خلافا للموعد الذي حدداه قبل عدة أيام بالخامس من يوليو المقبل لاستئناف المفاوضات المباشرة حول ترتيبات وقضايا ما بعد الاستفتاء، يبدأ شريكا (نيفاشا) المؤتمر الوطني والحركة الشعبية، اجتماعات اليوم الخميس، بمدينة جوبا عاصمة الجنوب، برئاسة علي عثمان محمد طه نائب رئيس الجمهورية ود. رياك مشار نائب رئيس حكومة الجنوب وبمشاركة عدد من المسؤولين من الطرفين. ---- ويتوقع عدد من المراقبين أن تكون هذه الإجتماعات بين الشريكين، حاسمة ونهائية لجل -إن لم يكن كل- الملفات العالقة بينهما، ويلفت المراقبون إلى أن الإجتماع يجئ على مستوى قيادي كبير من الطرفين، وحسبما اوردت الانباء، فان علي عثمان نائب رئيس الجمهورية سيصل جوبا على رأس وفد رفيع من قيادات المؤتمر الوطني والحكومة يتجاوز (25) شخصاً بينهم د. غازي صلاح الدين وصلاح عبد الله قوش ود. نافع علي نافع وادريس عبد القادر ومطرف صديق ومحمد مختار، للدخول في اجتماعات تمتد ليومين مع قيادات الحركة الشعبية والمسؤولين في حكومة الجنوب، إضافة لعدد من حكام الولايات الجنوبية للتفاوض حول قضايا الاستفتاء والحدود والقضايا العالقة في اتفاقية السلام. وتأتي الإجتماعات، عقب تجاوز الشريكين كثيرا من العقبات بعد اتفاقهما في الإجتماعات الأخيرة بضاحية مكلي قرب العاصمة الاثيوبية اديس ابابا، على تشكيل اربع لجان متخصصة للاستفتاء، وتوقيعهما مذكرة تفاهم تحدد أربعة محاور للتفاوض حول فترة ما بعد الاستفتاء، وتشكيل لجان مختصة بالاقتصاد وشؤون الموارد الطبيعية، والامن والشؤون القانونية، والمواثيق الدولية، ولجنة للشؤون السياسية، وكانت اجتماعات مكلي تمهيدية، نجحت إلى حد كبير في حمل الطرفين للإتفاق على شكل المفاوضات التي ستجرى بينهما حول قضايا الاستفتاء. والواضح أن الشريكين سيعملان على حلحلة القضايا العالقة (بالتقسيط المريح) من خلال لقاءاتهما المتواصلة في الداخل والخارج، فقد شهدت الفترة الأخيرة خلال العام الجاري الكثير من الإجتماعات بينهما، ففي فبراير الماضي استضافت مصر ورشة بين الشريكين لبحث مسألة تقرير المصير ومستقبل السودان، وفي مارس عقدت دول الايقاد قمة بين الشريكين بحثت ذات الاجندة، تلاه اجتماع باديس ابابا، ولم تمض اشهر قليلة على لقاء الشريكين بالقاهرة لبحث القضايا الخلافية والمستقبلية، حتى اجتمع وفدان يمثلان الوطني والحركة بالعاصمة الأمريكيةواشنطن، وغيرها من المحطات السابقة التي توقف فيها الشريكان لتجاوز خلافاتهما حول الإتفاقية وما بعد تقرير المصير. والجديد في ماراثون جوبا الحالي أن مقترحات خارج إطار الإتفاقية قد تجد حظا من الحوار فقد نقلت صحف الأمس انباء عن طرح المؤتمر الوطني تبنى الكونفدرالية بنظام دولتين، ورئاسة بالتناوب كصيغة بديلة لخيار الانفصال على الحركة الشعبية، وقالت ان اجتماع طه- مشار بجوبا اليوم، سيناقش طرح الكونفدرالية كأجندة رئيسية. ويلفت مراقبون إلى ان تشكيلة وفد المؤتمر الوطني المكون من خمسة وعشرين عضوا، تكشف عن مشاركة الغالبية منهم، إن لم يكن كلهم ضمن مفاوضات نيفاشا، وبالتالي اطلاعهم على كل النقاط والتفاصيل الدقيقة الواردة فيها، وهو امر ينبئ كذلك عن دقة الموقف وحتمية التوصل لاتفاق في هذه المرحلة، ويتوقع د. حسن حاج علي استاذ العلوم السياسية بجامعة الخرطوم، أن تكون الإجتماعات حاسمة لكثير من القضايا العالقة، ويقول إن موعد الإستفتاء اقترب بشدة وبالتالي لابد من الوصول لحل هذه القضايا، ويضيف أن بعض القضايا قد تحتاج لطرف ثالث او لوساطة قد تكون خارجية وتكون انجع أو أسرع في الوصول لاتفاق، لكنه ينبه إلى أن القضايا الحاسمة دائما ما تترك لنائب رئيس الجمهورية علي عثمان محمد طه ود. رياك مشار نائب رئيس حكومة الجنوب اللذين يترأسان هذه الإجتماعات، وهو امر له دلالته. ويتفق حسن حاج علي، مع الرأي القائل بان هناك بعض القضايا التي ستشهد مرونة، ويكون الإتفاق حولها سهلا نسبيا، مثل قضايا الهجرة والجنسية وحركة البشر قياسا على اتفاق الحريات الأربع بين السودان ومصر والذي لم يخل بوجود دولتين كل ذات سيادة، ويرى أن قضية البترول بالرغم ما يبدو على السطح من أنها قد تكون شائكة، لكن يمكن الوصول لاتفاق فيها أسهل من قضايا الحدود وأبيي، وكذلك يرى ان قضايا الأصول يمكن ألا تشهد إشكاليات كبيرة، ويقول إن قضايا ابيي والحدود والديون ستكون شائكة لأن الحركة تعتقد انها غير مسؤولة عن ديون كانت في فترة سابقة. وفيما يرى البعض أن قدرا مناسبا من المرونة سيتوفر في اجتماعات الشريكين نظرا لحساسية المرحلة، يؤكد د. حاج علي أن المرونة المتوقعة تتوقف على القضايا المطروحة فاذا كانت القضايا لا تؤثر مباشرة على مستقبل الدولة الجديدة إذا حدث الانفصال تكون فيها مرونة، اما اذا كانت تؤثر على مستقبلها وتترتب عليها التزامات مثل ابيي والديون أو قضايا فيه مصلحة لاطراف في الحركة فانها لن تكون فيها مرونة. وفي السياق ذاته يشير د. ابنيقو اكوك الأكاديمي بمركز دراسات السلام- جامعة جوبا، إلى أن هناك خلطا في حوار الشريكين في قضايا المرحلة المقبلة الإستفتاء وما بعد الإستفتاء، ويرى أنه ليكون الحوار عمليا كان يجب التركيز على تنفيذ الإتفاقية بصورة ترضي الطرفين، ويضيف أن اللجان التي تم تكوينها في أديس أبابا تفيد في مرحلة تنفيذ الإستفتاء. ويعتقد أن قضايا ما بعد الإستفتاء ستكون شائكة وتحتاج لدراسة وبالتالي فالمطلوب فيها قدر كبير من المرونة والتركيز للخروج بنتائج مرضية للطرفين، ويرى ان قضية البترول مثلا محكومة باتفاقية لكنها تحتاج لدراسة فنية بما يفيد الشعبين حال حدوث انفصال وبالتالي يمكن التوصل فيها لاتفاق بسهولة، إضافة إلى انها يمكن أن تكون مدخلا داعما لمستقبل الشعبين، لكن ابنيقو رغم تأكيده على وجود الكثير من القضايا الشائكة والتي يمكن أن تحتاج وقتا للإتفاق، يركز على أن المهم هو اتفاق الشريكين على اجراء الإستفتاء بصورة سليمة تنتج رأيا يرضي الطرفين. وكيفما كان الأمر، فإن اجتماعات الشريكين الحالية بجوبا ينتظر منها ان تضع خارطة نهائية لمرحلة الإستفتاء وما بعده، حيث أنه لن يتوافر لهما الوقت الكافي بعد الآن للنقاش، باعتبار ان العمل الذي سيجري خلال ستة اشهر مقبلة هو الذي سيحدد مصير دولة السودان ذات المليون ميل مربع.