يوم الاثنين (26 أبريل) الماضي أطلق وزير مالية الجنوب ديفيد أتروبي من واشنطن أصدق تصريح سياسي أقرأه لمسئول جنوبي في الشهور الماضية. الجزء الخطير من التصريح جملة قصيرة من مقطعين، تقول: (الانفصال قادم .. والحاضر يكلم الغائب). التصريح موجه لمجموعة من أبناء الجالية الجنوبية في العاصمة واشنطن. جانب الحقيقة فيه أنه كان صريحاً وينبع من لب تفكير الحركة الشعبية وقطاع كبير من أهل الجنوب. وهو لم ينطلق من فراغ بل ينطلق من الظروف التي يفرضها واقع السودان اليوم : من هذه الظروف أن الجنوبيين معبأون (على الآخر) تجاه موضوع الانفصال. وهم لا يسمونه (انفصالا) بل يسمونه (الاستقلال). والاستقلال كلمة مشحونة بالعاطفة، إذ من لا يتمنى لبلده الاستقلال من قبضة المستعمر؟ ومنها، أن الزمن المتبقي على موعد الاستفتاء ضيق جدا، فالشهور السبعة التي تفصلنا عن يناير القادم لا تكفي لأية حملة إعلامية مؤثرة لأناس معبأين بحملات صقور الحركة الشعبية. ولا أظنني أكون مبالغاً لو قلت إن كل قادة الجنوب صقور في موضوع الوحدة والانفصال. ومنها، أن الرئيس عمر البشير وعد بحملة (صاعقة) في المدن الجنوبية على غرار الحملة التي رتبها المؤتمر الوطني لعشرين مدينة جنوبية قبيل الانتخابات الأخيرة، ووعد الرئيس اعتمد على حسن النية لأن الحملة السابقة لم تثمر شيئا يذكر حسب النتائج المعلنة لتصويت الجنوبيين لصالح الرئيس البشير. الدكتور نافع كان أفضل من عبر عن امتعاض المؤتمر الوطني بالنسبة للأصوات التي حازها في الجنوب فقد اكتفى بالقول بأن ما ناله المؤتمر الوطني في الجنوب أقل مما كان يتوقعه. ولا أتمنى أن (ينجر) المؤتمر وراء بعض الأصوات من داخله التي تكلمت عن التزوير. فلغة التزوير بالنسبة لمن لا يحوز على ما يتمنى أصبحت لغة مبتذلة وكريهة. ومنها، أن فترة الشراكة السابقة بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية كانت في ظاهرها فترة مشاكسة برغم الانجاز الكبير الذي حققته وهو تنفيذ اتفاقية نيفاشا، إلاَّ أن الإعلام في الجنوب عكس جانب المشاكسة فيها بشكل أقوى، وأقنع الشارع الجنوبي بأن المؤتمر الوطني هو وحده الشريك المشاكس، وأقنعه بأن اتفاقية نيفاشا لم تنفذ بسبب مماطلة المؤتمر الوطني. وبعد .. وصف مصدر مأذون في المؤتمر الوطني الحركة الشعبية بأنها (تقدم رِجلاً وتؤخر أخرى) في مسألة الوحدة، لكن برغم ذلك سيقوم المؤتمر الوطني والأحزاب الداعمة للوحدة بجهد أخير، وستقوم الجامعة العربية بجهد آخر، و(بعد داك الله يكضب الشينة).