بعد فترة من العلو في مؤشر العلاقة بينهما، عاد منحنى العلاقات السودانية اليوغندية ليشهد إنخفاضاً حاداً، جراء تصريحات منسوبة للرئيس اليوغندي يوري موسفيني قال فيها إن بلاده لن تدعو الرئيس البشير لحضور قمة الاتحاد الإفريقي لكون بلاده مصادقة على ميثاق روما الذي أُسست بموجبه المحكمة الجنائية الدولية. البيان الصادر من مكتب الرئيس اليوغندي سدر أكثر من ذلك بالإشارة إلى أن الرئيس البشير- صدرت بحقه مذكرة توقيف من قضاة لاهاي- وحال أقدم على المشاركة في المؤتمر فإنه سيواجه خطر التوقيف ...... . وفيما يبدو أنها محاولة لتجنب الحرج،,طالب البيان الذى وجد استنكاراً حاداً من الحكومة السودانية بمشاركة السودان في إعمال القمة ولكن بتمثيل أقل من ذلك الرئاسي. سبب آخر ربما يرمي بظلاله السالبة على علاقات البلدين، يتعلق باستضافة الجارة الجنوبية للمؤتمر الاستعراضي الذي عقدته الجنائية الدولية الشهر الماضي، ولا يستبعد مراقبون أن تكون مخرجات المؤتمر سبباً رئيساً وراء موقف موسفيني الحاد والمخالف للإجماع الإفريقي الرافض لقرارات الجنائية الدولية ضد البشير . ولا يمكننا بحال تجاوز الاتفاقية الاطارية لمياه النيل التي وقعتها دول الحوض بعنتيبي واستثنت السودان ومصر كعامل مساعد على توتر علاقة البلدين، فدول الحوض دعت الى تمزيق اتفاقية مياه النيل الموقعة في العام 1959 والاستعاضة عنها بأخرى جديدة تعيد جدولة حصص المياه على أسس جديدة، وهو الأمر الذي ترفضه الخرطوم والقاهرة مجتمعتين. وعلى بعد سبعة أشهر من توجه أبناء الجنوب إلى صناديق الاستفتاء، تروج أنباء عن تفضيل كمبالا لخيار الانفصال (لا يوجد رأي رسمي حول الأمر) لما يوفره من فرص للاستثمار بالاضافة الى رغبة يوغندا فى الاستثمار المشترك للنفط المكتشف شمالها مع ذاك المتوافر فى الاستوائية. نقطة أخرى قد تسقط في سلة يوغندا المنحازة للانفصال، تتعلق بملاحقة القس جوزيف كوني المتمرد على النظام اليوغندي، فمن شأن الانفصال إشعال فتيل الحماسة عند دول الإقليم للقضاء على تمرد جيش الرب الذي يحول دون إستقرار المنطقة. وعند تحويل الأمر لمعادلة اقتصادية: نجد أن استمرار كوني في التنفس يعني بالضرورة خنق الاستثمارات الأجنبية الموجودة في المنطقة، وقتل الطامعة في التوجه ناحيتها. وفي ذات سياق جيش الرب، يقول المراقبون إن حكومة الجنوب ظلت ترفع سبابة اتهامها بصورة دائمة تجاه الخرطوم والإشارة الى أن المؤتمر الوطني -شريكها في الحكم- يعمل على دعم كوني لجهة زعزعة الاستقرار في الجنوب المقبل على استفتاء لتقرير مصيره مطلع يناير المقبل. ذات الاتهام كانت تسوقه كمبالا علانية مع مياه النيل الأبيض تجاه الخرطوم قبل اتفاق السلام الشامل، وإن خفت ذاك الصوت لحد الانعدام في الآونة الأخيرة فهناك شواهد عن سريانه همساً في أوساط يوغندية، أوساط قيل إنها تنحاز للانفصال بغية خلق برزخ جغرافي يفصل حكومة الخرطوم وقوات كوني من التواصل -على الأقل- بصورة مباشرة. وبالعودة الى مشكلة مياه النيل مقرونة بالانفصال، نجد أن دول حوض النيل ربما ترى مصلحتها في قيام دولة ترتدي الرقم (11) في فرقة دول النيل، على اعتبار أن ذلك سيساعد في تآكل الاتفاقية القائمة منذ العام 1959م وتتمسك بها دولتا المصب -حد التطرف- لصالح قيام اتفاقية جديدة وفقاً لأسس -هي الأخرى- جديدة. من جانبه رفض الشطر السوداني الحديث المنسوب لموسفيني وطالبت الخارجية كمبالا بتقديم إعتذار رسمي عنه، ولم تكتف بذلك بل طالبت بنقل أعمال القمة إلى دولة أخرى لما أسمته تخطي يوغندا لحدودها المرسومة، وأكد السفير معاوية خالد الناطق باسم الخارجية بأن يوغندا لا تملك الحق في توزيع رقاع الدعوة لمؤتمر القمة الإفريقي كيفما إتفق، وأن الاتحاد الافريقي هو الجهة الوحيدة المنوط بها تقديم الدعوات. وحذرت الخارجية من موقف كمبالا الناشز عن مقررات الاتحاد الافريقي، لكونه قد يقود لاستقطاب حاد بين دول القارة يهزم فكرة الاتحاد الافريقي ذاتها. وتعتبر مواقف يوغندا من المحكمة الجنائية الدولية عقبة كؤود في مسار علاقات البلدين الضاربة في القدم خاصة وان الحكومة السودانية باتت تؤسس لعلاقاتها الدولية بالمسافة التي تفصل دول العالم عن لاهاي ليس وفقاً للمقياس الجغرافي وإنما بميزان المبادئ، ومن الملاحظ أن كمبالا ولاهاي باتتا على مرمى حجر بعد جسر الجنائية. وإن رجعنا لتقليب دفة الدفاتر القديمة، فإن الخرطوم إبان حرب الجنوب كانت تتهم يوغندا صراحة بدعم الجيش الشعبي الذي قاد حرباً تعد الأطول في تاريخ صراعات القارة ضد نظام الحكم في المركز، وهي نقطة سالبة ستظل مرسومة في دفتر علاقة الجارتين. وأدرج السفير د. الرشيد ابوشامة المحلل السياسي والخبير الاستراتيجي موقف كمبالا من حضور الرئيس لقمة الاتحاد الافريقي تحت بند الغزل السياسي لجهات أجنبية طمعاً في الدعم والمساعدة بمختلف المجالات خاصة العسكرية منها وذلك لأجل القضاء على كوني الذي يمثل صداعاً دائماً للعاصمة الجارة. يوغندا التي شهدت العام 2002 لقاء نادراً جمع البشير والراحل جون قرنق عده كثيرون نطفة التخلق لاتفاق نيفاشا، كانت ولوقت قريب داعما رئيسا للمواقف السودانية خاصة في ظل علاقاتها المميزة برجالات جوبا، بيد أنها اليوم تبدو أبعد ما يكون عن عاصمة ملتقى النيلين، وإن كان النيل ينبع من اراضيها.