مبادرة شعبية إلكترونية وقعها أكثر من (18) ألف مغربي وجزائري، في الأسبوع الأول من يونيو الماضي.. لفتت انتباه كثير من المراقبين الذين ثمنوها ودعموها.. غرض المبادرة هو إعادة فتح الحدود بين المغرب والجزائر والتي أغلقت في مطلع التسعينيات، ولم تفتح سوى مرة واحدة في فبراير من العام الماضي من أجل عبور المساعدات الإنسانية لغزة، وأغلقت مرة أخرى حتى الآن. وعلى عكس ما حدث بين المغرب والجزائر ومسبباته، شهد آخر يونيو قراراً سودانيًا باغلاق الحدود مع الجماهيرية الليبية. ..... وبعيداً عن الإستفهامات التي طرحها كثيرون حول أسباب وتداعيات اعلان السودان اغلاق حدوده مع ليبيا، لكن في السياق ذاته- طرح الكثيرون تساؤلات حول عملية اغلاق الحدود بين دولتين - أية دولتين- والظروف التي تتم فيها والآليات التي تستخدم والتفاهمات المفترضة بين الدولتين الجارتين وتأثيرات ذلك على العلاقات الدبلوماسية وغيرها.. وقفز قرار اغلاق الحدود الذي اتخذته وزارة الداخلية السودانية الأسبوع الماضي إلى قمة اهتمامات السواد الأعظم من المراقبين والمهتمين.. لكن ما تلاه من توضيحات ذهب بالكثير من الظلال التي كان يمكن ان تحيط بالقضية. الإطار الدبلوماسي وتاريخياً لا تبدو في ذاكرة الدولة السودانية إجراءات كثيرة مشابهة، غير أنه وفي المدى القريب كانت العلاقات مع الجارة تشاد تشهد نوعاً من هذه الإجراءات، فقد أغلق السودان حدوده مع تشاد في أواخر ديسمبر 2007م، وأصدرت الحكومة توجيهات للقوات بعدم السماح لأية قوة مسلحة معارضة بدخول الأراضي التشادية عبر الحدود لمواجهة التصاعد العسكري، ومحاصرة زعزعة الاستقرار، وإن كانت تشاد نفسها لوحت أكثر من مرة بامكانية اغلاق حدودها مع السودان في فترات التوتر المعلومة.. ويؤكد الخبير الدبلوماسي السفير الرشيد ابوشامة، أنه لا يذكر أن السودان في التاريخ القريب، أغلق حدوده مع دولة جارة بهذا الأسلوب الذي وصفه بالدراماتيكي، إلاً عندما قطع علاقاته مع تشاد إبان توتر الحدود بسبب المعارضة في كل طرف، ويضيف أنه حتى عندما ساءت العلاقات مع أثيوبيا واريتريا على أيام معارك الأمطار الغزيرة لم يتم اغلاق الحدود، ويشير إلى أن ذلك لا يتم بسهولة لأن الاغلاق تترتب عليه إشكاليات كثيرة لأن كثيراً من المواطنين لديهم مصالح كبيرة وهناك تداخل وتجارة ودخول وخروج عبر الحدود. ويوضح أن قفل الحدود بين أي بلدين يقع في حال حدوث انقلابات عسكرية أو وقوع أوبئة أو حدوث توتر على درجة كبيرة في العلاقات، حيث تغلق الحدود والمطارات والموانئ، لكن لتعود إلى ما كانت عليه بعد فترة قصيرة، لأسباب معلومة تتعلق بالشأن الداخلي. ويعتبر أبوشامة، الإجراء في كل الأحوال من حيث هو صحيح من ناحية دبلوماسية طالما أن الدولة الجارة على علم بالقرار، ويوضح أن تبليغ الدولة المراد اغلاق الحدود معها يتم إما عبر السفراء أو بتكليف مسؤول معين يقوم بمأمورية محددة ويبلغ الدولة بنية حكومته إغلاق الحدود للأسباب المعلومة مسبقاً. لكن أبوشامة يعتقد أن قرار الحكومة الأخير باغلاق الحدود مع ليبيا- وإن كان جاء بغرض اعادة ترتيب الأوضاع على الحدود فإنه ليس معزولا عن أزمة الحكومة مع تمرد دارفور والعدل والمساواة ووجود خليل ابراهيم على الأراضي الليبية. اجراءات شرطية ويفرق مراقبون بين مصطلحي اغلاق الحدود وضبط الحدود، حيث يرى البعض ان قرار اغلاق الحدود متعلق بالإجراءات ذات الطابع العدائي او الوبائي الذي يواكب الحالات المذكورة، أما ضبط الحدود فهو إجراء عادي تقوم به قوات شرطية بصورة دورية وأحيانا في ظروف محددة، بغرض تجنب نتائج محددة، والقرار الأخير بشان الحدود الليبية ربما يدخل في هذا الإطار، حيث إنه هدف لضمان سلامة الأرواح وممتلكات المواطنين والمتنقلين بين البلدين وإعادة تنظيم وانتشار شرطة الجوازات والهجرة والجنسية والجمارك على الحدود لتعزيز دورها في تنظيم وضبط حركة المرور، ويقول خبراء إن دور الشرطة في هذا الجانب هو الأكبر حيث تدفع وزارة الداخلية بقوات ضخمة من الشرطة لتأمين عمليات اغلاق او ضبط الحدود مكونة من وحدات مختلفة، وهذا ما أشار إليه اللواء تاج الدين وديدي مدير الإدارة العامة للمرور في تصريحات بالخميس، عقب بدء التنفيذ الفعلي لاغلاق الحدود مع ليبيا، حيث توجهت قوات من شرطة الحدود وقوات من الشرطة بالولايات المتاخمة والقريبة من ليبيا لتنفيذ القرار، وقال إن الادارة العامة للمرور ستقوم بقفل الطريق البري بين الدولتين والمنافذ والحدود البرية، ومنع دخول وخروج العربات عبر منفذ مليط ومنفذ السليم طريق دنقلا- العوينات، وأشار إلى أن طريق واحة سليمة مغلق منذ العام 2003م، ويؤكد انه يتم التنسيق بين ادارة المرور وادارتي الجوازات والمباحث للحد من ظواهر كثيرة مثل تهريب البشر والتعامل مع المهربين وفق القانون بوضع نقاط مراقبة لضبط حركة العربات وعدم تمكينها من التسلل والتهريب حفاظاً على أرواح المواطنين. ويؤكد خبراء أن كثيراً من الأخطار التي يمكن ان تمتد عبر الحدود من تهريب للسلاح والبشر والبضائع الرديئة وحتى أفراد الحركات المسلحة والعربات يتم عبر الحدود غير المضبوطة، وإن جهود الشرطة تتمثل في ضبط هذه المنافذ للتقليل والحد من هذه الظواهر وفق خطط وتنسيق متعارف عليه. تحركات الجيش وتدخل القوات المسلحة كمسؤول رئيسي عن تأمين الحدود، ضمن منظومة اغلاق او ضبط الحدود، ويمهد الخبير العسكري اللواء عبد الرحمن أرباب للحديث في هذا الجانب بالتذكير بأن أهم شئ في حراسة الحدود هو وجود علاقات طيبة بين البلدين، وإدارة محلية واعية، بجانب وجود تنمية وخدمات، إضافة إلى إنشاء قرى للسلام بالمنطقة تدعمها الدولة. ثم إنه من المهم التركيز على أن منظمة الوحدة الأفريقية رأت أن تستمر الحدود بين البلدان الأفريقية كما حددها الإستعمار عند خروجه، وعليه فان الحدود السودانية الليبية ظلت على ما هي عليه بموجب الإتفاق الإيطالي البريطاني المصري في العام 1934م، حيث وضعت حدود على أجزاء منها ولم يتم وضع البقية على الأرض، ولم يثر موضوع الحدود بين البلدين كموضوع قائم بذاته حتى الآن، وإنما جاءت الإشارة إليه في اجتماعات الأجهزة العدلية عرضاً عندما أشارت الى ضرورة تخطيط الحدود الإستعمارية الوهمية بين البلدين.. ويوضح أرباب أن من ضمن مهام القوات المسلحة حماية الحدود من أي تدخل خارجي، حيث يوجد في تنظيمها قوات خاصة بالحدود مدربة على العمل الحدودي بالتعايش مع السكان الحدوديين وفق فهم معين للحدود، وهو امر معروف بالنسبة للجيوش، وينبه إلى أنها قد تكلف بأعمال الجمارك أو أي اعمال اخرى. ولا يرتبط عمل القوات المسلحة بفترة محددة او باغلاق الحدود - والحديث لأرباب- وإنما تقوم على الدوام بدورها في حماية الحدود من أي عدوان ومن المتمردين والمعارضين ومنع تهريب السلاح وغيره، وللجيش في ذلك اساليبه سواء أكان عملاً برياً بالأرض أو أطوافاً جوية واستطلاعات في كل الظروف.. ويضيف أنه في حالة إغلاق الحدود فإن ذلك يساعد على مزيد من الضبط، لكنه يلفت إلى ان عملية قفل الحدود عموماً صعبة لأن حدود السودان مع جيرانه طويلة والأراضي وعرة ويصعب السيطرة على بعضها، والتحكم يتم على النقاط الرئيسية وعلى الحركة المنتظمة بالعربات ،لكن غيرها فيه نوع من الصعوبة. وكيفما كان الأمر، فإن عمليات إغلاق الحدود لأي من الأسباب ربما تعطي بعض الإشارات السالبة، إلاً إذا تم تجاوزها بسرعة باعادة فتح الحدود في فترة قصيرة، خاصة إذا كانت الدولة الجارة ذات تأثير كبير في القضايا الداخلية، لكنها في الوقت نفسه ضرورة تحتمها إعادة ترتيب الشأن الداخلي بما يحفظ سلامة الأراضي والمواطنين.