الانتخابات الاخيرة المشوشة وسعت الانشقاق داخل الحركة الشعبية لتحرير السودان - حسب محللين يحذرون من مخاطر على انفصال الجنوب والعلاقات المستقبلية بين دولتين محتملتين وعلى أستقرار السودان برمته. استفتاء يناير 2011 الذي سيمنح الجنوبيين فرصة لاقامة دولة مستقلة جديدة هو أهم بنود اتفاقية السلام الشامل التي انهت عقوداً من الحرب بين الخرطوم ومتمردي الحركة الشعبية. اتفاقية السلام دخلت في مرحلتها النهائية ولكن الطرف الجنوبي في الاتفاقية قد يدخل هو الآخر في المرحلة النهائية بعواقب واسعة النطاق. أحدث تقرير صدر عن منظمة مسح الاسلحة الخفيفة (Small Arms Survey) حذر ان الجنوبيين يمكنهم الاحتفال لكونهم قادرين على التصويت ولكن الضغائن والانقسامات في الحركة الشعبية تتنامى في وقت تكون فيه في أشد الحاجة الى التضامن وقالت المنظمة البحثية مقرها جنيف اذا خصصت نصف الموارد والطاقة - السودانية والدولية - لنشاطات تصالحية بقدر ما خصصت للديمقراطية فان مستقبل السودان يمكن ان يكون واعداً. وتقول ماجي ميك وهي باحثة في شئون جنوب السودان تقيم في جوبا لصالح مشروع «كفى» (Enough) وهي مجموعة دفاع امريكية نافذة للخرطوم «اعتقد أن هذه العملية تليها عواقب خطيرة على الحركة الشعبية في وقت لا تتحمل فيه أي انشقاقات». العيوب الرئيسية الأكثر وضوحاً في الحركة الشعبية وربما في مستقبل السودان برمته - تكمن بين جناحي الحركة - قطاع الجنوب وقطاع الشمال. على مدى سنوات يسعى القطاعان لتحقيق أهداف متباينة ولكن بافتراض انها تكاملية: قطاع الشمال يعمل لتوحيد القوى المعارضة ضد حكومة الخرطوم لانشاء ما يسمى ب (السودان الجديد) . أما قطاع الجنوب في الحركة فانه مهموم اكثر لتحقيق درجات متفاوتة من تقرير المصير للجنوب الذي طال تهميشه ولأبيي «منطقة غنية بالنفط تقع في الحدود الشمالية - الجنوبية» ولولايتي جنوب كردفان والنيل الازرق اللتين رغم انهما في الجانب الشمالي من الحدود إلا أنهما تقعان تحت رعاية قطاع الجنوب في الحركة. القطاعان تعايشا منذ تأسيسهما على يد زعيم الحركة الشعبية جون قرنق العام 2005م ولكن اذ انحسرت رؤية السودان الجديد بعد وفاة قرنق في نفس العام واذ تتنامى احتمالات انفصال الجنوب فان كلا القطاعين بدا وكأنهما يزدادان انفصالاً عن بعضهما. خلال التوجه في الانتخابات وهي مهمة جداً بالنسبة لقطاع الشمال ولكن بالنسبة لبعض الجنوبيين فانها مجرد وسيلة للوصول الى الاستفتاء فان الخلافات العميقة بين المعسكرين اصبحت علنية . ويقول احد اعضاء الحركة في الخرطوم «هذا اختلاف ايدولوجي بالدرجة الاولى، بعض الناس في قطاع الجنوب لا يفكرون سوى في حدود جنوب السودان. وسط الشكاوي المتنامية ان الشريك الاكبر في اتفاقية السلام - حزب المؤتمر الوطني - يتلاعب في الانتخابات منذ وقت مبكر فان الأمين العام في الحركة باقان أموم الذي يعتبر متعاطفاً مع قطاع الشمال وعد في اواخر مارس ان الحركة الشعبية سوف تنضم الى أحزاب المعارضة الأخرى اذا اعلنت مقاطعة كل الانتخابات في الشمال، رئاسية وولائية وتشريعية. ولكن بعد اجتماع ترأسه سلفاكير رئيس حكومة الجنوب أعلنت الحركة الشعبية انها بصدد الانسحاب فقط من سباق الرئاسة القومية ومن انتخابات دارفور ولكن بعد احتجاجات مرشحي الحركة في ولايات الشمال اعلن باقان ان قطاع الشمال منسحب من مستويات الاقتراع ولكن سلفاكير رفض الموافقة على ذلك التحرك. صمونيل أوكومي مدير «مشاركة شباب جنوب السودان » وهي منظمة مجتمع مدني غير حكومية يقول:« هناك اصوات قوية حول سلفاكير تعتقد ان علاقات جيدة مع الرئيس البشير سوف تكون لصالح الاستفتاء، قطاع الشمال يشعر ان الحركة تستغله فقط لتتخلى عنه لاحقاً. ياسر عرمان رئيس قطاع الشمال وحتى بعد انسحابه من الترشح لمنصب رئيس الجمهورية قلل من شأن الحديث عن انشقاقه يتعلق بالانتخابات بينه وسلفاكير قائلاً «ان علاقاتنا قديمة وقوية». ولكن فؤاد حكمت المحلل في الشأن السوداني في مجموعة الازمات الدولية يعتقد ان انقساماً كاملاً في الحركة يبدو وشيكا ويقول:« ان قطاع الشمال في الحركة سوف ينفصل من الجنوب انهم يعرفون ان الجنوب يتوجه نحو الانفصال» ويقول حكمت ان هذا خطير جداً على استقرار السودان. يقول حكمت الذي يعتقد أن تمرداً جديداً قد ينشأ من رفات قطاع الشمال وقد تنضم اليه عناصر من الحركة الشعبية في النيل الازرق وجنوب كردفان فكثيرون في كلتا الولايتين متذمرون لانهم خدعوا في مفاوضات السلام الشامل «المشاورات الشعبية» الغامضة بدلاً عن منحهم خيار الانفصال في استفتاء كامل. ويقول حكمت ان دعوات تقرير المصير سترتفع في اجزاء اخرى من السودان اذا انفصل الجنوب وتنشأ حركة شمالية جديدة تتحالف فيها مجموعة مسلحة في النيل الازرق وجنوب كردفان ودارفور وشرق السودان». وتخشى ماجي فيك من عواقب انشقاق الحركة الشعبية على الجنوب حيث تقول ان أي انشقاق قومي من شأنه اضعاف موقف الحركة التفاوضي. قضايا عديدة مثيرة للنزاع تتعلق باتفاقية السلام الشامل والاستفتاء تنتظر التفاوض بين الحركة وحزب المؤتمر الوطني في الأشهر القادمة بعضها مثل ترسيم الحدود الشماليةالجنوبية يتوجب حلها قبل اجراء الاستفتاء وأخرى تتعلق بعلاقات جنوب مستقل في المستقبل مع الخرطوم وكيفية تعاملهما مع بعضهما البعض. هذا يشمل قسمة عائدات النفط والموارد الاخرى وديون السودان الدولية والبنية التحتية». وتقول فيك في هذا الصدد «هذا هو الوقت الحاسم الذي تحتاج فيه الحركة الشعبية الى الوحدة لانجاح المفاوضات مع حزب المؤتمر الوطني» وهناك ايضاً الساحة السياسية داخل الجنوب نفسه فقد ورد في تقرير ديسمبر 2009م لمجموعة الازمات الدولية «اذا اجريت الانتخابات والاستفتاء كما خطط للعمليتين - ستكون هناك اداة سياسية «متنازع عليها» في الجنوب ويمكن ان يحدث اي شئ» فالتوترات بين الحركة الشعبية واعضاء الحزب السابقين الذين ترشحوا كمستقلين لمناصب حكام الولايات وهي مناصب ذات نفوذ واسع تسيطر على الموارد الغنية وتهدد بالانفجار وقد اثير فعلاً مزاعم التلاعب بالاصوات في اربع ولايات مختلفة - الوحدة وشمال بحر الغزال وغرب الاستوائية ووسط الاستوائية - حيث التنافس القوي ضد مرشحي الحركة. بعض المراقبين يخشون ان التشاكسات الانتخابية قد تؤدي الى عواقب وخيمة. فلدى الجنوب تاريخ طويل من النزاعات الاثنية ومجموعات كثيرة كانت تستخدم كقوات تحارب بالوكالة بواسطة الخرطوم خلال الحرب الاهلية. في الاقليم الكثير من تلك المليشيات التي ما زالت تحت سيطرة شخصيات سياسية قوية لم يتم تسريحها ابداً بطريقة ملائمة او استيعابها في القوات السودانية والجيش الشعبي. وحسب منظمة مسح الاسلحة الصغيرة فانه في اوساط اعضاء المليشيات التي تدعمها الخرطوم والذين اعلنوا ولاءهم لاحقاً للحركة الشعبية تظلمات قديمة ضد الجيش الشعبي وحكومة جنوب السودان. وبعيداً عن السياسات الانتخابية الجنوبية وعن مزاعم قطاعي الجنوب والشمال في الحركة انهما يزعزعان عن قصد الاستقرار في تلك المناطق لاغراض سياسية- فان العلاقات بين وداخل القبائل العديدة والمناطق المختلفة في الجنوب ظلت متوترة بسبب التنافس على الموارد الطبيعية مثل الماء والكلأ والاراضي والمواشي ونزاعات الزيجات والانتقام . في العام 2009م قتل في الاشتباكات القبلية أكثر من (2.500) مدني في جنوب السودان وتشرد نحو (400.000) من الاهالي. وحذر تقرير مسح الاسلحة الصغيرة ان الغضب يتسع نطاقه ويتنامى على ما يعتبر استغلالاً وفساداً وعدم تمثيل «عادل» والأداء البائس لحكومة جوبا. وتقول كلير ما أيقوى مديرة نفس المنظمة لمشروع السودان والكاتبة المشتركة للتقرير: «ان على الحركة الشعبية ان تنهى عدم الاستقرار في الجنوب وإلا فان المؤتمر الوطني قد يستغله كذريعة لمحاولة تأجيل الاستفتاء واذا حدث ذلك فان الحركة الشعبية هددت باعلان الاستقلال من جانب واحد».