يبدو أن صحف الخرطوم انشغلت في الأسابيع الأخيرة بالانتخابات ولم تمنح التغطية اللازمة لاجتماعات «مياه حوض النيل» التي عقدت في الاسبوع الماضي في منتجع شرم الشيخ بجمهورية مصر العربية. إنفض المؤتمر بعد تداولات متواصلة دامت ثلاثة أيام انتهت الجولة الأخيرة فيها في الرابعة من صباح السبت الماضي، غادر على اثرها بعض المندوبين غاضبين بعد أن عجز المؤتمر عن الوصول الى اتفاقية بين مصر والسودان من جهة، ودول المنبع الثماني من الجهة الأخرى. وهي: اثيوبيا ويوغندا وتنزانيا ورواندا وبوروندي وكينيا والكونغو وارتريا. مصر والسودان وخاصة الأولى تعضان بالنواجذ على اتفاقية 1959م التي منحت مصر (55.5) مليار متر مكعب سنوياً والسودان (18.5) ملياراً لا يستغل الأخير منها سوى جزء يسير، ولكن دول المنبع تمارس ضغوطاً مكثفة بدعم من الدول الغربية بقيادة اسرائيل (وراء الكواليس) لاعادة التفاوض على أنصبة كل منها من مياه النيل، بينما تصر مصر على الاحتفاظ بحق النقض على أي مشروع مائي تخطط أية دولة من دول المنبع لاقامته على طول مجرى النيل. بمتابعتي لأخبار مياه حوض النيل لم أجد سوى القليل جداً من تقارير منشورة هنا وهناك في صحف الخرطوم مع أن جرائد القاهرة ظلت تتابع منذ البداية باهتمام بالغ تطورات محادثات مياه النيل التي يعتبرها الإخوة المصريون مسألة حياة أو موت. كانت «سيتيزن» بين قلة من الصحف السودانية التي علقت على الموضوع - طبعاً من وجهة نظر الإخوة الجنوبيين.. فقد قالت في افتتاحيتها يوم السبت: «إذا قرر الجنوبيون الانفصال في استفتاء «يناير المقبل» فإن ذلك سوف يؤثر على اتفاقية مياه النيل.. لأن الانفصال سوف يلزم أطراف النزاع على اعادة تقسيمها بحيث يخصص نصيب جديد لدولة جنوب السودان.. وبالتالي فإن نصيب مصر والسودان سوف يتأثر «تبعاً لذلك» شوفوا الشغل كيف؟ ويوافق على هذا الرأي الاقتصادي محمد رشاد الذي كتب في عموده في صحيفة «الأيام»: على السودان ان يعيد حساباته حسب الواقع الجديد.. وخاصة عندما يقرر الجنوب الانفصال .. لأن التقسيم الجديد لمياه النيل سوف يكون بين دولتين: الجنوب والشمال. ويعتقد الأستاذ محمد رشاد ان الانقسام في مؤتمر شرم الشيخ وضع مصر والسودان وجهاً لوجه «مناوئاً» لمعسكر الأغلبية الافريقية التي تشمل ثمانية أقطار كلها ترفض الاعتراف باتفاقيتي( 1929م) لأنها أبرمت في عهد الاستعمار ولم يكن للدول الحديثة الاستقلال يد فيها، وترفض اتفاقية 1959م لأنها كانت حصراً على السودان ومصر. ويتساءل بعض المراقبين أين موقع السودان من هذا النزاع القائم بين دول المنبع وجمهورية مصر؟ هل تمضي الخرطوم لآخر الشوط مؤيدة للموقف المصري؟.. أم أنها ستلتزم بالحياد في المراحل المقبلة ؟ إنه موقف صعب وحرج خاصة عندما يقرر الإخوة الجنوبيون انفصال الجنوب.