جددت قوى الاجماع الوطني توعدها باسقاط النظام على لسان محمد ضياء الدين رئيس لجنة التعبئة بالتحالف مبررا للخيار بأنه سيكون رد الفعل الملائم ازاء خطوة الحزب الحاكم والحكومة باتخاذ قرار رفع الدعم عن المحروقات ، وأن خيار الاسقاط يعد في عرف المعارضة انحيازاً لصف المواطن ويعبر عن تحملها لمسئوليتها الوطنية، ليتزامن التصريح مع انتهاء مهلة ال100 يوم التي أعلنتها قوى الاجماع بهدف ترتيباتها لاسقاط النظام، لتنطلق اسئلة عن أدوات المعارضة في اسقاط النظام بعد انتهاء المائة يوم المعلنة ؟!! الرحلة السياسية السودانية ، منذ مجئ الانقاذ في 89 تنفي أن تكون قوى الاجماع أول القائلين باسقاط النظام في الساحة السودانية في مواجهة الحزب الحاكم بل سبقها في رفع شعار الاسقاط، التجمع الوطني الديمقراطي أول تحالف للمعارضة الذي تكون في أكتوبر 89 ، الذي حسم خياراته باسمرا 23 يونيو1995م فيما عرف بمؤتمر القضايا المصيرية، وأحتوى اجتهادات الساسة السودانيين وخلاصات عقولهم وتصوراتهم الى ما بعد اسقاط النظام، متخذا الخيار أو العمل العسكري وسيلة لتحقيق ذلك الاسقاط، وترتب عليه يومذاك اشتعال الجبهة الشرقية في تزامن مع الجبهة الجنوبية بقيادة الحركة الشعبية التي انضمت للتجمع في العام 1994م.. برغم مرور أعوام طويلة على شعارات التجمع، تخللتها تغييرات في مواقف القوى السياسية، بل وتغيير في الصيغة التحالفية الى تحالف جوبا ثم الاجماع الوطني ، الا أن العامل المشترك ظل في هذه التحالفات هو عدم الرضا عن النظام الحاكم، الا أن التجربة تحكي أيضاً ان محطات تم فيها التراجع عن الشعار جزئياً لصالح التفاوض وتحقيق اختراق في جدار تعصب الحزب الحاكم للبقاء منفرداً في السلطة ، وتلبست تلك التراجعات برداء المصلحة الوطنية والحفاظ على السودان الموحد والابتعاد عن الافغنة والبلقنة والصوملة قياساً على ما شهدته تلك المناطق من انفلات الصراع على السلطة وفقدان السيطرة عليه وعن محدداته المنطقية، فبرزت جيبوتي بين الامة والوطني ولقاء جنيف بين الشعبي والامة ، ولقاء جدة بين مولانا الميرغني ممثلاً لبقية التجمع وعلي عثمان النائب الاول لرئيس الجمهورية ثم اتفاق القاهرة الذي جاء بقيادة التجمع للخرطوم، بالاضافة لأم الاتفاقات نيفاشا التي كانت بمثابة المحطة النهاية للعمل العسكري المعني باسقاط النظام آنذاك.. تحورات المواقف بالجلوس مع النظام بللتها أمطار الاتهامات المتكررة بين القوى السياسية والاطراف الاخرى بالنكوص والتراجع ، ما دفع القوى السياسية لإعادة تخندقها قبيل انتخابات 2010م، فيما يعرف بتحالف جوبا الذي تطور لتحالف قوى الاجماع الوطني، الذي أعاد شعار اسقاط النظام في أولوية مقرراته.. الملاحظ أن شعار اسقاط النظام لم يكن فقط هدفا لتحالف القوى السياسية السودانية، بل ظل الشعار لحناً مميزاً لكثير من قيادات العمل السياسي وأحزابهم كل على حدة في مقدمتهم الشيوعي السوداني والشعبي باعتبارهما أكثر احزاب الساحة السياسية السودانية ارقاً للحزب الحاكم في الخرطوم.. اسقاط النظام في الخرطوم لدى قوى الاجماع تجاوز ما افرزه الربيع العربي في الكثير من البلدان من ظواهر سلبية تختزل اسقاط النظام في تغيير الشخوص، و وضعت قوى الاجماع أو المعارضة السودانية عموماً في صيغتها الحزبية المدنية تعريفها الخاص لاسقاط النظام وعبر عنه ابراهيم السنوسي نائب الامين العام للشعبي في حديثه ل(الرأي العام) في وقت سابق، بأن النظام هو أشخاص، ومؤسسات، واختيارات سياسية واقتصادية، وبالتالي فان التغيير هو تغيير جذري سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، ومقاطعة كافة الاختيارات السياسية والاقتصادية التي قام ضدها هذا التغيير.. الاتفاق على طبيعة التغيير وآليات تحقيقه كان الخطوة الاولى لقوى الاجماع الوطني لتحقيق اتفاق حد أدنى، وهو ما حملته مقررات التحالف في أكثر من حديث ومناسبة، بالاصرار على حتمية اسقاط النظام وتغييره، لتنتقل مكوناته الى مربع الاتفاق على الآليات وتم النص على الخيارات السلمية لاسقاطه.. تأخر وعود المعارضة في تحقيق هدفها باسقاط النظام أسس لتكذيب الشعار وسط الجماهير وخلق قطيعة غير حميدة في مصداقيتها، الامر الذي ارجعه ناشطو المعارضة السودانية منذ حقبة التسعينيات وقبيل توقيع اتفاق السلام في نيفاشا، الى مجموعة من العوامل، على رأسها طول مدة المراهنة على العمل العسكري وحده في تحقيق الهدف، الأمر الذي جعل عمليات التعبئة السياسية دون المطلوب وبالتالي غاب المردود السياسي للعمليات العسكرية الناجحة في الشرق والجنوب، ما أدى لهشاشة الموقف الداخلى في استقبال أنباء التفاوض مع النظام الذي تطور لاحقاً لما يعرف باتفاق السلام الشامل واتفاقات جدةوالقاهرة لبقية مكونات تجمع التسعينيات، وعضد كمال عمر الامين السياسي للشعبي في حديثه ل(الرأي العام) قبل فترة ليست بالقصيرة، وجهة النظر تلك، بان شعار اسقاط النظام هو الموقف المبدئي والرسمي لقوى الاجماع، بيد أنه على المستوى الحزبي وخصوصاً لدى الشعبي الذي ظل- بحسب ما قاله كمال- يرفعه منذ بواكير خروجه للضوء كخط سياسي، اصطدم بحوارات شركاء الشعبي في المعارضة مع المؤتمر الوطني، وأن ذلك هو السبب في تعطيل ترجمة الشعبي لخياراته.. خروج المائة يوم من حسابات قوى التحالف، كانت النتيجة المنطقية ازاء تصريحات الرفض المباشرة من قبل الامام الصادق المهدي رئيس حزب الامة القوى وأكبر احزاب التحالف، بالاضافة للنقد الذاتي الممارس علناً من قبل احزاب التحالف لاداء التحالف وآخره ما تناقلته تقارير اعلامية منسوبة لهالة عبد الحليم رئيس حركة القوى الجديدة (حق)، الا ان الكثيرين من قيادات المعارضة وناشطيها بينوا أن الهدف من اعلان المائة يوم ليس التصور الشعبي المنتشر حولها بأن نهايتها تعني سقوط النظام، وانما مهلة لاكمال الترتيبات اللازمة للتحالف في تعبئة الشارع لتصريف خط اسقاط النظام من ندوات جماهيرية وتحريك تعبوي يتسق مع آليات الشعب السوداني المعتادة في العمل المدني كالاضراب السياسي والعصيان المدني والتظاهرات تراكمياً الى تحقيق الهدف ، الامر الذي حال دونه اجراءات رفض تصديق الندوات. التنسيق بين قوى الاجماع والجبهة الثورية التحالف السياسي العسكري لاسقاط النظام، ساهم أيضاً ضمن عوامل أخرى في تضييق فرص القوى السياسية من الاستفادة من خطة المائة يوم، وأعاد بدون قصد ذات عمليات المراهنة الجماهيرية على العمل العسكري بدلاً عن العمل السياسي وبالتالي تراجع الاهتمام بعمليات التعبئة لصالح انتظار عربات الجبهة الثورية في دخول المدن على ذات سياق ما حدث في جنوب كردفان والنيل الازرق، ما عطل أيضاً القدرة الفعلية للقوى السياسة في تحريك الجماهير، خصوصاً بعد نقل مأساة التجربة الانسانية لمواطني أب كرشولا.. عامل آخر ساهم في احراج قوى الاجماع في تصريف خطتها التعبوية هو تماسك النظام نفسياً ولا يتوقف على قدرة القوى السياسية وامكانياتها ولم يكن ضمن التوقعات، بل يرتبط برغبات وارادات قوى دولية ترفض تغيير النظام، وحملته تصريحات المبعوث الامريكي الخاص السابق بريستون ليمان أواخر العام قبل الماضي بقوله (انتقال الربيع العربي للسودان ليس من أجندتنا، وبصراحة لا نريد إسقاط النظام ولا تغييره)، وأضاف(نريد إصلاح النظام بإجراءات دستورية نريد الحرية والديمقراطية في السودان، لكن ليس بالضرورة عن طريق الربيع العربي) لينسف ليمان أي أرضية دعم أمريكي لعمل معارض مسلح في السودان بقوله(حكومة الولاياتالمتحدة تعارض العمل العسكريّ ضد حكومة السودان، لأنه يزيد مشاكله التي يمكن أن تنتقل إلى الجنوب فتؤثر على وحدة كليهما)، وهو ما يجعل كل امكانيات الشعبي المعلنة والمستبطنة في مواجهة مع امكانيات اجهزة دولة كبرى كامريكا، واستبقه في ذات الوجهة المبعوث السابق سكوت غرايشون بتصريحات مماثلة ، قبل أن يعززها القائم بالاعمال الامريكي الحالي جوزيف استافورد بكشفه عن اتصالات تجريها ادارته بالحركات المسلحة من أجل الحلول السلمية في السودان. وطبقاً للفرضيات السابقة، و بغض النظر عن نوايا قوى الاجماع أو امكانياتها وبغض النظر عن كفرها من عدمه بالعمل العسكري والنهج الانقلابي ، الا أن مجموعة كبيرة من العوامل في مقدمتها الارادة الدولية وحرص المجتمع الدولي على استقرار الجنوب الذي يرتبط باستقرار الشمال، سيكون لها القدح المعلى في تكسير خط اسقاط النظام سلمياً أو عسكرياً، وهو ما يجعل الامر خاضعاً لكيفية انتاج تصورات بديلة لعمليات التغيير لدى قوى الاجماع لا تتخذ من التفاعلات العفوية ازاء لقمة العيش وقوداً لها..