خلافات مياه النيل ليست جديدة لنقول إنها تفجرت فى شرم الشيخ المصرية او من قبلها فى العاصمة الكنغولية كنشاسا، ولكنها خلافات قديمة متجددة، والثابت فيها ان التعاون هو الخيار الاستراتيجى لجميع دول حوض النيل والتى تؤمن بهذا الخيار، ولكنها تحرك مواقفها بحيث تعظم مصالحها، كما أن الثابت أيضاً فى خلافات دول حوض النيل انه كلما ارتفعت وتيرة الخلافات كلما نتج عن تلك الخلافات اتفاق على التعاون ،ويظهرهذا جلياً فى تسعينيات القرن الماضى بعدأن تفجرت الخلافات فى أواخر العام 1997 بين دول الحوض ،ولم تكن هناك خيارات واضحة تقرب بينها، ولكن عبر الحوار المستمر نجحت دول الحوض فى التوصل الى اتفاق حول ما يسمى بمشروعات الرؤية المشتركة والتى استفادت منها كل دول حوض النيل باقامة مشروع مشترك يخدم كل دول الحوض على ان تستضيف كل دولة مشروعاً من هذه المشروعات المشتركة.. وما عرف بمبادرة حوض النيل والتى تم التوقيع عليها فى اواخر العام 1999، لتكمل العام 2009 عامها ال(10) من التعاون المثمر لكل دول حوض النيل، وقد تأكد هذا التعاون المثمرونجاح المبادرة فى تحقيقه من خلال الاحتفالات التى استضافتها العاصمة التنزانية دارالسلام بمناسبة مرور (10) سنوات على مبادرة حوض النيل حيث أجمع كل وزراء دول حوض النيل العشرعلى نجاح المبادرة فى تحقيق التعاون بين دول حوض النيل، وأكد الوزراء فى الجلسة الافتتاحية لهذه الاحتفالات على ضرورة استمرار المبادرة واستمرار التعاون بين دول حوض النيل، بل أجمع هؤلاء الوزراء فى الحوارات التى اجريتها معهم على هامش مشاركتنا فى تلك الاحتفالات على ان التعاون خيار استراتيجى بين دول حوض النيل، وان اجتماعات شرم الشيخ المصرية فى فبرايرمن العام 2010 ستشهد التوقيع النهائي على الاتفاقية الاطارية للتعاون بين دول حوض النيل وتطويرالمبادرة الى مفوضية لحوض النيل ترعى هذا التعاون، وأن ما تبقى من القضايا الخلافية هو بند واحد يتعلق بالأمن المائي بعد ان تم تجاوز(99%) من القضايا الخلافية ،بل ذهب بعض الوزراء الى القول بأنه لا توجد قضايا خلافية أصلاً، ، كما أبدى وزيرالرى التنزاني تفاؤله فى نجاح الاجتماع الوزاري فى شرم الشيخ فى التوصل الى اتفاق والتوقيع عليه، بل قال: (نحن جاهزون للتوقيع على الاتفاقية منذ الآن، واننا لن نترك مبادرة حوض النيل لتموت بعد ان استفدنا منها فى تحقيق مصالحنا المشتركة) ، كما ابدى وزير الرى المصرى ذات التفاؤل بأن تشهد شرم الشيخ توقيع الاتفاقية الاطارية . ولكن هذا التفاؤل لم ينسحب على اجتماعات الوزراء بين دول حوض النيل بشرم الشيخ حيث فشلت هذه الاجتماعات رغم التفاؤل فى التوصل إلى حلول جذرية حول الخلافات بين دول المنبع ودول المصب،حيث تمسك كل من مصر والسودان على موقفيهما الرافض للمساس بالحقوق التاريخية فى مياه النيل، وعدم السماح بإقامة أى مشروعات أو سدود على النيل إلاَّ بموافقة دولتى المصب، بينما تمسكت دول المنبع السبع بموقفها الرامى لالغاء الاتفاقيات السابقة لمياه النيل بحجة انها وقعت فى عهد الاستعمار. وبعد هذا الفشل لاجتماعات شرم الشيخ تصاعدت وتيرة الخلافات حيث أصبحت قضية الخلافات تتصدرنشرات الفضائيات ومانشيتات الصحف بتصريحات من وزراء بدول المنبع بأنهم سيوقعون على الاتفاقية الاطارية للتعاون بدون السودان ومصر كان آخرهم وزيرالرى الاثيوبي، ولكن فى اعتقادى ان هذا التصعيد الاعلامى لن يخدم دول المنبع اوالمصب فى شئ ، وان السبيل الوحيد لتجاوزهذه الخلافات هوالحوار، وأن محاولة الضغط الاعلامى والتصلب فى الموقف لن تحقق شيئاً طالما جميع دول حوض النيل تؤمن بأن التعاون هو الخيار الاستراتيجى وان النيل للجميع والمنافع والمصالح التى حققها التعاون من خلال مبادرة حوض النيل كانت واضحة ولا يمكن ان تترك هذه المبادرة ل(تموت).. إذن هنالك ثابت ومتحرك فى قضية مياه النيل، فالثابت أن التعاون هوالخيار الاستراتيجى فهو الحل والمخرج، أما المتحرك فهو الخلافات التى عادة تظهر لتختفى ثم تعود مجدداً، ولكن الثابت أيضاً أن هذه الخلافات يتم تجاوزها بالحوار،لذلك ندعو جميع دول الحوض لاستمرار الحوار حول القضايا الخلافية، وعبر الحوار والمنابر التفاوضية المعروفة سيكون هنالك الحل، وسيصبح التعاون واقعاً وخياراً استراتيجىاً للجميع.