الفنان بعد ان يتم عمله الفني يعود فيتأمله ويستمد نشوة أكبر من تأمل ما قد أبدع.. بل يكاد يهيم حباً بما ابدعته يداه شأنه شأن بطل الأسطورة اليونانية بيجماليون حين هام حباً بالتمثال الذي صنعه بنفسه.. وقدرة الإبداع الفني والتذوق الفني تبدأ عن طريق الإحساسات البصرية والسمعية ولكنها لا تقتصر على التأثير الحسي وحده، بل تخاطب الخيال والفكر وبقدر ما تعلو الأعمال الفنية في القيمة بقدر ما تحيا في صدور الناس، لأن العمل الفني متى وجد فإنه لا ينتهي بل يعاد الى الوجود على مدى الأجيال والحضارات المختلفة فيتجاوز المكان والزمان اللذين وجد فيهما لكي يحقق تواصل الأجيال وتواصل الحضارات المختلفة.. وبهذا يكون الفن لغة عالمية وإنسانية إن هناك «فعلاً» وأن هناك أيضاً «رد فعل» مستمر بين العمل الفني الذي هو ثمرة العبقرية الإنسانية كما أنه أىضاً المؤثر في نفوس الآخرين.. والفنان كما يؤثر في غيره يتأثر بالبيئة الفكرية والاجتماعية التي ينشأ فيها.. وكما يتأثر الفنان بظروف الزمان والمكان.. تتأثر الفنون بعضها بالبعض الآخر، فلا يوجد فن مستقل عن سائر الفنون الاخرى المرتبطة به. لعل ذلك كان هو السبب في أن قدماء الاغريق كانوا يتصورون ان هناك أسرة واحدة تضم آلهة الفن عندهم ففن العمارة الذي يعد في رأي الفيلسوف الألماني هيجل اكثر الفنون تعبيراً عن أقدم الحضارات الإنسانية كان لا يستغني عن فني النحت والتصوير ليكمل بهما نفسه، وكذلك فإن النحت والتصوير كانا وما زالا يستلزمان إطاراً معمارياً معيناً ليبرز جمالها. لذلك كانت فنون الشعر والموسيقا والرقص البدائي تكون فن المسرح القديم.. ومن هنا يتضح لنا أن الفنون كما ترتبط هي والبيئة والحضارة التي تنشأ في حضنها يرتبط بعضها بالبعض الآخر وتتأثر وتؤثر فيما بينها. وهذا يفسر ما قاله أحد قدماء الفلاسفة من أن الشعر رسم وتصوير ناطق.. كما أن التصوير شعر صامت. هنا تتضح لنا أهمية البحث في العناصر المشتركة بين الفنون المختلفة ببعضها البعض والبحث فيما هو مشترك بين الفن والنظم الفكرية والإنسانية الاخرى.. وتدخل هذه الدراسات ضمن اهتمام عالم الجمال.. كما تشغل كل باحث في تاريخ الفن وكل ناقد يوجه عنايته لفن معين من الفنون.