دعوة للمشاركة في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدةبنيويورك في دورتها الثامنة والستين تلقاها الرئيس البشير بحسب مصادر عليمة نقلت الخبر ل(الرأي العام) فهل سيذهب الرئيس البشير إلى هناك ؟ وما هي الفرص لنجاح مثل هذه الزيارة ؟ وما هي المحاذير التي ربما يقف عندها الأمريكان من قبل أن يأذنوا للرئيس البشير بدخول بلادهم مهما كان القصد إلى مقر الأممالمتحدة لا يجاوزها إلى ميدان أمريكي خاص؟ لكن السلطات الأمريكية قد تجد نفسها كذلك أمام غضبات المنظمات الحقوقية وجماعات الضغط التي ستهتبل الفرصة لا تفوت تنظيم الاحتجاجات أعنفها على وجود البشير ضمن تلك الفعالية الأممية. لكن أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة عبر تاريخها شهدت تعابير متنوعة من الاحتجاجات على مشاركات رؤساء و وفود تعددت بين الاحتجاجات الشعبية الجماهيرية وأخرى رسمية صادرة عن ذات الوفود التي تمثل بلدانها في ذلك الاجتماع على نحو ما ظلت دول من أوروبا وأمريكا تقاطع خطابات الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد منسحبة عن قاعة الاجتماع الأول فور وصوله إلى منصة الخطاب، لكن المشادات والمقاطعات الأطرف التي شهدتها أروقة الأممالمتحدة كانت سجالاً بين الرئيس الروسي نيكيتا خروتشوف ومناوئيه، كانوا ينسحبون ساعة إلقاء خطابه بينما كان يسخر منهم ويقاطعهم معترضاً على ما يقولون قبل أن يلجأ للتعبير الأشد احتقاراً وهو يخلع حذاءه ويضرب به المائدة أمامه بينما كان رئيس وزراء بريطانيا واقفاً يخطب. تأتي هذه الدورة للجمعية العمومية للأمم المتحدة في ظل أزمة حادة يشهدها العالم منقسم المواقف والرؤى حول الأزمة السورية المتفاقمة لا سيما من بعد التقارير التي أثبتت سقوط ضحايا بالسلاح الكيمائي وما تبع ذلك من توجهات أمريكية مدعومة من بعض الدول الأوروبية والعربية لتوجيه ضربة عسكرية للنظام السوري وهي ذات الخطوة التي لقيت الممانعة التامة والرفض القاطع من قبل روسياوإيران الحلفاء الاستراتيجيين للنظام السوري، حالة الانقسام في المجتمع الدولي وهو يقبل على الجمعية العامة (68) يعيد إلى الأذهان ذات الاجتماع الذي كان قد قاطع من خلاله الرئيس الروسي خورتشوف خطاب رئيس وزراء بريطانيا وهو يقرع الطاولة بحذائه تعبيراً عن الاحتقار والازدراء، إلا أن الواقعة الأخطر في ذلك اللقاء كانت في الضغوطات الشديدة التي راحت روسيا تمارسها على الأمين العام للأمم المتحدة داج همرشولد من أجل تقديم استقالته إذ لم تجد فيه إلا خادماً وفياً لأطماع الدول الاستعمارية والأمبريالية الأمريكية وإذ مضى همرشولد يرفض الاستجابة للضغوطات الروسية مدعوماً من قبل الأمريكان فقد قضى نحبه على إثر انفجار طائرته في حادث شديد الغموض دون أن تتمكن جهة من فض طلاسمه. هذا وكان همرشولد في طريقه إلى زيارة لزامبيا التي كانت تعج بالفوضى والعنف في أعقاب نيلها الاستقلال. الرئيس البشير ذاته وجد نفسه في آخر زيارة له إلى أمريكا جاءت لذات الغرض ، وجد نفسه مقيد الحركة داخل نطاق محدود المدى لا يجاوز أقطاره إلى خارجه متعدياً مقار الأممالمتحدة إلى حيث الفضاء الأمريكي الشاسع، وكانت السلطات الأمريكية قد قدمت تبريراً لذلك الفعل بأن البشير وفد إليها قادماً من كوبا حيث نال تأشيرة الدخول إلى أرضيها من هناك وإذ أن القنصلية الأمريكية في كوبا تضع قيوداً على القادمين من كوبا فقد سرى ذلك على البشير باعتبار المكان الذي نال فيه التأشيرة لا باعتباراته الشخصية، من هنا فإن صحت المعلومات التي تنبئ عن توجه البشير بطلب لنيل تأشيرة الدخول إلى أمريكا من أجل حضور اجتماع الأممالمتحدة لا يبدو أمام السلطات الامريكية المختصة فرصة لرفض طلبه طالما كان الأمر متعلقاً بمحفل دولي لا يعبر عن السيادة الأمريكية ، وبهذا فإن السلطات الأمريكية يمكن لها أن تتفادى الحرج جراء أيما احتجاجات تناهض زيارة البشير لنيويورك بذات الحجة التي تمنح بها الرئيس أذن الدخول، هذا إن كانت الخطوة في مجملها خطة للمناورة السياسية من قبل الحكومة السودانية التي أوشكت أن تضع مسار العلاقات بينها وبين المملكة العربية السعودية في أفق حرج وانتكاسة على مستوى علاقة البلدين عقب رفض السلطات السعودية السماح لطائرة الرئيس البشير عبور أجوائها إلى إيران التي كان يقصدها للمشاركة في مراسم تنصيب الرئيس روحاني. إلا أن ثمّة معضلة أخرى تقف في طريق المطي تحول دون أن يبلغن بالبشير نيويورك حال حصوله على تأشيرة الدخول ذاك أن رحلات البشير الخارجية باتت محفوفة بالمخاطر منذ إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف بحق البشير، لكن محاولات البشير تخطت آثار تلك المذكرة، والتحرك بحرية ظلت تتوالى على الدوام مهما بدت الرحلة طويلة والسفر غير قاصد وإذ مثّلت زيارة البشير إلى الصين ذروة المخاطرة فقد إتهم المؤتمر الوطني ساعتئذٍ الولاياتالمتحدة صراحة أنها تقوم بتحريض الدول التي لم تسمح بمرور الطائرة الرئاسية التي تقل البشير في طريقه إلى العاصمة الصينية من طهرانالإيرانية. نيجيريا كانت آخر محطة خارجية وصل إليها البشير مشاركاً في افتتاح القمة الأفريقية بأبوجا التي خصصت أعمالها لمناقشة امراض الإيدز والسل والملاريا المنتشرة بالقارة الأفريقية ، وإذ لاقت الحكومة النيجيرية ضغوطاً كثيفة من أجل توقيف البشير الموجود على أراضيها فقد هدد التحالف من أجل المحكمة الجنائية باللجوء إلى القضاء المحلي لحمل السلطات على الالتزام بقرارات المحكمة الجنائية الدولية, في إشارة إلى ضرورة اعتقال البشير الذي غادر نيجيريا فجأة على حين غِرّة ، لكن متحدثا صحفيا باسم البشير نفى أن يكون البشير غادر مبكراً خشية الاعتقال قائلاً: «لقد عاد البشير بشكل عادي إلى الخرطوم بعد المشاركة في القمة بأبوجا لاستئناف عمله في الخرطوم..» يذكر أن البشير نسبت إليه إتهامات بالضلوع في جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وقعت في إقليم دارفور بواسطة المحكمة الجنائية الدولية في (4 مارس 2009) صدرت بحقه مذكرة ضبط وإحضار للمحكمة. ومنذ ذلك التاريخ أصبحت مشاركاته بصفته الممثل الأول للسودان في المحافل الدولية محسوبة العواقب وقد صرف النظر عن زيارة أربع دول هي جنوب أفريقيا وفنزويلا ويوغندا والولاياتالمتحدة ولم يحضر اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الأخيرة بنيويورك في العام الماضي. هذا ومن المتوقع أن يصل وزير الخارجية السوداني غداً إلى نيويورك يصحبه الوزير بكري صالح وآخرون من بينهم مسؤولو ملف التفاوض مع دولة جنوب السودان ومن المتوقع أن يقدم كرتي خطاب السودان أمام الجمعية العمومية يستعرض من خلاله رؤية السودان للقضايا الدولية والإقليمية إلى جانب مسار العلاقة مع جنوب السودان .. كما يتوقع أن يذكّر بإلتزامات المجتمع الدولي تجاه السودان فيما يتعلف بإعفاء ديون البلاد الخارجية.