مرات كثيرة يشعر الكاتب بالاحباط جراء ان ما يحذر منه أو يستشعره يتم بحذافيره.. كثيراً ما يصيح الكاتب: النمر.. النمر.. هجم النمر.. لا يحتفلون به لأن غيره صاح كاذباً ذات مرة.. فيهجم النمر حقيقة ويأكل من الدواب والبشر.. يجرح ويرهب فنتخلص منه بالتضحيات الجسام ولا نستعد للنمر الجديد.. لكن في مرات نادرة تتاح للكاتب فرصة ان ما كتبه أفاد.. وان ثمة من أحدث فيه تغييراً نحو الأفضل.. حدث لي ذلك عبر صحيفة «حكايات».. حين كتبت موضوعاً وجهت فيه رسالة للذين لم ينجحوا.. وذلك في موسم كرنفالات نتيجة امتحان الشهادة الثانوية والاحتفاء بالناجحين.. فأنتبهت الى فئة مهمشة.. منكسرة وحزينة.. وهم يعانون انهم لم يحققوا ابتهاج أسرهم على هذا النحو الذى يعامل الناجح كالعريس تماماً.. فوجهت لهم رسالة تضمن خطة للاستعداد للنجاح باستثمار الفشل لكني طرقت على وجدانهم.. جعلتهم يبحثون في سيرتهم عن مجالات نجحوا فيها.. الرياضة.. الفنون.. التعامل مع الحاسوب.. التصوير.. فستجد انك ناجح في مضمار ما.. أحد طلاب الشهادة الثانوية من غير الناجحين أخذ يراسلني بأنه حفظ الدرس ووعدني بأن ينجح وكان كل فترة يحكي لي عن دأبه.. فنجح بمجموع مقدر.. وهو الآن طالب بالجامعة.. أنا على يقين من انه من الناجحين دائماً.. أما طالب الجامعة.. كان قد أخفق وهو طالب في الجامعة في سنته الدراسية وبسبب حصار ظروف له يئس من المواصلة وقرر ان يترجل عن صهوة حصان الجامعة.. لكن بسبب هذا الموضوع الذى اطلع عليه ولمس فيه منطقة التحدي فقرر ان يعيد المحاولة.. فانتظم في دراسته واتخذ قراره الأخير.. حين حان موسم التخرج اتصل بي.. اوضح لي انه احس بأبوة في كلامي فنفذ ما فيه من وصايا كأنها صادرة من ابيه.. اتصل بي وقال لي يا ابوي لازم تحضر تخرجي.. حقيقة اصبحت لا أطيق حضور الاحتفالات ذات المراسيم الطويلة مثل حفلات التخرج فكل طالب يستغرق زمن احتفاله من تجاوب مع الأغنية المفضلة لديه والتي يختارها شعاراً له يستغرق ثلاث دقائق فما بالك اذا كان عدد الخريجين يقارب المائة.. لكن لم استطع أن أرد طلبه.. وحضرت الى موقع الحفل.. ويبدو ان ادارة جامعته رأت في شخصي البدين نجومية استثمرتها فكنت ضمن الذين يوزعون الشهادات.. وجاء دوره وكنت متشوقاً لأرى ملامحه لأول مرة فلم نلتق إلا عبر الهاتف ورسائله وسلمته شهادته واحتضنا بعضنا.. ولا استطيع ان اصف لكم ذلك الدفء الذى نعمت به.. كان شاباً سودانياً لوحت الشمس بشرته فاسمرت أو اتخذت لون الكاكاو.. خرجت من المكان وأنا على صدرى شارة اعتزاز بأن أكون كاتباً في هذا البلد الحنين ويترتب على كلماتي ان بعض الناس استفادوا.. خرجت بايمان جديد بمهنة الكتابة.. ان كلماتنا لا تضيع.. واننا استطعنا ان ننثر نقاطاً بيضاء ولو صغيرة جداً على اللوحة السوداء.. القاتمة السواد.. خرجت من المكان وصوت صلاح مصطفى يصدح عبر كلمات الحلنقى: عيش حياتك يا حبيبي.. انسى ماضيك انسى جرحو كم عيون كانت بتبكي عاد صفا الأيام وفرحو