تصدرت الخلافات بين دول حوض النيل مانشيتات الصحف المحلية وأخبار الفضائيات، بل وأصبحت عناوين لندوات تقام هنا وهناك لطرح الحلول لهذه الخلافات الشائكة، ويأتى هذا بعد التصعيد المستمر من دول المنبع لخلافات مياه النيل فى الآونة الأخيرة وتحديداً منذ إجتماعات وزراء الري بدول حوض النيل بالعاصمة الكنغولية «كنشاسا» ومروراً باجتماعات الاسكندرية وانتهاء باجتماعات شرم الشيخ في أبريل الماضى والتى فشلت فى التوصل الى حل بشأن الخلافات بعد تمسك دول المصب (السودان ومصر) بحقوقها التاريخية فى مياه النيل، ومطالبة دول المنبع بإلغاء الاتفاقيات السابقة التي تعترف بهذه الحقوق التاريخية، بل ومضت دول المنبع الى إصدار إعلان سياسي بشرم الشيخ المصرية تؤكد فيه اعتزامها التوقيع على الاتفاقية الاطارية لدول حوض النيل بدون مصر والسودان اعتباراً من الرابع عشر من مايو الجارى، وهذا الاعلان فسره وزير الرى المصرى د. محمد نصر الدين علامي بأنه مجرد إعلان مواقف ولن يؤثر على موقف السودان ومصر مؤكداً أمام مجلس الشعب المصرى إن مصر لن توقع على اتفاق ما لم ينص صراحة على الحقوق التاريخية فى مياه النيل، وهذا الموقف يؤيده السودان. ولما تبقى يوم واحد من حلول مواعيد التوقيع على الاتفاقية الاطارية غداً الجمعة (14 مايو) برزت ثمة اسئلة حول قدرة أو امكانية لجوء دول المنبع الى التوقيع على اتفاق بدون مصر والسودان وما قيمة هذا الاتفاق وما تأثيره على السودان ومصر وحقوقهما التاريخية .. بل هنالك ثمة سؤال يطرح نفسه هو اختبارالارادة السياسية لدول المنبع هل بالفعل قادرة على التوقيع غداً على هذا الاتفاق الذي يستثنى السودان ومصر، وقادرة أيضاً على تنفيذه..؟ للاجابة على هذا السؤال وغيره من الاسئلة تبدو مقرونة بتحليل مواقف وآراء خبراء ملف المفاوضات، حيث لم يستبعد د. أحمد المفتى المستشار القانونى لمبادرة حوض النيل ان تلجأ دول المنبع للتوقيع على هذا الاتفاق بصورة جماعية او فردية خلال الفترة منذ الرابع عشر من مايو الجارى ولمدة عام لو لم تحدث معجزة تغير مواقف دول المنبع والمصب معاً وذلك ما لم يحدث حتى الآن بل ولا توجد اتصالات يمكن ان يقال انها ستحدث هذه المعجزة، ولكن د. المفتى تساءل عن جدوى توقيع اتفاق غير متفق عليه قائلاً: الفيصل ليس فى توقيع الاتفاق في موعده، وانما الفيصل في تنفيذ اتفاق يستثنى السودان ومصر دولتى المصب. ومن هنا يتضح جلياً امكانية ان توقع دون المنبع الاتفاق غداً الجمعة بصورة جماعية او فردية ولكن ليس بامكانها ان تفرض ما وقعته على السودان ومصر كدولتين لم توقعا على هذا الاتفاق، وبالتالى تبقى العبرة ليست فى توقيع الاتفاق وانما فى تنفيذه لتصبح بذلك (ارادة دول المنبع فى اختبارحقيقى) هل ستمضى فى هذا الاتفاق أم تعود الى منبر التفاوض وتحاول اقناع مصر والسودان بوجهة نظرها دون فرض هذا الرأي، وبالمقابل يلاحظ ان السودان ومصر طرحا وجهة نظرهما ولكنهما لم يسعيا لفرضها على دول المنبع وانما مازالت هذه المبادرة السودانية المصرية مطروحة للتفاوض والحوار، ولذلك فى اعتقادى ان الحل فى العودة الى مائدة الحواروالبعد عن تسجيل مواقف للضغط على دول المنبع، وتغليب صوت العقل لاسيما وان جميع وزراء الري بحوض النيل يؤكدون ان التعاون هو الخيار الاستراتيجي لدول الحوض وان التوصل لهذا التعاون لايتم الا عبر الحوار، فهل نشهد غداً اختباراً حقيقياً لارادة دول المنبع بان تنجح الى الحوار، أو تزكي نار الخلافات وتواصل موقفها التصعيدي..؟ في اعتقادي ان المؤشرات تقول بتوقيع دول المنبع على الاتفاق بدون مصر والسودان لتصبح دول المنبع امام اختبارحقيقي في تنفيذ ما وقعته بمعزل عن السودان ومصر لاسيما وان الاتفاق سيكون لاقيمة له في ظل رفض اطراف حقيقية ومؤثرة له، كما ان اي اتفاق يأتى بعد اجماع حوله، ولكن ما ستوقع عليه دول المنبع يأتى فى سياق املاء ارادة دول على الأخرى وذلك ما لن يكتب له النجاح، فالسودان ومصر حقوقهما التاريخية في قسمة المياه مكفولة بالقانون الدولى، وذلك كرت مضمون، ولكن لم يحن الوقت لاستخدامه لاسيما وان هناك عاماً مفتوحاً للتوقيع، وبعده إجراءات مطلوبة لتأكيد إلتزام هذه الدول بتنفيذ ما وقعته، وعلاقة الاتفاقية الجديدة بمبادرة حوض النيل، والاستفادة من الأموال والاصول المملوكة للمبادرة وهي في الواقع ملك لكل دول الحوض وبالتالي لايمكن استخدام هذه الأموال إلاَّ برضاء الجميع.