودية أفغانية بعيدة في مقاطعة باكتيا، يطلق عليها اسم جاجي. بنى العيادة البسيطة في كهف محصن في المنطقة نفسها حيث أسهم ابن لادن في شق الطرق. ويذكر أحد المتطوعين العرب: «شعر عبد الله بأنه بوجود تسع وعشرين أو ثلاثين مقاطعة في أفغانستان، لم تبذر هذه الأموال في مكان واحد حدودي معقد يقع تقريباً داخل باكستان؟». توسعت طموحات ابن لادن، أراد الحصول على مجمع جاجي كي يبني معسكره الخاص للمتطوعين العرب: مخيماً يخضع لقيادته. افتتح منشآته التدريبية الأولى في العام 6891م، متبعاً نموذج المعسكرات المبنية على الهضاب القاحلة التي تديرها الاستخبارات الباكستانية. تعلم الجهاديون العرب حديثو السن استعمال الأسلحة الهجومية والمتفجرات وأجهزة التفجير، واستمعوا إلى قراءات تشرح سبب استدعائهم إلى القتال. وأعلنت بعض التقارير ان ابن لادن أطلق على مخيمه الأول اسم «عرين الأسد»، بينما أكدت تقارير أخرى انه اطلق عليه اسم «الأنصار»، وعلى الرغم من تحفظات عبد الله عزام، أعلن أنه سيمضي في مشاريعه الأخرى في جاجي. قال ابن لادن لمعلمه: «إن شاء الله، أطلعك على مخططاتي». شارف الجهاد الأفغاني المحارب للسوفيت على النهاية، لكن لم يدرك أحد هذا الأمر، أو فهم السبب، بمن فيهم ابن لادن أو ال «سي. آي. إيه». في 31 نوفمبر 6891م، التقت الدائرة الداخلية التابعة للمكتب السياسي السوفيتي، سراً خلف أسوار الكرملين، المصلح الغامض والمتبجح والطموح الذي استلم الحكم قبل عشرين شهراً وفقاً لأوامر ميخائيل غورباتشوف. شرح الماريشال سيرغي أخرومييف، رئيس أركان القوات السوفيتية المسلحة، ان الجيش الأربعين نشر حتى الآن خمسين ألف جندي سوفيتي لغلق الحدود بين باكستان وأفغانستان، «لكنهم لم يتمكنوا من إغلاق جميع قنوات تهريب الأسلحة، واستمرت مجموعات البغال بالتدفق، وبدأ تشييد طرقات مزفتة. لم تظهر أي بوادر حل عسكري واقعي. أكثر من سؤال لاحظ غورباتشوف ان «الناس يتساءلون: «ماذا نفعل هناك؟». هل سنبقى هناك إلى الأبد؟ هل علينا وضع حد لهذه الحرب؟». وأجاب غورباتشوف نفسه: «سنلحق العارب بأنفسنا في جميع علاقاتنا» في حال لم ينسحب الاتحاد السوفيتي من أفغانستان. فكر ملياً في المشكلة الأفغانية منذ توليه منصبه بحضور الدائرة الداخلية التابعة للمكتب السياسي ومستشاريه في عملية الإصلاح «البريسترويكا» المقربين منه. وأشار علناً إلى الحرب مستخدماً عبارة «جرح ينزف» في بداية العام 6891م. وعندما فشل الجيش الأربعون في إحراز تقدم على الأرض، تجرأ غورباتشوف على طرح حل بديل: «ترك أفغانستان بأكملها. بدت المسألة في شهر نوفمبر مسألة توقيت بشكل أساسي. أخبر غورباتشوف زملاءه في ذلك اليوم أن: «هدف الاستراتيجية هو إنهاء الحرب في سنة أو سنتين إلى أبعد حد، وسحب القوات من أفغانستان». «لقد وضعنا هدفاً واضحاً: المساعدة على تسريع العملية وكي نحصل على بلد صديق حيادي، ومن ثم الانسحاب من هناك». كانت هذه إحدى محادثات المكتب السياسي الأكثر أهمية بشأن الحرب الباردة. لكن ال «سي. آي. إيه» لم تكن على علم بالأمر. لم يطلع الامريكيون على قرار غورباتشوف إلا بعد سنة. فهم محللو الوكالة وأقسام أخرى من المجتمع الاستخباراتي الامريكي، بعض الضغوطات القوية التي واجهها غورباتشوف والقيادة السوفيتية في ذلك الوقت. فقد كان اقتصاد الاتحاد السوفيتي على شفير الهاوية. وأصبحت إنجازاته التقنية متخلفة مقارنة مع الغرب الذي يعتمد بصورة أساسية على أنظمة الحواسيب. وأخذ الشعب يتوق إلى سياسات طبيعية ومنفتحة أكثر من ذى قبل. وتحدث المحللون عن بعض هذه الضغوطات في تقاريرهم السرية. لكن في الإجمال، فهم محللو ال «سي. آي. إيه» مشاكل الاتحاد السوفيتي الداخلية، إنما لم يفهم صانعو السياسات في إدارة ريغان بسرعة، تصميم غورباتشوف و«مُصلحيه»، على فرض تغييرات جذرية. فقد أعتبر الطرفان أن أفغانستان حقل تجارب. استحوذ مجلس الأمن القومي أثناء الجدالات التي حصلت في وقت سابق في واشنطن حول الجهاد الأفغاني، على تقرير استخباراتي دقيق حول محادثات تجرى داخل المكتب السياسي في أفغانستان. فوفقاً لهذا التقرير، الذي صنف سرياً إلى أقصى درجة، والذي عُرف في ذلك الوقت باسم «فايل»، قرر غورباتشوف عندما استلم السلطة في ربيع العام 5891م، أنه سيمنح جنرالات الاتحاد السوفيتي المتشددين سنة أو سنتين من أجل الفوز في الحرب. وبرر هذا التقييم التصعيد الذي اتبعه الامريكيون في الرد، لكن تبين لاحقاً ان المعلومات الاستخباراية التي وردت في «الفايل» مجرد جزء منعزل ومضلل. ربما كان التقرير دقيقاً عندما نشر، بالاحتشاد من أجل الانسحاب، سياسة المكتب السياسي التي يصفها التقرير. فهم محللو ال «سي. آي. إيه» الضغوطات التي يعانيها المجتمع السوفياتي أفضل مما فهموا القرار الذي تم إتخاذه، لم تعلم الوكالة بما حصل في الحقيقة داخل المكتب السياسي إلا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي. اعترف روبرت غايتس، أحد محللي ال «سي. آي. إيه» الرئيسيين المعنيين بالشؤون السوفيتية بعد سنين: «كانت تقاريرنا اليومية دقيقة، إنما انحصرت في قلة المعلومات الداخلية التي حصلنا عليها بشأن السياسات العالية المستوى». «أشرفنا على أحداث معينة، لكننا لم نتراجع في غالب الأحيان من أجل الحصول على نظرة أوسع». ساعد هذا الأمر على إدراك ان وضع الاتحاد السوفيتي في حالة تدهور إلى درجة أنه شارف على الانهيار. شكك بعض محللي الوكالة بالاستمرار في مصداقية غورباتشوف كمصلح، تماماً كما فعل ريغان ونائبه جورج بوش وكايسي ووزير الدفاع كاسبار واينبورغر ومستشارون رئاسيون أساسيون آخرون. لم تأخذ واشنطن ولانغلي بالحسبان جميع الأدلة التي تشير إلى ان القوة السوفيتية تضعف، حتى وإن برزت المعطيات بشكل واضح. واستمر محللو ال «سي. آي. إيه» المعنيون بالشؤون الأفغانية بكتابة تقارير تفيد بأن موسكو قوة موحدة تزداد قدرة أكثر فأكثر، ولم تفرض أية عقوبات أثناء حكم كايسي على الالتحاق باليمين الأيديولوجي. واعتبر بعض ضباط الاستخبارات ان كايسي سيس جزئياً محللي ال «سي. آي. إيه». أما في مديرية الاستخبارات التابعة لل «سي. آي. إيه» وعلى الأخص في القسم المعني بالشؤون السوفيتية وقسم الشرق الأدنى، فلقد ارتكزت حياة المحللين العملية وبرامجهم وميزانياتهم وخططهم المستقبلية على وجود عدو شيوعي قوي وصامد في موسكو، كما تقيدت إدارة ريغان بإيمانهم بالقوة السوفيتية، وارتيابها بشأن إصلاحات غورباتشوف. سر الانسحاب وفي الوقت الذي كان فيه غورباتشوف يقرر سراً بدء انسحاب قواته المسحوقة من أفغانستان، نشرت مديرية الاستخبارات التابعة ل «سي. آي. إيه» تقريراً يفيد ان الحرب الأفغانية «لم تكن بمثابة استنزاف دائم للاقتصاد السوفيتي»، وأن موسكو «أبدت استعدادها المتواصل لتحمل الأعباء اللازمة». وفي مركز ال «سي. آي. إيه» في إسلام آباد، «تبين حتى الآن ان الحرب قد تستمر إلى ما لا نهاية، أو أن السوفيت قد يكونون على حافة الفوز فيها». استدعى غورباتشوف «رجله» الأفغاني، الرئيس نجيب الله، للقدوم إلى موسكو نهار جمعة في بداية ديسمبر عام 6891م. كان نجيب الله طالباً في كلية الطب في جامعة كابول عندما كان حكمتيار يدرس الهندسة فيها، كان وطنياً أفغانياً مقبولاً أكثر من بعض الاختيارات التي قامت بها ال «كي. جي .بي» في السابق. كان ينتمي إلى قبيلة غيلزاي الباشتونية، بينما تعود جذوره إلى شرق أفغانستان. وتحدرت زوجته من عائلات قبلية ذات روابط ملكية. ازدادت ثقة نجيب الله بنفسه وأخذ يتحدث بفعالية. إلا أن العائق الأساسي الذي كان أمامه بصفته قائداً وطنياً، هو ان معظم المواطنين أعتبروه قاتلاً جماعياً. طلب غورباتشوف سراً من نجيب الله محاولة
تقوية موقفه السياسي في افغانستان، مستبقاً الانسحاب الكلي للقوات السوفيتية في فترة تتراوح بين ثمانية عشر شهراً إلى سنتين. وبينما بادر غورباتشوف إلى إقامة محادثات دبلوماسية هادئة لتمهيد طريق للانسحاب، صُعق عند اكتشافه ان الامريكيين قد لا يريدون التفاوض بشأن قضية أفغانستان، أو مستقبل آسيا الوسطى على الإطلاق. بقوا متفانين لجهادهم العسكري، ولم يأخذوا احتمال الانسحاب السوفيتي على محمل الجد، ما أثار في بعض الأحيان غضب غورباتشوف. وقال لدائرته الداخلية: «وضعت الولايات المتحدة لنفسها هدف تعطيل عملية التسوية في أفغانستان بأية وسيلة كان». ماذا كانت خياراته؟ أراد بأية وسيلة وضع حد للتدخل السوفيتي. شكك في إمكانية خوض الأفغان الحرب بمفردهم، لكنه أراد من خلال أية تسوية الحفاظ على قوة السوفيت واعتبارهم. رأي أن: «ملايين الجنود دخلوا أفغانستان»، «ولن نتمكن من ان نشرح لشعبنا لمَ لمْ نكمل الأمر. تكبدنا خسائر فاضحة، من أجل ماذا؟». في 51 ديسمبر عام 6891م، نهار الاثنين الذي تلى لقاء غورباتشوف السري بنجيب الله، وصل كايسي إلى مقر ال «سي. آي. إيه» الرئيسي ليحضر نفسه كي يشهد أمام جلسة مجلس الشيوخ المقبلة حول فضيحة «إيران- كونترا». عند الساعة العاشرة، بينما قاس طبيب ال «سي. آي. إيه» ضغط دمه في مكتبه، بدأت يد كايسي اليمنى ورجله بالإرتعاش بقوة. ثبته الطبيب في كرسيه. سأله كايسي بيأس: «ما الذي يصيبني؟». أجابه الطبيب: «لست متأكداً». حضرت سيارة إسعاف ونقلته إلى مستشفى جورج تاون. تتالت النوبات القلبية. وأظهر التصوير الطبقي كتلة عند الجانب الأيسر من دماغه. لم يتعاف كايسي قط. زاره نائبه روبرت غايتس في غرفته في المستشفى بعد شهر. قال مدير ال «سي. آي إيه»: «حان الوقت كي أتنحى». عاد غايتس في اليوم التالي بصحبة المحامي العام إيدوين ميسي وقائد الأركان في البيت الأبيض دونالدت ريغان، وهو مدير تنفيذي سابق في وول ستريت، ذو شعر فضي اللون. أغرورقت عينا كايسي بالدموع، وبالكاد استطاع التحدث. حاول ريغان ان يسأله عن مستقبل ال «سي. آي. إيه» ويذكرريغان: «كل ما سمعته هو أصوات غير مفهومة». ففسرت زوجة كايسي، صوفيا، أقواله: «بيل، أنت تعني «أحضر أفضل رجل تستطيع إيجاده»، أليس كذلك؟». تدخل ريغان: «بيل، ما تقوله هو أنك تريدنا ان نحل مكانك، أليس كذلك؟». أصدر كايسي المزيد من الأصوات غير الواضحة. فقال ريغان: «هذا كرم كبير منك، وربما يأتي في مصلحة الجميع». فانهمرت دموع كايسي من جديد. يسترجع كايسي ذكرياته قائلاً: «أمسكت يده، كان الأمر قد أنتهى». «إلا أنه لم تجر أية محادثة حقيقية». عمل كايسي كمدير لل «سي. آي. إيه» لمدة ست سنوات ويوم واحد. وبعد مضي أربعة أشهر، توفى في مقره في لونغ آيلند في سن يناهز الرابعة والسبعين. مع مرور السنة، خطط العميد محمد يوسف، رئيس العمليات الأفغاني في ال «آي. أس. آي»، الذي كان أحد الأشخاص الأكثر إعجاباً بكايسي، للقيام بهجمات جديدة داخل الأراضي السوفيتية عبر الحدود. قال يوسف إنه سمع كايسي يؤيدها. في أبريل 7891م، مع ذوبان الثلج، عبرت ثلاث فرق مجهزة من ال «آي. أس. آي» أموداريا سراً إلى داخل وسط آسيا السوفيتي. أطلق الفريق الأول صاروخاً على مطار قرب تيرميز في أوزباكستان. وتلقى الفريق الثاني، وهو مجموعة من حوالي عشرين مقاتلاً مجهزاً بقاذفات صواريخ وألغام مضادة للدبابات، تعليمات من ال «آي. أس. آي» تقضي بنصب كمائن قاتلة على طول الطريق الحدودية، فتمكنت هذه المجموعات من تدمير عدد من العربات السوفيتية. أما الفريق الثالث، فقد أصاب موقع مصنع على بعد أكثر من عشرة أميال داخل الاتحاد السوفيتي بواسطة وابل من القذائف القوية المحرقة التي يبلغ عيارها «701» مليمترات. شن الهجوم في الوقت الذي كانت فيه ال «سي. آي. إيه» تنشر في واشنطن صوراً التقطها القمر الصناعي تظهر أعمال شغب في شوارع ألماآتا، عاصمة اوزباكستان في وسط آسيا السوفيتي.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.