مدخل: إذا لم تكن تعلم الى أين تذهب، فكل الطرق تؤدى إلى هناك. (1) الخبر الخجول الذي نشرته بعض صحف الخرطوم بدايات الأسبوع المنصرم، حمل في طياته نبأ عن نية ياسر سعيد عرمان نائب الأمين العام للحركة الشعبية ورئيس قطاعها الشمالي، تكوين حزب جديد يضمه ومبارك الفاضل رئيس حزب الأمة الإصلاح والتجديد، وذلك على خلفية -ما أسماه الخبر- المعاناة الكبيرة التي يتكبدها الرجلان داخل حزبيهما. وبحسب الخبر فإن عرمان يعاني من وجود تيار انفصالي داخل أروقة الحركة، هذا التيار منشغل كليةً بإقصاء مرشح الحركة لمنصب رئاسة الجمهورية في الانتخابات الأخيرة، بل (وإن استطاع) إخراجه من المشهد السياسي، بينما يعاني الفاضل من حالة شح شديد في الموارد والكوادر، بعد توزع من كانوا معه من القيادات إلى أحزاب الأمة الأربعة «القومي، الفيدرالي، الوطنى، الإصلاح والتنمية» وبالتالي واستناداً إلى قاعدة أن (المصائب يجمعن المصابين) خلص الخبر الذى لم ينفه أو يؤكده أحد الى أن الرجلين وجدا في فكرة الحزب الجديد، رئة ثالثة يتنفسان من خلالها، بعد أن شق على كليهما التقاط الأنفاس داخل منظوماتهما الحزبية الأم. (2) ويعد موقف قطاع الشمال في الحركة تجاه الانتخابات التي جرت مؤخراً، من أكثر المواقف إثارة للجدل، فالقطاع أعلن مقاطعته للانتخابات على خلفية معلومات -مسبقة- توافرت للقطاع وتفيد ان المؤتمر الوطني بصدد القيام بعمليات تزوير ممنهجة للتأثير على نتائج الانتخابات، وهو الأمر الذي أيده وذهب إليه عرمان عقب خروج النتائج، بالقول بحدوث عمليات تزوير واسعة النطاق، وهو ما عده في خانة تأكيد صحة وسلامة ما ذهبوا اليه. ويذكر الجميع كيف كانت الانتخابات سببا في إندلاع نوع من الحرب الكلامية الخفية بين التيارين الافتراضيين، الرئاسة بقيادة الفريق سلفاكير ميارديت رئيس الحركة ونائبه الفريق مالك عقار من جهة، وتيار الأمانة العامة ويمثله هنا باقان أموم الأمين العام ونائبه ياسر عرمان من الجهة الأخرى، فالرئاسة ظلت ترسل النداءات بأهمية المشاركة في المستويات الانتخابية دون الرئاسية، في الوقت الذي تمسك فيه قطاع الشمال بقرار المقاطعة في مكان تفويضه، ألا وهو الشمال. ويبقى من المهم قبل مراوحة تلك المحطة، الإشارة إلى أن الحركة ظلت تنفي وبصورة دائمة وجود تناقضات في موقفها الانتخابي. (3) وبعد إنجلاء غبار الانتخابات وتكشف النتائج، حلّ ياسر عرمان وصيفاً للرئيس البشير، بينما حلّ إدوارد لينو رابعاً في انتخابات المركز (ولاية الخرطوم)، وأظهرت ذات النتائج عن تقدم واضح لمرشحي الحركة في مختلف المستويات، بالرغم من انسحاب قطاع الشمال، وهو ان دلل على شيء فإنما يدل على النظرة الثاقبة لمؤسسة الرئاسة داخل أروقة الحركة في قرارها الداعي للمشاركة، كما ويعكس الفرصة الذهبية التي فوتها القطاع في حيازة عدد مقدر من المناصب. وبرز الخميس الماضي القيادي البارز في صفوف الحركة وأول الواصلين للبرلمان المنتخب أتيم قرنق ليصف من منبر المركز السوداني للخدمات الصحفية (اس ام سي) قرار قطاع الشمال بمقاطعة الانتخابات ب (الخطأ الكبير)، وعزا أتيم توصيفه لحاجة الحركة الماسة للقطاع في تطبيق مبادئها في حالة التصويت لخيار الوحدة، أما في حالة حدوث الانفصال فإن وجود القطاع في مستويات الحكم المختلفة كان ليمثل ضمانة لوجود الحركة في الشمال. (4) وكشفت الانتخابات الأخيرة، عن تصدعات بائنة للعيان داخل منظومة قطاع الشمال، وتمظهرت في هيئة بيانات صحفية ممهورة بتوقيعات قادة القطاع، ومتهمة للقطاع في شخص رئيسه بتبديد مبالغ مالية ضخمة في انتخابات قاطعها القطاع، أموال اتفقت البيانات أن الجنوب كان الأحق بها والأولى. وتواصلت مصائب قطاع الشمال، وأتت هذه المرة بهيئة رياح جنوبية (جافة)، مصدرها تحديداً مدينة جوبا، وسبب العاصفة خبر مفاده تكوين لجنة من قبيل المكتب السياسي للحركة لتقييم وحصر ممتلكات قطاع الشمال ومصروفاته من تاريخ توقيع اتفاقية السلام والى تاريخ انعقاد المكتب السياسي في الثالث والعشرين من أبريل وهو الأمر الذي نعته مراقبون بعملية (جرد الحساب) قبل حدوث الانفصال. كل تلك العوائق التي تعترض مسير الحركة الشعبية حملت د. لام أكول رئيس الحركة الشعبية التغيير الديمقراطي لتوصيف قطاع الشمال ب (الميت أكلينيكياً). (5) وعقب كل تلك الأحداث المتلاحقة، جاء في صدر الصفحة الأولى ل (الرأي العام) الأربعاء الفائت نبأ عن مذكرة تقدم بها قطاع الشمال للفريق سلفاكير ميارديت يطالب فيها بالكشف عن ملابسات التضارب الأخير الذي شاب أداء الحركة الانتخابي إلى جانب النظر في أوضاع منسوبي الحركة حال حدوث الانفصال. وانطلاقاً من النقطة الأخيرة، موضوع الانفصال، كان من الضروري للغاية تقييم أداء القطاع في جعل الوحدة جاذبة وذلك حسب نصوص اتفاقية السلام، ويرى أقوك ماكور القيادي البارز في قطاع الشمال بأن القطاع بذل جهداً مقدراً في جعل الوحدة جاذبة، فضلاً عن انحيازه للمواطن البسيط في أكثر من موقف ولو أدى به ذلك للوقوف ضد شريكه في الحكم. ولكن عدداً من المحللين، يتهمون القطاع بالسلبية، ويربطون مباشرة بين اتهامهم ذلك، ونزعة أهل الجنوب الميالة للانفصال في الآونة الأخيرة الأمر الذي يعكس اخفاقاً واضحاً في عمل القطاع على تجسير الهوة بين شقي الوطن شماله وجنوبه. وفي ذات الصدد، يقترب رأي المؤتمر الوطني كثيراً من رأي أولئك المحللين، فقادة الوطني يعدون قطاع الشمال (خميرة عكننة) في علاقاتهم وشريك الحكم (الحركة الشعبية) وما أدل من ذلك بالتصريح المنسوب للدكتور نافع علي نافع نائب رئيس الوطني لشؤون الحزب بأن قطاع الشمال مسؤول عن توتر العلاقات ما بين الشريكين. (6) وعن مستقبل القطاع مع دنو أجل الاستفتاء رسم د. معتصم أحمد الحاج - مدير معهد محمد عمر بشير للدراسات السودانية عدة سيناريوهات للقطاع، سيناريوهات ترتبط بالوحدة وأخرى تتعلق بالانفصال. ابتداء لم يستبعد د. معتصم أن يكون قطاع الشمال مجرد واجهة تستغلها الحركة لتأكيد حرصها على الوحدة بينما تضمر في نفسها الانفصال، وقرن قراءته تلك بانسحاب القطاع من الانتخابات، وبما أسماه مواقفها الانكفائية على الجنوب. وأكد د. معتصم أنه وفي حال الانفصال لا يتبقى للقطاع من خيارات سوى حل نفسه وتكوين حزب جديد بمن تبقى من الطاقم القديم، والعلة استحالة بقاء القطاع على حاله كإمتداد للحركة التي ستصبح وقتها الحاكم الآمر والناهي في دولة جارة وهو تحليل يتطابق وحديث سابق للقيادي بالحركة غازي سليمان وقال فيه إنه في حال الانفصال سيقوم بحل قطاع الشمال بنفسه. غير أن أقوك لم يتفق وتلك الرؤية وأوضح أمكانية تحول القطاع لحزب بذات مبادىء الحركة الشعبية خاصة وأن التقسيم لقطاعات هو مجرد تقسيم جغرافي وليس على صعيد الأفكار وضرب مثلاً بأحزاب ذات امتدادات خارجية كالبعث والشيوعي.ثاني السيناريوهات التي وضعها د. معتصم تتعلق بتمازج القطاع وأحد الأحزاب الموجودة على الساحة، ومن ثم الخروج للعلن بجلد جديد، يماهي الأوضاع الجديدة التي ستتشكل في الشمال. أما السيناريو الأخير فيرتبط بمصير القطاع حال الوحدة، وهنا أشار د. معتصم الى ان قرار انسحاب القطاع من الانتخابات جعله - أي القطاع- يقبع كسائر القوى المنسحبة خارج أسوار البرلمان. (7) ولمعرفة مآلات قطاع الشمال - والبلاد بأكملها- ما علينا سوى الانتظار سبعة أشهر وبضع أيام، وقتها ستدق ساعة الحقيقة.