كنت ماراً بجوار الحديقة النباتية في حي المقرن.. أبصرته جالسا القرفصاء يأكل من أوراق شجرة تكاثفت فروعها وأوراقها على السور الذي جلس عليه..«صاحبنا» لم يكن يتناول وجبته من تلك الأوراق بالشهية التي تعودنا أن نرى قبيله بها.. كان بادي الحيرة ساهماً تائهاً فكان لا يفرق بين أوراق تلك الشجرة التي يأكل منها وزهورها الصفراء فيخلط هذا بذاك داخل فمه الذي كان يتحرك بكسل ولا مبالاة.. وبما أنني لم أجد في الشارع مخلوقا غيره في تلك الظهيرة القائظة .. فقد عن لي أن ألقي إليه التحية رافعا يدي اليمنى: سلام ! التفت إلي بازدراء كعادة قبيله من القرود.. «وماذا حسبت قارئي العزيز كائناً يجلس القرفصاء على سور حديقة ويأكل أوراق الشجر؟!» .. مددت يدي إليه بثمرة موز استخرجتها من كيس كنت أحمله بالمصادفة .. تناول هديتي التي قامت مقام السيجارة في مواقف أخرى.. وكانت مدخلاً لهذا التحقيق الصحفي: الجابك المقرن شنو؟ ألست من سكان شرق الخرطوم وتحديدا داخل أسوار جامعة الخرطوم.. فهناك يسكن شعب كامل الهيئة من القرود.. ذكور وإناث.. كبار وصغار..؟ هربت من هناك بجلدي من هجوم النحل .. يوم الأربعاء فاجأنا النحل وقام بطردنا من أشجار الجامعة .. ووجدت نفسي هنا في المقرن وحيداً. وأين بقية القرود ؟ ما عارف .. قلت لك هربت ولا أعرف ماذا حدث للآخرين .. ربما انتشروا هنا أو هناك هاربين من هجوم النحل .. قد يكون ذلك في أحياء الخرطوم غرب والمقرن ومباني شارع النيل ديك «وأشار ناحية إحدى الوزارات ».. ربما لجأ بعضهم إلى القيادة .. هناك أأمن !! .. وربما برج الفاتح أو وزارة المالية ويمكن الهلتون .. تقصد الفاتح .. طيب .. حكاية النحل وعرفناها .. هل لطلبة وأساتذة الجامعة دخل بهذا النزوح الجماعي ؟ دايرين نعرف كيف بدأ احتلالكم لأشجار الجامعة من الأول ؟ . احتلال شنو .. أمشي اسأل في دار الوثائق .. المباني المجاورة لهذه الأشجار كانت وزارة الثروة الحيوانية ومستشفى بيطري الخرطوم وقريب منها متحف الإنثروبيولوجي .. وزي ما عارف الحاجات دي كلها حقتنا من زمااااااااااااااان وكانت مجاورة للجامعة .. حيث كان أسلافنا من مختلف الأنواع الحيوانية يستمتعون بالإقامة والخدمات الفندقية «أربعة نجوم» احتراما لعدد الأرجل عند البعض !!.. كانوا ينتقلون بحرية بين أشجار هذه«المحمية» .. إلى أن جاء المدير وأصدر قراره بإنتقال الوزارة إلى ذلك المنفى المجاور للأسطبلات جنوبالخرطوم.. معقول نحنا نمشي نسكن هناك ؟!.. طبعا رفضنا.. وآثرنا كما فعل أهلك الحلفاويين التشبث بالوطن .. فهمت ؟! . مدير شنو ؟ ياخي مدير المديرية . طيب يا ابو العريف .. أهل حلفا نظموا التعليم بنين وبنات والصحة العلاجية والبيئية والوقائية والتجارة والتموين والمواصلات وحتى الصرف الصحي .. إلخ .. بالعون الذاتي بعد أن تخلت الدولة عنهم .. هنا سؤال يفرض نفسه : أنتو كنتو عايشين كيف في الجامعة .. بتاكلو شنو مثلاً؟ شنو البفرض نفسو وداير تعمل لي فيها صحفي .. أول حاجة وريني وين الكاميرا والبطاقة حقتك أنا ذاتي ما معترف بيك .. قال هذا وأدار لي ظهره .. «هنا اضطررت لأن أرشوه بموزة أخرى » فواصل : يا اخي .. نفس الأشجار الساكنين فيها بنأكل من أوراقها .. لكن الزملاء طلبة الجامعة بدونا سندوتشات وعصير وسجاير .. ونشرب الموية من جهاز الواتركولر .. يعني هل تتواصلون اجتماعياً وفكرياً داخل أسوار تلك الجامعة العتيقة بحرية؟ نحن معشر القرود نتمتع بسعة الأفق ونتقبل الآخر المختلف برحابة صدر .. سمعت بي قرد طعن قرد ؟! .