ليس معلوماً على وجه الدقة السياق الذي أدلى فيه د.محمد مندور المهدي نائب رئيس المؤتمر الوطني بولاية الخرطوم بحديثه للمركز السوداني للخدمات الصحفية حول ارتفاع أسعار السلع الضرورية. هل وجد مندور نفسه مضطرا له أمام رغبات صحافي لحوح يريد تعليقا حول قضية كان من الافضل ان يذهب بها ذلك الصحافي الى وزير المالية؟، أم أن المسؤول الثاني للمؤتمر الوطني بولاية الخرطوم اختار بنفسه ان يخرج عن الاجماع السكوتي ويصف ارتفاع الأسعار للسلع الضرورية بأنّه غير مبرر ولا يمكن القبول بأيِّة حجج أو براهين للغلاء الذي تشهده البلاد هذه الأيام. وبالتالي رأى أن يبلغ الناس ان ارتفاع أسعار السلع اليومية قضية محورية تؤرق أجهزة الحزب على مستوى المركز، وتثير كثيراً من التساؤلات داخل الجهاز التنفيذي للمؤتمر الوطني حول الدوافع والعوامل الرئيسية التي أفضت إلى هذا الوضع الاقتصادي المتفاقم بالسوق السوداني؟!. على كلٍ .. فإن كلمات الدكتور مندور في الشأن الاقتصادي قوبلت من البعض بارتياح مثلما انزعج لها الآخرون، وهل أفضل للمجموعة الاولى من ان تكون تفاصيل حياتها المعاشية اليومية قضية تتداعى لها اجهزة المؤتمر الوطني المركزية بالسهر والحمى!، وتجعل المجموعات الصغيرة المفكرة داخل الحزب تبحث عن العوامل التي أدت الى ارتفاع أسعار السلع بأرقام فلكية، وتحاول ان تجد حلا لصعود اسعار السكر الى ارقام قياسية، ومثلها اللحوم (وصل سعر جوال السكر إلى أكثر من ستين دولاراً، وحوالي ثمانية دولارات او أكثر لكيلو اللحم الضأني، ويمكن بناء عليها مقارنة الاسعار في السودان مع اية دولة اخرى في المحيط الجغرافي). الآخرون اصابتهم نوبة انزعاج كان مصدره ان الهم العام المركزي والقضايا المحورية الكبرى من الافضل ان يعبر عنها المؤتمر الوطني بقيادي من ذات المركز المهموم، مع كامل الاحترام لمقام الدكتور مندور والتقدير لاحساسه العالي بالضائقة المعيشية ، التي كان من الأوفق أن تكون محل حديث- مثلما هي محل تفكير- الدوائر الاقتصادية التي تلي العمل التنفيذي في الدولة وعلى رأسها وزارة المالية. لو عبر المركز العام للمؤتمر الوطني او وزارة المالية الاتحادية عن ذات المعاني التي ذكرها مندور لتعمق أكثر احساس المواطن في كل انحاء السودان بأن الاهتمام بأمر المعاش لا يخرج من ولاية الخرطوم فقط. من المزعج بالطبع ان ترتفع أسعار السلع الاستهلاكية بصورة ترهق كاهل المواطن، ولكن من المزعج أكثر ان هذا الارتفاع لا يستند إلى منطق اقتصادي او نظرية اقتصادية يمكن بها تفسير الظاهرة. ارتفاع أسعار السلع دائما تكون الندرة هي أحد أهم أسبابه كما يقول الاقتصاديون، والعلاج يكمن في توفير المزيد منها دون الوصول الى حد الإغراق، ولكن الحال في السودان معكوس تماما، فليس هناك ندرة في سلعة السكر كما أكدت وزارة المالية، وليس هناك ندرة في الماشية وهذه بالطبع لا تحتاج الى تأكيد من اي مسؤول في الدولة، ومع هذا فإن الاسعار في ارتفاع. محاولة وضع سقوف مالية معينة وتحديد الاسعار لبعض السلع هي معالجات هشة واجتهاد في موضع النص، فليس هناك قانون يلزم البائع بالتقيد بسعر محدد لسلعة معينة، ولن يجد التجار أفضل من سياسة التحرير الاقتصادي كمبرر لزيادة الأسعار ولحمايتهم من تحديد سقف لها.