الاختلاف فى الرأي لا يفسد للود قضية، ولكنه قد يفسد العلاقات برمتها وإن كانت تلك العلاقة تحكمها اتفاقيات دولية, حالة من التوتر والشد والجذب دخلت فيها العلاقة بين حكومة الجنوب واذاعة (مرايا اف ام) التابعة لبعثة الاممالمتحدة (اليونيميس) وذلك على خلفية حوار أجرته الاذاعة مع الفريق جور أطور المتمترس بقواته فى اطراف جونقلى والذي تعتبره الحركة الشعبية خارجاً على القانون ولا تقبل أية مساومة في جعله بطلاً في الجنوب . الحركة الشعبية استخدمت التهديد بالطرد واعتبرت في الوقت ذاته على لسان بول ميوم وزير الاعلام بحكومة الجنوب في حديثه ب «الرأي العام» اعتبرت حوار الاذاعة مع متمرد خروجاً عن التفويض. وقال بول إن الاذاعة درجت على نشر اخبار وتقارير تثير النعرات القبلية، مطالباً بنقل مقر الاذاعة الى جوبا بدلاً عن الخرطوم، وتسليم قائمة بأسماء الصحافيين العاملين بالاذاعة. ويصف ميوم هؤلاء الصحافيين (بالمدسوسين من قبل المؤتمر الوطني داخل الاذاعة) الى جانب مطالبته باعتذار لشعب الجنوب في مهلة اقصاها اسبوع. اذاً توتر جديد دخلت فيه حكومة الجنوب مع اذاعة يعتبرها العديد من المراقبين أنها أسهمت في نشر الوعي لدى المواطن الجنوبي في الفترة القصيرة التي انطلقت فيها الى جانب قدرتها على نقل احداث وأخبار يتعذر على وكالات الأنباء الوصول اليها لاعتمادها على التقارير التى تعدها بعثة حفظ السلام، فضلاً عن استيعابها لاعداد كبيرة من الاعلاميين من الشمال والجنوب. (مرايا اف ام) التي انطلق بثها في 30 يونيو 2006 وفق تفويض من قبل مجلس الأمن. وتدير شؤونها بحسب المصادر مؤسسة سويسرية تسمى (هيرونديل) يتمثل في -أى التفويض- فى الترويج لفهم عملية السلام. وتشجيع الإعلام النوعي في مناطق الأزمات وأوضاع ما بعد النزاعات. والابتعاد كل البعد عما يثير الخلافات القبلية. تنطلق (مرايا) من مبنى يحسبه الزائر منزلاً من طابقين لأحد سكان حي المنشية قبالة الكوبري لولا أجهزة البث التي تعلو ذلك المبنى الذي يضم اكثر من (100) اعلامي موزعين في الشمال والجنوب. وتعتبر (مرايا) اتهامات الحركة الشعبية لها بالانحياز لجهة ما أمراً لا علاقة له بمبادئ الاذاعة التي اختارت الحياد والدقة في نشر المعلومة. ويبدو ان الأزمة بين الطرفين وصلت مرحلة متأخرة وتدور الآن مباحثات مكثفة لاحتوائها في جوباوالخرطوم. وعلمت «الرأي العام» من خلال هذه الاجتماعات ان ادارة بعثة الاممالمتحدة رفضت رفضاً قاطعاً الاستجابة لشروط الحركة الشعبية التي تطالب بالاعتذار وتسليم قائمة بأسماء الصحافيين بغرض التحقيق معه. وقال مصدر ل «الرأي العام»ان ادارة البعثة طمأنت صحافيي الاذاعة بأنها لن تستجيب لتهديدات الحركة وان البعثة تصر على عدم الاعتذار وترفض تسليم قائمة بأسماء صحافييها التي تعتبرهم محايدين ولا علاقة لهم باتهامات الحركة، واشار الى ان الاذاعة لها (تفويض) محدد تعمل بموجبه وستنشر ما تراه محايداً ومستقلاً من أخبار وتقارير. ويقول بعض المراقبين إن الأزمة بين حكومة الجنوب واذاعة الأممالمتحدة تأتي في وقت يمر فيه الجنوب بمنعطف سياسي وعسكري خطير لا يسمح بترك مجال لمبدأ احترام (الرأي والرأي الآخر) بينما يرى آخرون أن حكومة الجنوب سيتضرر كثيراً في حالة إيقاف البث الاذاعي لمرايا وذلك لما يحتاجه الجنوب في هذه المرحلة من تنمية ورفع وعي المواطن وذلك لن يتسنى الا من خلال تشجيع العمل الاعلامي. ويذكر أن الأزمة الحالية ليست الأولى من نوعها وقد سبق ان وقعت احداث وخلافات كبيرة بين الاذاعة وحكومة الجنوب وذلك عندما هاجمت مجموعة مسلحة مبنى الاذاعة في جوبا العام الماضي وطالبت بتسليم شخص وجه انتقادات للحركة على الهواء مباشرة وقامت المجموعة نفسها بحرق مولد الكهرباء وهددت الفريق العامل . وطالبت الحركة الاذاعة أكثر من مرة تكذيب أخبار بثتها ما اضطرها لنفيها في اليوم الثاني. ويضيف مصدر مقرب من الاذاعة قائلاً: إن الأزمة طبيعية وستمر شأنها شأن الأزمات الماضية مشيراً الى مشاورات دبلوماسية مكثفة لاحتوائها في جوبا. ويقول السفير الرشيد ابوشامة إن الحركة الشعبية لن تقوى على تحمل النقد في المرحلة المقبلة لذلك ستضطر الى تضييق الخناق على العمل الاعلامى في الجنوب، وقال ان الاذاعة وفقا للقانون تعمل بتفويض واتفاقية مع للامم المتحدة ولن تستطيع حكومة الجنوب اغلاق الاذاعة خاصة أنها جزء من برنامج ومشاريع كبيرة ينوي المجتمع الدولي من خلالها تنمية واعمار جنوب السودان، ووصف ابوشامة في حديثه ل «الرأي العام» اتهامات الحركة بأنها مجرد تهديد ليس إلاَّ وأن أية خطوة غير مسؤولة تعتبر جهاًل بالقوانين، وتوقع ابوشامة ان تحل الازمة في اطار الاتفاق مع الاذاعة بعدم تناول ما يتعارض مع سياسية الحركة في الجنوب الذي تعتبره اقليماً مغلقاً حتى على الاعلام. ويبقى التحدي قائماً بين الاذاعة وحكومة الجنوب اذا تعنت كل طرف وأصرّ على موقفه، فهل ستقدم الحركة على انفاذ تهديداتها؟ أم أن الاذاعة ستستجيب لمطالب الحركة؟ وفي كلتا الحالتين ستجعل الأزمة الرأي والرأي الآخر محل تساؤل في جنوب السودان الذي سيضع نفسه أمام انتقادات الرأي العام العالمي.