-1- ثوان قليلة بدا التوتر على وجه المحاور المتميز الشاب الطاهر حسن التوم ... الذي تمرّس تماماً في اجراء حوارات مقدرة مع رجال السياسة والفكر .... كان آخرهم د. جعفر شيخ ادريس حيث كان اداء « الطاهر « واثقا لدرجة ساقت الحوار الى آفاق ومواقف أمتعت كل من شاهد الحلقة!! أشفقت قليلا على صديقي من حوار بوزن ثقيل يحتاج إلى مهارات خاصة وتعامل استثنائي بين الاحترام واللياقة والدبلوماسية التي تلازم الحوار مع شخص رئيس الجمهورية وبين مقتضى العمل الاعلامي والصحفي حتى يخرج الحوار من حيز الجمود إلى آفاق الحيوية والتفاعل .... وقد نجح « الطاهر « في إنجاز حوار تلفزيوني شيق حاول فيه أن يكمل الصورة !!!! منذ بداية الانقاذ وفي اول لقاءات رئيس مجلس قيادة ثورة الانقاذ العميد عمر البشير ... كان موفقاً الى درجة كبيرة حيث الاعتقاد السائد في تلك الايام ولدى عامة المثقفين ان « العساكر « لا يجيدون الحديث والحوار الا بالوسيلة التي يعرفونها جيداً. الحلقة التي بثها تلفزيون « النيل الازرق « الذي يتدفق هادراً مثل اسمه والتي استضافت رئيس الجمهورية عملت على نهجها الذي يتناول القضايا الساخنة بطريقة شيقة يستوعبها المواطن دون ملل او سأم ... وهذا جوهر نجاح هذه القناة الفتية . من المحاور العديدة التي تناولها الحوار « فلاش باك « من الجمعية التأسيسية قبل الإنقاذ بساعات قليلة ... حديث السيد الشريف الهندي والذي يعبر فيه عن حالة اليأس والإحباط والاستياء من فترة الديمقراطية والتي اوصلت زعامات في قامة الشريف الى حالة الرثاء بحيث لا يبكي لزوال الديمقراطية ... هذا اللمحة التاريخية ذكرت الناس بالأحوال قبل الإنقاذ تذكيراً مباشراً... تلك الأيام البائسة الكالحة التي كانت تبحث عن التغيير على لسان عتاة الديمقراطيين والمعروف ان بعد الفشل الديمقراطية التغيير يأتي على ظهر دبابة تي « 55» !!! - 2 - نقطة اخرى موفقة في حوار الرئيس البشير مع برنامج حتى تكتمل الصورة ... الحالة التي كانت عليها دارفور العام 1989م أبان البشير عهد الصادق المهدي والذي احتدم فيه الصراع في الجمعية التأسيسية عن الأحوال في دارفور والقرى التي أحرقت بكاملها و أبان إلى تحول الصراع في دارفور من صراع تقليدي الى حرب ضد الدولة مما اخذ بنواب دارفور بالجمعية التأسيسية بالاحتجاج الشديد وهم أنصار الحزب الحاكم في ذلك الوقت « حزب أمة « هذه الخلفية ضرورية جدا في وقت غابت فيه الحقائق واختلطت فيه االمعلومات ونسى الناس فيه بعض المسائل والمواقف ... واعتقد ان البشير امسك عن معلومات كثيرة لضرورات وطنية اكبر من التفشي في الحملة الانتخابية . من اكثر الحالات توفيقاً طريقة البشير العفوية في سرد الأحداث على طريقة السودانيين عندما أجاب لانحيازه إلى فريق « كوبر « للكرة وتفاصيل حياة يوم عادية .... من قيادة عجله ذات « إطار « متهالك قابل « للخزق « ... صورة للرئيس اقرب للجماهير ذاق معاناتهم و لم يتنكر لذاك الزمان الندي الملئ بالإحساس بالآخرين هذه الميزة تجعل المرء متصالحا مع نفسه ... واقرب إلى أصدقاء قدامى من « كوبر « حيث المنازل العادية التي تتضور معاناة يلتقي بها الرجل الاول ... الذي يحجبه البروتوكول من مقابلة الناس الا ان عادية الاشياء يتفتق منها عبقرية الرجل الاول الذي يكسر نظم البروتوكول ويقيم حوارا مباشرا مع الجماهير الهادرة ليرى الشيخ الذي انهكته السنين ... والفتى المتطلع لمستقبل زاهر تأبى الاحوال والفقر والحياة المتسارعة ان تلبى نذراًَ من أحلامه والمرأة ذات الشلوخ التي غاب جمالها مع عنت الحياة ... كل الوجوه يحاول البشير ان يراها كفاحاً بعيداً عن التقارير وهم السودان المستهدف أصلا . - 3 - من النقاط المضيئة في الحوار ليكتمل السؤال عن الفساد والذي اجاب عليه بشكل واف وصريح حتى لا يترك الحديث للشائعات عن الفساد الذي عم البر والبحر كما تدعي المعارضة ... قلل البشير من الشائعات وفي ذات الوقت لم ينف عدم حدوثه .... حيث البشر بشر والملائكة ملائكة وافاد الى تدابير شفافة تفتح للمراجع العام الباب واسعا لرفع تقريره للمجلس الوطني قبل ان يطلع رئاسة الجمهورية ومجلس الوزراء ... الخوف كما افاد من فساد المؤسسات الذي يحمي افراده بحصانة مهنية فائقة في الاحترافية . لم يدافع الرجل الاول عن اي فاسد وبهذا اكتملت الصورة التي تتخيل ان هناك اصحاب حظوة لهم « فيتو « من المحاكم والمحاسبة والذي ذكره على الهواء مباشرة ان يتوخى الشاكي المعلومة الكاملة والأوراق والمستندات المكتملة حتى لا يلقي بالتهم جزافاً !!! فالدعوة لكل من يحمل تهمة لفساد فليذهب بها للنائب العام ... فالإنقاذ صارت جماهير وجماعات ومؤسسات لا تدعي القدسية بقدر ما تتوخى العدالة . اما الطرفة التي سردها البشير عن اعداء الانقاذ تدل على احتمال الآخر والصفاء والسماحة التي يتميز بها انسان السودان الذي له من الصفات والمميزات التي تؤهله الى مقعد خاص له علاقة بالزهد والرضى والايثار كما في حالته . قابلني معارض عتيق له حكمة وحصافة وعلق على الحوار « حتى تكتمل الصورة « ان اداء الرجل الاول فاق تصوره وادرك اجتيازه اختبار الانتخابات بكفاءة عالية . لا يحتاج « البشير « مني « لتكسير الثلج « خاصة هذه الايام التي يحاط فيها بالجماهير ولكن يبدو الامر خاصاً بالبرنامج التلفزيوني ليس الا والذي اتاح رؤية اخرى للرجل الاول الذي نجح في ذلك اللقاء للتقدم نحو السباق الرئاسي باقتدار محملاً بأخطاء كثيرة ونجاحات باهرة ... ووعد باستمرار مسيرة التنمية الا مسألة واحدة شابت اللقاء بأسى ان الجنوب في طريقه للانفصال رغم ان ذلك استحقاق في اتفاقية نيفاشا . نجاح حوار تلفزيوني بهذا الوزن ... يفتح للمحاور الشاب المتقدم ان يمضي حثيثا في هذا الصدد ... ويمنح رجال السياسة والدولة صورة اقرب للجماهير التي تحاكم على الحديث والوعود وحتى الامال المرجوة وهذا اخطر ما في تلك الحوارات !!!!