كنت ممّن يعتقدون بأنّ عِبَارة -ألم الجُوع- صياغةً أدبيّة، صورة من صور البلاغة، حتى وقعتَ عَلَىّ هذه العبارة باللغة الإنجليزية فى دراستى الطبيّة: hunger pain... وقتها تأكّدت أنّ ألم الجوع ليس تصويراً أدبياً، وإنّما عََرَض مَرَضِى وصورة حياتيّة، لقطة فوتوغرافيّة من أرض الواقع! الجوع فى عالمنا حقيقة من الحقائق التى تُرى بالعين المجرّدة وتُسْمع بالاُذن المجرّدة... والمصيبة أنّ الجوع لم يعُد حالة فرديّة تختص بمجموعة من الأفراد، وإلا كان مسألة مقدوراً عليها، يستطيع القضاء عليه مجموعة من المحسنين، أو جمعيّة خيرية خليجيّة أو منظمة طوعيّة من منظمات العمل الإنسانى، وبذلك يتوارى الجوع خجلاً من هذا العمل الإنسانى... الجوع لم يعد إحساساً فرديّاً، فهو الآن إحساس شعوب ودول وربّما شعوب إقليم... ألم تسمعوا بَعدْ بالجُوع القومى؟! مشكلة الجوع أنّها اليوم ليست حالة بشر كتب الله عليهم الجُوع، فلم يعُد سبب الجُوع الجفاف وحده الذى ضرب دولة أو اقليماً أو قارة من قارات العالم، فالجُوع أصبح (استراتيجيّة)... يمكن أن تؤدّى إليه سياسة وطنية أو دوليّة، تمضى الأيّام وتمضى السياسة فإذا بحكومة وشعب يتواجهان وجهاً لوجه مع عضّة الجُوع! الجُوع أيضاً علاقة بينيّة بين الدول الغنيّة والدول الفقيرة، فهو بعض من (آليّات) العلاقات الدولية، تستخدمه دول للهيمنة والضغط على دولٍ أخرى أو على حكومات تلك الدول... لذلك فالجُوع اليوم صناعة ثقيلة: صناعة الجُوع! الأممالمتحدة تعترف بأنّ الجُوع حقيقة أمميّة تنجم عن الكوارث الطبيعيّة والحروب لكنّها لا تعترف بأنّه إنتاج سياسى، لذلك لها برنامج له رنين هو برنامج الغذاء العالمى... ومع ذلك فالدول الكبرى والعظماء السبعة لهم سياسة خفيّة هى سياسة التجويع! اليوم يحتفل العالم بيوم الغذاء العالمى... ونحن السودانيين دولةً وشعباً نحتفل به بارتياد بعضنا مطاعم شرقيّة وغربيّة بالعاصمة، ومنح فضلاتهم لبعضٍ آخر... ومَنْ فاته هذا العطاء فما تزال صناديق النفايات أحد مصار الغذاء لآخرين... أو نحتفل بيوم الغذاء العالمى فى السودان بتأكيد معرفتنا لهذا اليوم فيردّد كلُ واحدٍ منّا عبارتنا المشهورة: (بعرفو زى جُوع بطنى)!!