بعد أقل من 24 ساعة على إنسحاب مرشح الحركة ياسر عرمان تجددت حيرة المشهد السياسي بالإعلان عن مغادرة مرشحي تجمع جوبا لمارثون سباق الإنتخابات الرئاسية. الخطوة لم تكن بعيدة عن التوقعات نظراً لإرتباط القوى المعارضة ببوصلة الحركة الشعبية، وبحكم المطالب المتكررة لقياداتها بضرورة تأجيل الإنتخابات، لكنها كانت غريبة من حيث المبررات وطريقة وتوقيت الإخراج. الملاحظة الأولى تقول إن مغادرة مرشحي تجمع جوبا للسباق الرئاسي كان بمثابة مجاملة للحركة الشعبية التى تصدت لتبعات الإنسحاب مبكراً وغادرت إنتخابات الرئاسة بليل. ويبدو أن القواسم المشتركة بين أطراف تجمع جوبا - الذى تعتبر الحركة أباً روحياً له - فشلت فى إحداث توافق حول مقاطعة العملية الإنتخابية، خاصة وأن المؤتمر الشعبي أحد الأركان الأساسية فى تجمع المعارضة ما زال يغرد خارج سرب جوبا. ويتمسك بخوض الإنتخابات ضارباً بتحفظات حلفائه عرض الحائط. ما يثير قدراً من الغرابة فى مبررات (الصادق- نقد- مبارك - حاتم السر) هو التأكيد على الإنسحاب من الإنتخابات بشقها الرئاسي وخوضها فى شقها التشريعي والولائي، على الرغم من المطالبة بتغيير المفوضية والتشكيك فى نزاهة العملية برمتها، والسؤال الذى يفرض نفسه بالحاح يقول: ما الذى يجعل من إنتخابات الرئاسة محل طعن وتشكيك، ويعصم الإنتخابات التشريعية والولائية من القدح فى اكتمال إجراءات النزاهة؟. من الطبيعي أن يكون هنالك تحفظ من قبل القوى السياسية معارضة أو موالية على العملية الإنتخابية، ووارد جداً أن تتم مقاطعتها بشكل كامل، ولكن من غير المعقول أن تتمسك أحزاب المعارضة بحقها فى الشق التشريعي وتقاطع السباق الرئاسي آخذة فى اعتبارها موقف الحركة التى غادرت الإنتخابات الرئاسية لحسابات داخلية وقناعات إستراتيجية حسمت قراراتها وتحركاتها بإتجاه ما يهيئ المسرح للإنفصال، أو ما يفتح الطريق أمام الرئيس عمر البشير لأن فى ذلك ضمان لإجراء الإستفتاء فى موعده وإنسياب حصة الجنوب من الثروة ومكاسبه من السلطة. الإنسحاب الجزئي من الإنتخابات لن يخطف نكهة السباق الذى يجد دعماً دولياً متواتراً ولن يضعف حيوية الممارسة لأن فيه اعتراف غير مباشر بمفوضية الإنتخابات وسلامة الإجراءات المتبعة حتى الآن، الواقع يقول إن الحركة لن تتمكن من مغادرة الملعب الإنتخابي كلياً نظراً لأنها طرف فى اتفاقية تلزمها بتنفيذ استحقاقاتها وحرصاً منها على عدم تأجيل الاستفتاء، لكن أحزاب جوبا لا اعتقد أنها ملزمة بخوض انتخابات جزئية ترى في مفوضيتها عدم النزاهة وفى إجراءاتها الإفتقار للحيدة وتوفير ضمانات الممارسة الحرة، لكن المعارضة أخطأت حينما قررت إستخدام تكتيكات الحركة على الرغم من اختلاف الأهداف. ويمكن القول إن أحزاب جوبا غادرت السباق الإنتخابي منذ أن تلكأت فى إجراءات تسجيل الناخبين، وأخذت تقدم (رجل) وتؤخر أخرى وتفشل لمرات فى تحديد موقفها من خوض الإنتخابات ابتداءً، وفى ذلك الوقت كان (حشاش) المؤتمر الوطني عاكف على (ملء) شبكته من بطاقات الناخبين. أحزاب المعارضة أهدت الحيرة للشعب السوداني والفوز لمرشحي الوطني، وأخطأت فى المشاركة المتأخرة وعادت لترتكب ذات الخطأ وهي تنسحب فى توقيت متأخر مكن إنتخابات السودان من كسب المساندة الدولية وإحداث الزخم الجماهيري، والمعارضة تصرعلى أن تمسك (دربي) المشاركة والمقاطعة ليصح عليها المثل الشعبي (مساك دربين ضهيب).