- عندنا في السودان حزب كبير وعريض وغامض.. اسمه «حزب ساكت» وهو يضم عناصر متباينة.. ولا يشترط هذا الحزب لعضويته التفرغ لها بل يضم أعضاء ينتمون الى أحزاب أخرى عديدة.. لكنه ايضاً يضم في عضويته كمية من الناس «الساكت» أي «البدون».. والبدون لفظة ابتكرناها نحن المثقفاتية الذين ترفعوا عن الأحزاب إبان الديمقراطية الثالثة لاحصاء عدد الذين لا ينتمون حزبياً في الناس من حولنا.. فكنا نسجل الرجل والمرأة «بدون» أي بدون حزب.. وهالتنا النتيجة حتى اننا حصرنا عضوية الأحزاب الحقيقية في عشرة في المائة فقط من حضور ندواتهم السياسية الكبرى.. - «حزب ساكت» حزب يفسر الأمور دائماً باللا شيء بعبارة «ساكت» «وساكت» هذه لديها عدة معان، فساكت تعني صامت، وتعنى بدون سبب، وتعني لا أدرى.. وتعنى لا تحصى وذلك ما جاء في غرار حب الاخوة «ديلك» للشاي الحليب.. في المقولة الشهيرة التى تذهب الى ان الشاي «لو أحمر كب تسعي ولو بي لبن اسكت كب».. - وبمناسبة الحليب هذه أذكر انني في أحد مقاهي القاهرة طلبت من النادل ان يحضر لي كوباً من الحليب.. ويبدو انه استنكر توقيتي لشرب الحليب فقال لي شاي بالحليب فقلت له عفو الخاطر: لا حليب ساكت.. فقال لي: ساكت مابيتكلمش.. - وكان أستاذ اللغة الانجليزية في الصبا يذم الفرد منا ويؤنبه قائلاً «يو آر سيتنق ساكت» أي «لا بتطقع ولا بتجيب الحجارة».. - وكثيراً ما التقي بمعارف أو أصدقاء فحين أسأل الواحد منهم: مالك بي جاي، يقول لي «ساكت».. وذات مرة وجدت امرأة يهمني امرها في خلوة مع نفسها وكانت تبكي بحرقة وحين سألتها لماذا تبكى؟ فقالت: ساكت، ولما ألححت لأعرف سبب البكاء عرفت باجتهاد مني انها ربما أفضت بها الخلوة الى الذكريات فأنفتحت ماسورة ذكرياتها بالحزين من المشاهد.. فبكت.. اذاً هي لا تبكى ساكت بل لأسباب معقولة ومنطقية.. - اذاً فمشكلتنا ان هذه العضوية الكبيرة التى تنتمي الى حزب ساكت هي تفعل الأشياء وتظن انها ساكت بينما أسبابها معقولة وفيها تبريرات كثيرة.. بيد اني اتراجع وأقول اذا كان هنالك «كُتاب» يقبضون من السفارات فإن ذلك يكون «ساكت».. ولا يكون بسبب خيانة الوطن والعياذ بالله: لأني لأعجب كيف يمكن أن يخون الخائنون! أيخون انسان بلاده؟ اضافة: في بيت بكا زمان حكى أحد المناضلين القدامى.. ويقال انه اصابه مس بسبب الذكاء الخارق والعبقرية الفذة.. وأصبح أخيراً «قاعد ساكت» حكى انه أيام زهو الشباب كان هو ورئيس الحزب متخفيين وركبا لورياً «بتاع موز» من كسلا ولما باتوا على مشارف الخرطوم اعتديا على السائق والمساعد وأخذا أموالهما وتوجها صوب المدينة.. ولما اختليت به سألته: هل حقاً حدثت هذه القصة فرد بالايجاب ولما سألته: اذاً لماذا تحكيها. فقال: ساكت!