لم تغب شمس الحادي عشر من رمضان ألا وغيب الموت ذلك الشادن الطروب والبلبل الغريد مادح الرسول «صلى الله عليه وسلم» أبوالقاسم عوض العليم الذي ووري الثرى بمقابر ود عشيب بجمع غفير لم يشاهد في البلدة منذ زمن طويل. نشأ وتربى في كنف الخليفة المكي وخلوته وترعرع علماً ومعرفة في أتون جامع أم درمان الكبير فقهاً وحديثاً وسيرة وتوحيداً وكان مقدوراً له ان يسرح فترة في غياهب الفن والغناء فكان يصدح بصوت شجي طروب تجتمع له الشيب والشباب من جميع الطبقات شأنه في ذلك شأن كل المداح الذين بدأوا حياتهم في الغناء ثم ردوا الى الحق والى الجادة من الطريق القويم واقربهم مثال لذلك حاج الماحي وكثير من أمثلة عصرنا المعاش. كان لمديح أبي شريعة وود تميم وحاج الماحي وعبدالملك وأبي كساوي نصيب وافر من المدائح التي كان يطرب بها أبوالقاسم عوض العليم ما اجتمع من الخلق ولكنه نال القسط الأوفر. من ثناء الناس وإعجابهم به عندما صدح وترنم وأنشد مدائح الشيخ حياتي الشيخ حمد فكان بتخصيصه في ديوان الشيخ حياتي القدح المعلى من ثناء الناس وتعلقهم به.. واكثر مما تميز به هو فهمه العميق وعلمه الجم الوافر بمفردات الشيخ حياتي وسبر أغوارها والغوص في بواطنها واستخراج حلل المعاني في إطار مشوق جميل واستحسن ذلك منه أهل بيت الشيخ حياتي ورحبوا به واعتبر عندهم من المراجع الأساسية لفهم واستيعاب مديح الشيخ حياتي وقصائده واشتهر بذلك في جميع الآفاق، وقد ذكروا ان الناس لا يتفرقون إطلاقاً عندما يشجو الشيخ أبوالقاسم في الصقيعة بمدائح الشيخ حياتي في الوقت الذي يتفرقون فيه عندما يمدح غيره واتفق معهم في ذلك بطون ومنازل آخر مثل أولاد الشيخ علي فضل المولى أبو شمال بالعسيلات وأولاد الشيخ محمد الأمين ودابصالح والمغاربة وغيرها من البيوتات الدينية. عاش أبوالقاسم عوض العليم محباً وعاشقاً للمصطفى «صلى الله عليه وسلم» وكان لا يتقاضى فلساً واحداً على مديحه وكان مميزاً عالماً بفن المديح والمعاني ويؤدي عرضه وإنشاده ومديحه بطريقة محببة وجميلة نالت رضا واستحسان الناس ومات ودفن معه الكثير من علم المديح وفن الرواية، ألا رحم الله الشيخ أبوالقاسم عوض العليم وانزل على قبره شآبيب رحمته وغشى منزل المزن الهوامع والفيوضات الجوامع من البركات والمغفرة واخلفه خيراً في بنيه مدثر والعريبي الأحيمر وعمر وعماد. والجمع الغفير الذين شيعوه الى مثواه الأخير وترحموا عليه في ليالي المأتم. (إنا لله وإنا إليه راجعون) * أستاذ سابق بجامعة الخرطوم