من خلال المتابعة اللصيقة لما يجري في المشهد السياسي والأمني والاقتصادي والاجتماعي، فان مصر «88 مليون نسمة» تعايش فورانا حادا لم يسبق له مثيل في تاريخها الحديث والتقارير والوثائق والوقائع تكشف كل يوم كما هائلا من المفاجآت والحقائق على كافة المستويات بما فيها خطط اجهزة النظام المخلوع لمواجهة ثورة الشعب في 52 يناير 1102م، ومحاولات اجهاضها وبخطط ووسائل شيطانية، واستنادا لتقارير وافادات مسؤولين فان النيابة العامة في قضية المتظاهرين المتهم فيها الرئيس السابق محمد حسني مبارك وحبيب العادلي وزير الداخلية الاسبق و«6» من معاونيه كشفت عن مجموعة من الخطط التي وضعتها الاجهزة الامنية لاجهاض الثورة المصرية عبر خلق حالات الانفلات الامني واشاعة الفوضى والرعب عقب مظاهرات «جمعة الغضب» يوم 82 يناير، والخطة حسبما نقلت عن محمود عبده النقيب بشرطة مصلحة أمن الموانئ والمنتدب للخدمة بمديرية امن القاهرة خلال اندلاع الثورة، تعتمد على الاستعانة ب«البلطجية» «ذوي السوابق الاجرامية» وجمعهم من الاحياء الشعبية ونشرهم وتوزيعهم في الشوارع لارتكاب جرائم السرقة والنهب للمحال والمنازل بالمحافظات المختلفة في مصر وبحسب الاعترافات والتحقيقات فان نشر حالة الفوضى والانفلات الأمني اوكلت لمدير ادارة المباحث الجنائية بمديرية امن القاهرة، وجاء «البلطجية» وجمعوا في «51» مكيروباصات و«51» موترسايكل بدون ارقام لوحات معدنية ضمانا لمهامهم في شوارع العاصمة، وزود «البلطجية» بالاسلحة البيضاء ومواسير الحديد والسيخ والمطاوي والزجاجات الفارغة التي يتم استخدامها كزجاجات مولوتوف يعد تعبئتها بالبنزين. كما طلب من «البلطجية» المسلحين «الاندساس» وسط المتظاهرين واثارة الشغب والوقيعة معا، وخطورة هذه الافادات والشهادات اظهرت بوضوح «خطط الانفلات الامني» من جانب أجهزة امنية مهمتها ومسؤوليتها حماية الأمن، وحماية المواطن وليس العكس، وظهرت ادلة اخرى رصدت وصورت كل ما جرى من اعمال العنف والقتل ضد المتظاهرين ومنها كاميرات المتحف المصري وايضا كاميرات الفضائيات ولعلنا نذكر «السيارة الدبلوماسية» التي اندفعت بقوة تدهس المتظاهرين عن عمد للقتل وادخال الفزع، وايضا نقلت الفضائيات ما سمى «بموقعة الجمل» كما قام مدير المتحف المصري بتسليم ما لديه من اشرطة مسجلة التقطتها «كاميرات المتحف» حول موقعة الجمل وهنالك قضايا ومحاكمات لرموز النظام المخلوع «ولقب المخلوع تثابر اجهزة الاعلام على استخدامه» حول قضايا الاموال المنهوبة، والتلاعب في البورصة والاراضي والشركات الوهمية وخطابات الضمانات التي يستفيد منها ممن لهم صلات ومصالح من ومع اركان النظام، على ما يجري في الساحة السياسية لا يقل فورانا وحدة عن ما يثار ويطرح في التحقيقات القانونية والقضائية والحملات ضد المحاكمات العسكرية بالنسبة للمدنيين، وتستحوذ احالة الناشطة الحقوقية اسماء محفوظ الى المحكمة العسكرية بتهمة اهانة القوات المسلحة على اهتمام واسع من النشطاء الشباب وتم تجميدها ويجرى حراك كثيف للتيارات والقوى في التداول حول المبادئ والاساسيات والاسبقيات والتحديات التي تواجه شعب مصر بدون استثناء، والالتفات يمثل ضرورة لمعرفة رؤية المجلس العسكري برئاسة المشير محمد طنطاوي والذي تبدو صورته الافضل والاكثر نضوجا وقبولا لدى الرأي العام في مصر ويعتبر رئيس هيئة اركان حرب القوات المسلحة ونائب رئيس المجلس الاعلى الفريق سامي عنان «ان مدنية الدولة، قضية امن قومي لا مساومة فيها أو عليها» وتواجه الامة المصرية، اربعة تحديات، الوضع الأمني والاقتصادي والاعلام والفتنة الطائفية، ويصنف الاعلام بأخذه منحى مناوئاً لمصلحة مصر في حين يمكن للاعلام ان يتحرى المصلحة الوطنية اولا وليس الاثارة، الاعلام اصبح مدمرا، لا توجد مشكلة في ممارسة النقد، المشكلة في كون النقد في اتجاه الهدم وليس البناء، التحدي الرابع هو الفتنة الطائفية التي اذا تعذر السيطرة عليها فانها ستأتي على البلد بالكثير من المساوئ، والاغراض واضحة، والجهات التي تريد اشعال الفتنة معروفة، ومن المصلحة اخماد نار الفتنة لا النفخ فيها، هنالك تحدي الضغوط الاقليمية والدولية، وفي مواجهة هذه التحديات الجسيمة فان المجلس الأعلى للقوات المسلحة يريد انهاء الفترة الانتقالية وتسليم البلاد الى سلطة منتخبة في أقرب وقت، كما يريد المجلس العسكري ان تعطي مصر درسا للعالم بأسره عن امكانية اجراء انتخابات نزيهة تسفر عن تمثيل نيابي حقيقي للشعب، يمتلك المجلس العسكري المصري خطة محددة واضحة تبدأ بالانتخابات البرلمانية وتمر بصياغة دستور لمصر وتنتهي بانتخابات رئيس الجمهورية وهذه الخطة وضعت منذ شهور واقرها الشعب عبر الاستفتاء ولا بديل عن السير في هذه الاتجاه، والمجلس لا يريد البقاء طويلا في السلطة ويؤمل ان يقوم الشعب والنخبة وبمساعدة المجلس الأعلى للقوات المسلحة في التنفيذ ومع هذه الخطة التزام من جانب القوات المسلحة ان تظل «ضامنة» لحقوق الشعب المصري بعد استباب الامور وستظل «راعية» وحامية لكرامة هذا الشعب ولن تسمح لاية سلطة «ايا كانت» ان تنتهك كرامة المصريين، فالقوات المسلحة هي نتاج هذا الشعب ولا تنسى فضل الشعب عليها، ويعتقد المجلس العسكري وعلى لسان الفريق عنان «ان الخروج من المأزق الحالي يستدعي اطلاق حوار وطني شامل بين جميع التيارات الفكرية والسياسية، وينبغي عدم اغفال الملف الاقتصادي في ظل الانهماك في الملف السياسي «لان فاتورة الاغفال ستكون باهظة على الجميع» ومن خلال المتابعة فان التطورات الملتهبة تتلاحق بسرعة اللهب، فقد انفتح «ملف كامب ديفيد» بين مصر واسرائيل الذي قاد الى التطبيع والالتزام بالسلام وعدم العودة للحرب ولكن احداث العريش ومقتل ضابط مصري في هجوم من قوات اسرائيل دفع الى خروج الجماهير المصرية في مظاهرات عارمة ضد اسرائيل والمطالبة بطرد السفير الاسرائيلي من القاهرة واغلاق السفارة برمتها وتجاوبت الحكومة المصرية بسحب السفير المصري في تل ابيب، وطلبت ايضاحات من الحكومة الاسرائيلية حول العمليات العدوانية الاخيرة على الحدود المشتركة، ثم تصاعدت الامور بفعل الغضب الشعبي الى اختلاع السور الخاص بحماية مبنى سفارة اسرائيل واقتحام السفارة احتجاجاً قوياً على وجودها في القاهرة، وغادر السفير الاسرائيلي القاهرة عائداً الى تل ابيب. تأتي هذه المؤشرات والملامح للمشهد السياسي في مصر وبإيجاز شديد في محاولة للتنبيه واليقظة لان ما يجري في مصري يهم ويعني كافة اهل السودان فالاستقرار والأمن على كافة مستوياته تشكل قضية استراتيجية حيوية للسودان واستقراره وسلامته، ولابد ايضا من اشارات لاحقة للقوى الحزبية والسياسية ومنظمات المجمع المدني وكيف تتعامل وتتصرف في هذه المرحلة الدقيقة؟وكيف يمكن الابقاء على مبادئ وأهداف ملحمة شعب مصر في 52 يناير 1102م؟