إلى متى وإلى أين تمضي جرائم قتل الأبرياء , بمناطق دارفور .. ؟ هذا السؤال ظل يطرق بشدة أروقة المسؤولين في ولايات دارفور ويؤرق مضجع السكان ... مع تصاعد معدل القتلى المدنيين على أيدي جماعات مجهولة لأسباب ليست من بينها السياسة , آخرها جريمة مقتل محمد احمد صالح مدير التعليم بمحلية بليل بولاية جنوب دارفور واثنين من أبنائه في هجوم غادر بالقرب من مزرعتهم في منطقة كوكوجا (18) كيلو شمال محلية البليل ,الحادث الذي هز المجتمع المحلي أثار دهشة السكان بقدر الحزن العميق الذي ألقى بظلاله عليهم لسماحته وتعامله الراقي مع الجميع , وخلف صورة قاتمة على مستقبل المنطقة التي باتت تتخوف من الهجمات الغادرة من مجهولين في أيديهم آلة الموت يبحثون عن المال , بكل السبل ولو على جثث الأبرياء , مقتل رب الأسرة واثنين من ابنائه ترك جرحا غائرا في نفس زوجة القتيل التي فقدت (3) من أعز الناس اليها في حادث واحد (زوجها واثنين من فلذات كبدها ) و نجت هي من الموت بأعجوبة, وتمنت الرحيل معهم بعد ان أحال الفقد حياتها الى ليلة ظلماء . عبدالمنعم محمد احمد ابن الراحل محمد احمد الذي يدرس بجامعة ام درمان الاسلامية الفرقة الثالثة كلية أصول الدين روى ل (الرأي العام ) التفاصيل المؤلمة لرحيل والده وشقيقيه , وعادت به الذاكرة الى اللحظة الاولى التي تلقى فيها النبأ حين انساب الى أذنيه صوت تخنقه غصة ليدرك بان خطبا ما أصاب عزيز عليه وبالفعل سقط عليه النبأ كالصاعقة شلت حواسه من فرط هوله من خلال مكالمة أحد اقربائه , ويمضي عبد المنعم بعيدا بذهنه بانه لا يزال لا يصدق بان والده وشقيقيه قتلوا بتلك الصورة البشعة التي رواها له الشهود قبل ان يستطرد بقوله بانه سافر الى هناك لمتابعة ماحدث عن كثب يقول : لم أتصور أبدا ان يقوم أحدهم بقتل والدي واثنين من اخوتي فليس لديهم عداوة مع أحد والمعروف عنهم بانهم يسعون للخير للجميع حتى انني لا اعرف حتى الآن من هؤلاء القتلة او الاسباب التي دعتهم لارتكاب هذه المجزرة في حق أسرتي فقد رفضت ادارة السجن زيارتي لهم عندما طلبت مقابلتهم لاستفسر منهم عن هذه الأسباب . الزوجة المكلومة خديجة عثمان مديرة مدرسة بليل الأساسية ورئيسة اتحاد المرأة بالمحلية التي شهدت الحادث الغريب روت القصة والغصة تمنعها من الحديث وقالت , ان شرارة الحادث بدأت بقيام جماعة مجهولة باستفزاز المجني عليه محمد صالح بمحادثة تلفونية ومن ثم تحولت لهجة المتصل الى وعيد وتهديد بالقتل ولكنه لم يعر الأمر اهتماما ولم يكن في باله بان الأمر يمكن ان يأخذ منحى حقيقيا , وفي يوم الحادث تحركت عربة البوكس التي يقلها الراحل وأسرته ومعهم (13) من نساء العائلة الى مزرعة تخص الاسرة بمنطقة (كوكاجا) لزراعة تقاوي وعند وصولهم تلقى المجني عليه مهاتفة اخرى من نفس الشخص طلب منه الخروج اليهم خارج المزرعة فتحرك بعربته برفقة ابنيه الاثنين للتفاهم معهم ولكن ما ان خرجت العربة حتي أحاط بها اربعة أشخاص مسلحون يمتطون جمالا, ودون نقاش قاموا باطلاق ثلاث عشرة طلقة على الابن الاكبر المهندس بهاء الدين مدير شبكة الكهرباء بالمحلية وعند اعتراض الأب قاموا باطلاق ثلاث عشرة طلقة عليه ايضا ثم قاموا باطلاق تسع طلقات على الابن الثاني فخرالدين وهو رئيس اتحاد الطلاب بالمحلية وحاولوا أخذ الابن الأصغر وهو لم يتجاوز العشر سنوات (احمد) معهم الا انهم تراجعوا واعادوه اليهم ثم عادوا بعد نقاش بينهم, يبدو انه كان يدور حول تصفية كل من كان بالعربة ولكن اعترض احدهم على قتل الجميع وقال ان الاتفاق كان بقتل واحد فقط ولكن المجموعة الاخرى أقنعته بانهم يمكن ان يعودوا للانتقام منهم وعادوا لاطلاق خمس طلقات على المصابين للإجهاز عليهم قبل ان يأخذوا مبالغ كانت بحوزة الأب وفروا هاربين . وتواصل خديجة انه وبعد رحيلهم سارعت بأخذ الهاتف من جيب زوجها واتصلت بالجهات المسؤولة لتحضر مجموعة من الجيش والشرطة ويتم اقتفاء اثر الجمال والذي قادهم الى احدى القرى فتم تطويقها والقبض على الجناة ال (4) وبحوزتهم الأسلحة التي قتلوا بها المجني عليهم . ولم تكن تلك الجريمة الشنعاء الاولى ولن تكون الأخيرة, في إقليم دارفور الذي يعج بالمجموعات المسلحة التي لا تتورع في قتل الأبرياء من أجل الحصول على المال وفي ذات ساعة والصباح يأذن بالانبلاج كانت الآلة المميتة تحصد أرواح ثلة من الباحثين عن (ذهب) , أناخوا الرحال داخل مدينة كتم قبل التوجه الى أودية الذهب في نهاية العام الماضي , كانت حصيلته (3) قتلى اجهز عليهم بدم بارد وجرح (7) آخرين عندما فتح عليهم مسلحون النار وهم نيام على مسافة قريبة من مركز شرطة المدينة. وكان الضحايا قدموا من جنوب دارفور واختاروا المبيت قرب مركز الشرطة, ظنا بانه المكان الاكثر أمنا , ولكن خاب فألهم . ففي حوالي الساعة العاشرة مساء كانوا داخل كماشة من مجموعة توجه الى رؤوسهم السلاح الفتاك ولكنهم شعروا بان الشرطة قريبة منهم ففروا الى مكان ليس ببعيد ، لانهم في الثانية فجرا كانوا يفرغون ما في جوف اسلحتهم الآلية على رؤوسهم بينما هم في سبات عميق ولقي (اثنان) مصرعهما في الحال، وجرح (8) توفي واحد منهم في الصباح متأثرا بجراحه. ونقل الجرحى الى مستشفى كتم لتلقي العلاج ، الرعب حسب شهود عيان يتذكرون الموقف الذي لن يتلاشى عن الذاكرة بعد اكثر من (9) أشهر , كان يعتلي وجوه سكان المدينة وهم يلقون النظر على الجريمة الغريبة وشباب غض مضرج بدمائه في بحيرة من الدماء و اصبحت مشاهد القتل مألوفة اكثر من مشاهد كرة القدم في الفضائيات , ووصف المواطنون الوضع الامني في المنطقة بانه غير مستقر و منفلت مع انتشار حمل السلاح من جماعات معينة بملابس مدنية دون ان يسألهم احد ، وطالبوا السلطات المحلية بتوفير الامن ونزع السلاح من أيدى هذه الجماعات .