ما زال المشهد الساسي السوداني يراوح مكانه بين المد والجذر في قضية الوحدة والإنفصال.. الإدارة الأمركية تدخلت بكل ما تملك من نفوذ سياسي واقتصاد وعسكري في أمر الإستفتاء وقد أعلنت إنحيازها التام لإنفصال الجنوب وقيام دولة جديدة في جنوب البلاد. هذا الموقف الأمريكي.. ليس جديداً.. وليس مفاجئاً وليس مستغرباً.. بل هو أمر متوقع.. عملت له الإدارة الأمريكية منذ محادثات نيفاشا.. وإصرارها على ما يسمى بخيار الوحدة الجاذبة وحق تقرير المصير عبر إستفتاء.. تعمل الإدارة الأمريكي على عدم تأخيره يوماً واحداً.. وتعمل كذلك في دعم فكرة الإنفصال. الموقف الأمريكي المنحاز للإنفصال.. لا يحتاج الى تفسير.. وهو في النهاية يستهدف إضعاف الحكومة السودانية وإسقاطها.. إذا لم تستجب للشروط الأمريكية، وأول هذه الشروط إلغاء قوانين الشريعة الإسلامية. وانضمام الحكومة السودانية الى المعسكر الأمريكي الموالي تماماً للسياسة الأمريكية.. والسماح بإقامة قاعدة عسكرية.. وتقديم كافة التسهيلات اللوجستية والعسكرية للقوات الأمريكية، خاصة أن السودان يحتل موقعاً إستراتيجياً بإطلاله على البحر الأحمر.. ويمكن السيطرة عل القرن الإفريقي من خلال هذا الموقع. ..... هذه هي الشروط المستحيلة.. التي لم تعلنها الإدارة الأمريكية بشكل علني وسافر.. ولكن يمكن أن تعلنها بشكل واضح في اللقاءات الأمريكية السودانية التي تشهدها نيويورك حالياً. هذه الشروط الأمريكية جزء منها هي شروط الحركة الشعبية من أجل الوحدة.. مررتها على الإدارة الأمريكية التي أضافت لها بقية الشروط التي تمثل الأجندة الأمريكية في الشرق الأوسط وفي منطقة القرن الإفريقي. هذه الأجندةالأمريكية، هي نفس أجندة الإدارة الأمريكية السابقة التي كان يقودها جورج بوش وتبناها باراك أوباما بشكل بطئ أو تدريجي، خاصة أن الجميع يعرف أن هناك ثوابت للسياسة الأمريكية لا يتحكم فيها الرئيس الأمريكية وإنما هي سياسة مرسومة تضعها مؤسسات أمريكا الراسخة في التآمر. أوباما.. أكد أنه أكذوبة كبرى خدع العرب والأفارقة.. بأنه سوف ينتهج سياسة متوازنة لا تشبه سياسة سلفه جورج بوش. وموقف أوباما من السودان لايختلف كثيراً عن موقف بوش.. بل أن موقف الحزب الديمقراطي الذي جاء بالرئيس أوباما الى سدة الحكم عرف بأنه أكثر تشدداً وتعصباً ضد حكومة السودان الحالية.. وأمامنا قصفه مصنع الشفاء بالصواريخ وهو مصنع غير حكومي بحجة أنه يصنع أسلحة كيماية.. واتضح كذب هذه المعلومة. كثيرون من المراقبين غير متفائلين بأي تغيير في السياسة الأمريكية تجاه السودان. وكل ما يرشح الآن من معلومات حول تغيير في السياسة الأمريكية تجاه السودان وتعزيز رفع العقوبات الاقتصادية واسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب.. ما هو إلا فخ لتضمن الإدارة الأمريكية إجراء الإستفتاء واعتراف الحكومة السودانية بنتائجه التي حددتها الإدارة الأمريكية مع الحركة الشعبية مسبقاً، وكذلك لتضمن ترسيم الحدود..ومنطقة أبيي لتدخل كل مناطق البترول في حدود دولة الجنوبالجديدة. وإذا أتيح مناخ وافر من الحريات لمواطني الجنوب في التعبير عن مواقفهم من الوحدة والإنفصال.. فإن كثيرين من المراقبين يؤكدون أن الغالبية سوف تصوت للوحدة وأن خيار الإنفصال سيسقط سقوطاً شنيعاً.. لأن فكرةالإنفصال تقودها عناصر محددة في قيادة الحركة الشعبية.. وهي ليست خيار لغالبية أبناء الجنوب. الموقف الإفريقي أكثر قوة موقف الاتحاد الإفريقي ممثلاً في معظم دول الاتحاد موقف مؤيد لوحدة السودان ومؤيد للرئيس البشير ضد مؤامرة المحكمة الجنائية. عدا يوغندا وبعض الدول الإفريقية التي تعتبر حدائق خلفية لأمريكا تنفذ كل سياساتها في المنطقة وفي العالم. ويوغندا أمرها وأمر رئيسها موسفيني عجيب.. ويقول بعض المراقبين الدوليين المهتمين بالشأن الإفريقي والأمريكي بأن الإدارة الأمريكية تريد أن تلحق دولة الجنوبالجديدة بالحدود اليوغندية وبالحكومة اليوغندية.. وهذا الأمر يراه البعض بعيداً.. ويراه آخرون قريباً وقريباً جداً. الموقف العربي أكثر ضعفاً الى الآن لم يخرج الموقف العربي الذي تسيطر عليه الدول الموالية لأمريكا من الإستنكار والشجب.. لما يحاك ضد وحدة السودان وضد رئيس الجمهورية.. وهو موقف لا تستطيع الجامعة العربية تخطيه أو استبداله بموقف قوي يدعم وحدة السودان ويدعم موقف السودان ضد الجنائية الدولية. وهنا أود أن أذكر القراء بالمواقف السالبة للسيد عمرو موسى الأمين العام للجامعة العربية من قضية الجنائية في بداية إعلانها وأثناء زيارته الى الخرطوم ولقائنا به كصحافيين.. كان موقفاً سالباً وشبه مؤيد للجامعة العربية.. وإذكر أنني انتقدت ذلك الموقف المشبوه.. الأمر الذي أدى الى غضب بعض أصدقاء عمرو موسى في السودان من المسؤولين. وفي الاجتماع الأخير الذي عقد مؤخراً بمقر الجامعة العربية بالقاهرة لمناقشة الموقف من الجنائية.. كان الصوت القوي الوحيد هو صوت الأستاذ علي كرتي من داخل الاجتماع.. بينما خفت صوت الكثيرين. الموقف العربي في تقديري موقف شبه ميئوس منه، والأمل معقود على قلة من الدول العربية مثل سوريا.. ولا غيرها.. فهي الدولة العربية الوحيدة خارج المسار الأمريكي. السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط مضمون السياسة الأمريكية وأهدافها النهائية في منطقة الشرق الأوسط.. هو إعادة ترتيب دول المنطقة.. بحيث تكون حدائق خلفية لأمريكا.. أي أن تكون تابعاً سياسياً ومرتبطة اقتصادياً بالسياسة الأمريكية. وما زال مبعوثها في الشرق الأوسط جورج ميتشل يواصل جولاته المكوكية ومحادثاته الفاشلة في المنطقة. سوريا وحزب الله وإيران أكبر عقبة أصطدمت بها السياسة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط الموقف السوري القوي والمتحالف مع إيران وحزب الله في لبنان الذي أصبح قوة عسكرية تعمل أمريكا وإسرائيل لها ألف حساب. وذكاء القيادة السورية وحسن تعاملها في قضايا المنطقة مع قوتها العسكرية المتنامية وتحالفها القوي مع إيران الدولة التي دوخت أمريكا والاتحاد الأروبي وزرعت الرعب في إسرائيل بجانب حزب الله.. خلق صخرة قوية أمام أي تقدم أمريكي في المنطقة.. الأمر الذي أصبح من المستحيل تنفيذ السياسة الأمريكية في المنطقة. إلا إذا حدثت معجزة.. لذلك صوبت أمريكا كل قدراتها السياسية والتآمرية ضد السودان.. حيث تريد الإستفراد به. الجبهة الداخلية وضرورة تماسكها لم تواجه الحكومة السودانية تحديات خطيرة بهذا المستوى طوال سني حكمها العشرين.. الأمر الذي يتطلب حكمة كبيرة.. وتنازلات معقولة من أجل تمتين وتقوية الجبهة الداخلية بالعمل وليس بالكلام والتصريحات والوعود التي لا تتحقق. المطلوب من الحكومة العمل على توحيد كافة القوى الساسية في جبهة واحدة.. وتقدم لها التنازلات المعقولة التي تجعل هذه القوى تقف خلف الحكومة ضد المؤامرات والتحديات التي تستهدف السودان كله وليس الحكومة وحدها، خاصة أن كثيراً من القوى الساسية السودانية المعارضة.. تتميز بمواقف وطنية واضحة وصلبة.. ولا تتهاون في وحدة الأراضي السودانية.. بينما هناك بعض رموز السياسة السودانية لا يمانعون من ركوب الدبابة الأمريكية التي يمكن أن توصلهم الى القصر الجمهوري.. ولا يمانعون أن يكونوا علاوي آخر.. أو المالكي. لكن لابد من تكوين جبهة أو خلق قوى بين الحكومة والمعارضة.. حتى لو اضطرت الحكومة أن تدخل المعارضة في السلطة لتتحمل معها مواجهة التحديات.. ومسؤولية ما قد يحدث. جمع السلاح حسناً فعلت الحكومة بآن وضعت خطة لجمع السلاح غير المرخص من أيدي المواطنين وظاهرة انتشار السلاح في السودان أصبحت ظاهرة خطيرة تهاونت الحكومة كثيراً في مواجهتها منذ بدايتها.. بحيث أصبح السلاح متوافراً لمن يريد وبأرخص الأثمان وبمختلف الأنواع.. حتى كدنا أن نصبح مثل الصومال واليمن وغيرهما من الدول التي انتشر فيها السلاح. المطلوب أن تتعامل الحكومة مع هذا الأمر بمنتهى الجدية.. وبمنتهى الإصرار على تحصين الجبهة الداخلية.. وحمايتها من السلاح المنفلت والمشتت في كل الأمكنة وكل الأوكار. لأن هذا النوع من السلاح ليس خطراً على الحكومة فقط وإنما على المواطنين الأبرياء العزل. وفوق هذا وذاك كله.. يجب أن تكون الحكومة وكافة أجهزتها الأمنية والشعبية في كامل يقظتها لمواجهة كافة المفاجآت.. وما أكثرها. اللهم اجعل هذا البلد آمناً وأرزق أهله من الثمرات.