سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
أنا أعبِّر عن المؤتمر الوطني ولا أسبح عكس التيار .. (مافي داعي نشوِّه سُمعة الحرية) بشئ لا يخدم الغرض .. نريد رقابة مقننة وهذا (....) خط أحمر مع فتحي شيلا.. حول تصريح (تخلف الرقابة القبلية)
بالأمس، فرك البعض أعينهم لبعض الوقت عندما طالعوا تصريحاً للأستاذ فتحي شيلا، اتسم بجرعة فوق المعدل من الجرأة فيما يبدو. فلم يتوقع الكثيرون أن يصف شيلا - الذي يرأس لجنة الثقافة والإعلام بالبرلمان - الرقابة القبلية على الصحف بالأمر المتخلف، ويزيد على ذلك، أنها إلى زوال رغم أنف القائمين على أمرها. وهو حديث ظلت تردده قيادات في المعارضة، أما قيادات الحكومة فيذهبون إلى غير ذلك، وهو ما دفع مجالس المدينة ودوائر المعارضين للتساؤل على نحوٍ لم يخلو من استغراب: (هل أصبح شيلا يغرد خارج السرب، أم أنه يريد مغازلة المعارضة التي كان حتى وقت قريب جزءاً منها بمثل هذه الأحاديث الناقدة؟.. متى اكتشف شيلا تخلف الرقابة القبلية؟ وهل وصفه لها بالتخلف يجئ من حيث المبدأ، أم من ناحية تقنية محضة؟ أم أن شيلا استشعر بحسه السياسي الزائد أنه ربما كان من المغادرين لمواقعهم في المرحلة المقبلة، فأراد بتصريحه الجرئ في هذا التوقيت، أن يسجل موقفاً قبل أن يغادر)؟.. كل تلك التساؤلات، وأخرى ساخنة وضعتها (الرأي العام) عصر أمس على منضدته بالمجلس الوطني، فوضع أسفلها ما تتطلب من إجابات وافيَة، وواثقة فيما يبدو من هذا الحوار: * في الندوة التي نظمها البرلمان أمس عن حرية التعبير قلت إن الرقابة القبلية أمر متخلف وإلى زوال رغم أنف القائمين على أمرها.. متى اكتشفت ذلك؟ - أولاً أنا أريد الآخرين أن يقنعوني بأن الرقابة هذه مُمكنة. فالرقابة لم تعد مُمكنة لذلك وصفتها بالتخلف، لأن هناك وسائل لا يمكن أن تراقبها، فإذا حجبت مقالاً في صحيفة (الرأي العام) المنشورة، فلا يمكن أن تحجب ذلك المقال في نسخة (الرأي العام) على الإنترنت، فالواقع يقول إن هنالك تكنولوجيا حديثة تجعل من الرقابة أمراً ثانوياً، وبالتالي مافي داعي أشوّه سُمعة الحرية بشئ لا يخدم لي الغرض، ثم أني أفتكر ان الضرر الذي يصيب المؤتمر الوطني والحكومة، هو ضرر ما ينشر في الخارج أكثر مما ينشر في الداخل. ثانياً نحن نتكلم عن الحريات، ونريد رقابة مقننة. * ماذا تعني برقابة مقننة؟ - هنالك قانون يمنع نشر ما هو ضار، ونريد رقابة تحفظ لأي مواطن حقه من التجني مما ينشر. وأمس أنا ضربت مثالاً وقلت إن هناك بعض الصحف تنشر تصريحاً صحفياً على لسان مسؤول لم يصرح به، وهذا كذب ضار، وضرره يجئ عندما يتناول آخرون هذا التصريح بالنقد باعتبار أنه صادر فعلاً من ذلك المسؤول ويحدث ضرراً آخر. والرقابة منع ما هو ضار، وهذا لا يمكن أن يحدث بمقص آخر، مقص القانون، فنحن نريد قانوناً.. = مقاطعة = * لكن ليس هناك اتفاق على تعريف ما هو ضار، فما تراه الحكومة مضراً بأمن الدولة من وجهة نظرها، بينما الصحفيون قد لا يتفقون معها على ذلك؟ - لا.. هنالك أشياء يجب أن نتفق عليها، وأمن الدولة هنالك جهات مختصة هي التي تحدد ما يضر من نشر بقضايا متعلقة بأمن الدولة وهذه مسألة غير محتاجة لاجتهاد أصلاً، فإذا الجهات الأمنية حددت أن نشر هذه القضية يضر بأمن البلد فيبقى هذا خطاً أحمر. وبهذا الوصف نحن نريد للقانون أن ينظم الرقابة ويحدد ما هو متاح وما هو غير متاح. * عندما تتحدث عن تخلف الرقابة القبلية هل تقصد أنها متخلفة بسبب الصعوبات التقنية في ظل الإنترنت وكذا، أم تقصد متخلفة من حيث المبدأ كذلك؟ - للسببين معاً.. فالسبب الأول أنك لا تستطيع أن تمنع ما يُنشر بالتكنولوجيا، والسبب الثاني أن هنالك أدوات شرعية تقنن بالقانون. = مقاطعة = * وصفك للرقابة القبلية بالمتخلف كان سيكون أقيم إذا كان من حيث المبدأ لا التقنية، فأنت ترفض الظلم مثلاً لأنه مقيت، وليس لأنك لم تقدر عليه؟ - أنا قلت لك للسببين، فأنا حتى وإن كنت مقتنعاً بالرقابة، لا يمكن أن أحول دون النشر في ظل التكنولوجيا الموجودة، ثم ان الرقابة يمكن أن تكون عبر القانون وليس عبر أي شئ آخر. * هل هذه لغة المؤتمر الوطني، أم لغة فتحي شيلا؟ - لا... هذه لغة المؤتمر الوطني وليس لغة فتحي شيلا، فنحن نمارس النقد داخل مؤسساتنا السياسية في أدائنا السياسي والتنفيذي، وأنا أتابع ما يدور في مؤتمراتنا التنشيطية من نقد وتحليل وتقويم لأداء مؤسساتنا، وأفتكر ان الحريات المتاحة تفرض علينا أن نبدأ بأنفسنا، لذلك أنا أفتكر أن هذه لغة المؤتمر الوطني وستجدونها عند أي قيادي في الحزب. * عفواً أستاذ، لكن البعض يرى أن الوطني لم يعد شيئاً واحداً كما تتحدث أنت عنه، فإذا كان فيه من ينتقد الرقابة القبلية، ففيه كذلك من يفرضها؟ - أنا بالأمس تحدثت في الندوة عن التطور الذي حدث خلال (22) عَامَاً، وتناولت عن الحريات والتضييق عليها من 30/6/1989م وحتى ديسمبر 1999م، وتلك كانت حقبة من حقب الانقاذ. ولكن الواقع الذي يجب أن نتحدث عنه أن الانقاذ قد تحرّكت من محطة 1989م إلى محطة 2011م، حيث أتاحت هذه المساحة الكبيرة من الحريات، وأقامت الانتخابات، والتزمت باتفاقية السلام الشاملة حتى أدت للانفصال. * مع هذا التقدم غير المنكور، يبدو أن الانقاذ بدأت ترجع للوراء مرةً أخرى، خاصةً وأن عودة برنامج «في ساحات الفداء» من جديد يكفي دليلاً على تراجعها؟ - برنامج «ساحات الفداء» دعنا نأخذه برؤية مخالفة للرؤية التي عهدناها في الفترة الفائتة، لأن تلك المرحلة كانت مرحلة التعبئة بتلك الصورة، والآن مرحلتنا مرحلة التوعية وليس التعبئة في ساحات الفداء، ثم ما العيب في أن نستدعي تجربة من تجاربنا إذا رأينا أنها يمكن أن تفيدنا في المرحلة المقبلة؟. * كأنك هدفت إلى مغازلة المعارضة بحديثك عن تخلف الرقابة القبلية؟ - أنا أريد توعية المعارضة بأنه يجب أن تعترف بأنّ هناك واقعاً جديداً وتطوراً في الحياة السياسية في المؤتمر الوطني ولابد أن تغيير المعارضة من تفكيرها نحو المؤتمر الوطني فهو لم يعد كما كان في 1989م، ولم تعد مساحات الحريات المتاحة اليوم كما كانت. فالمؤتمر الوطني الآن فيه الوسط واليمين وجزء من اليسار المعتدل هذا إلى جانب المؤسسية داخل المؤتمر الوطني.. وأنا أحد الذين كانوا يتوهمون أن الانقاذ لن تستمر شهراً، فالكثير من الناس لم يستطيعوا أن يقيموا أن هناك مؤسسة تدير البلاد بعلم، في وقت لم تطور فيه المعارضة نفسها وأقامت مؤسساتها المختلفة لتكون بديلاً. فأنا أود أن أقول لك كلاماً: أنا لا أدعي أن الشعب السوداني كله لم يكن مع المؤتمر الوطني، لكن أداء المعارضة لم يكن مقنعاً (لا في الماضي ولا حتى الآن)، فنحن الآن نتحدث عن واقع لحزب سياسي يمارس الديمقراطية، وأتاح مساحة كبيرة جداً من الحريات وهم يتحدثون عن الانقاذ 30/6/1989م. * أنت تنظر بعين الرضاء فيما يبدو، فهذه الصورة الايجابية عن الوطني قد تكون موجودة إلاّ في ذهن الأستاذ فتحي شيلا ولا وجود لها في أرض الواقع؟ - ليس من رأى كمن سمع. وأنا كنت أميناً جداً حين انتقلت إلى المؤتمر الوطني في أن أُبلغ إخواننا في بعض الأحزاب السياسية التي لدينا معها صلة اننا ما كنا موفقين في تقييمنا للمؤتمر الوطني، فكنا نعتقد أنه تنظيم سياسي ضعيف وهو ليس كذلك، وكنا نعتقد أن المؤسسية فيه معدومة وممارسة الحريات ضيقة ولم نجد الوضع كذلك، لذلك أنا كنت شريكاً في القراءة الخاطئة للمؤتمر الوطني، وعدم التقييم الصحيح للمؤتمر الوطني من حيث القوة المؤسسية والتنظيمية وقوة الإلتزام هذه كلها معلومات كانت تغيب عن المعارضة، ويبدو أنها مازالت غائبة وما قادرين يصدقوا ان هذا هو السبب في بقاء المؤتمر الوطني عشرين سنة وسيبقى لأن الآخرين لم يطوِّروا في أنفسهم. * لكن هناك من يعتقد أن الوطني أصبح حزباً هشاً وهذا الحديث تقوله قيادات من الوطني نفسه وليس من المعارضة؟ - ستظل المعارضة على هذا الوهم إلى أن يصيبها الوهن. * دعنا نعد إلى حديث عن تخلف الرقابة القبلية.. هل يمكن أن نعتبره بمثابة اعتذار للصحافة في الفترة الماضية؟ - لا هذا ولا ذاك، فأنا أريد أن أرسل رسالة للناس بأن لا يعطوا لهذا الأمر أكثر مما يستحق، فلم تعد مسألة الرقابة مجدية للمراقب أو الذي يراقب. * البعض يرى أن الصحافة أصبحت مدجنة أصلاً، ولم تعد بحاجة للرقابة القبلية.. هل تتفق مع مَن يقولون ذلك؟ - لا.. العكس، فحقيقة هناك صحف محترمة تؤدي دورها وأنا لا أريد أن أذكرها على سبيل الدعاية، فهناك صحف معتبرة وتجد مساحة كبيرة جداً من القبول ومن القراء ورأيها مؤثر جداً، وصدقني هناك بعض الآراء في بعض الصحف الناقدة لأداء الدولة، نحن سعيدون جداً بها وقد بدأت تؤثر على القرار نفسه. * حديثك عن تخلف الرقابة القبلية، جعل الأمر يلتبس على البعض، فالذي كان يتحدث هل هو شيلا المعارض في السابق أم القيادي في الحزب الحاكم؟ - هذا خطأ شائع.. وفهم بعض الناس للمؤتمر الوطني مازال متخلفاً وما زالوا ينظرون إليه كما لو كان في 30 يونيو 1989م وهو ليس كذلك، فالآن الوطني حزب وسطي يقبل القادمين من الحزب الاتحادي الديمقراطي ومن حزب الأمة ومن الحركة الشعبية ومن الإخوان المسلمين، ثانياً أنا أريد شخصاً يغالطني ويقول لي لا توجد حريات الآن، فالوطني تطور بشكل طبيعي ونتيجة لتقييم التجربة. * ألم يغضب البعض داخل المؤتمر الوطني من تصريحك عن تخلف الرقابة القبيلية؟ - بالتأكيد.. ونحن نتعامل بمنهج وكمؤسسة، ولذلك أنا أعرف رأي المؤتمر الوطني كمؤسسات في الرقابة، وقد أكون عبّرت بالطريقة التي تقولها، لكن هذا رأي مؤسسات المؤتمر الوطني وأنا لا أسبح عكس التيار. وإنما أسبح مع مؤسسات وموجهات المؤتمر الوطني ولذلك (أنا ما شايف أي سبب للعوا دي زي ما بقولوا). * ألا يمكن أن يغري حديثك آخرين بانتقاد الحكومة؟ - لعله فات عليك أن المؤتمر الوطني حزب يمارس النقد لأدائه داخل مؤسساته والجهاز التنفيذي، وقلنا نحن غير مبسوطين لكثير من الأجهزة التنفيذية لأنها لم تستطع أن تحتوي قضايا كثيرة متعلقة بالمعيشة، وأنا أريد الناس أن يعرفوا ان هذا هو المؤتمر الوطني. * ألا يمكن أن يكون شيلا غاضباً من مغادرته لأمانة الإعلام لذلك قال ما قال؟ - هذا يعود للفهم الخاطئ لطبيعة المؤتمر الوطني.. فهل أنا سعيت كي أكون أمين إعلام حتى أزعل عندما أغادر الموقع، فهناك مناهج في المؤتمر الوطني، ومنهج المؤتمر الوطني يكلف عند الضرورة فتحي شيلا، وعند الضرورة فتح الرحمن شبارقة... = مقاطعة = * ولكني لست مؤتمر وطني حتى يكلفني عند الضرورة أو غيرها؟ - أعرف ذلك، وذكرتك على سبيل المثال. فكل مرحلة تتطلب إمكانات وقدرات وتتطلب لساناً والمؤتمر الوطني ملئ بالكفاءات، فما الذي يميّز فتحي شيلا لأن يصبح أمين الإعلام، وعضو مكتب قيادي، ورئيس لجنة الثقافة والإعلام بالمجلس الوطني؟ * في هذه الحالة ربما كان سبب ما قلت هو إستشعارك بأنك لن تجلس على هذا الكرسي برئاسة لجنة الثقافة والإعلام بالبرلمان، فأردت أن تثبت موقفاً ما قبل أن تغادر؟ - ليس بالضرورة أن أجلس في هذا الكرسي، وأنا أتمنى أن لا أكون في هذا الموقع، وأنا لا يشملني أي تعديل وزاري، لأني في عُمر أريد أن أؤدي فيه أداء بحجم سني وصحتي وقدراتي. وأصلاً أنا لم يكن في بالي عندما أعلنت الانضمام للمؤتمر الوطني، أن أجلس في مثل هذا الكرسي. ولعلمك أنا طالبت بأن يعفوني من تكليف أمانة الإعلام، لأني في هذه السن لا أستطيع أن أملأ مقعدين.. مقعد في أم درمان ومقعد في نمرة (2)، ويكفي أني يمكن أن أقدم ضريبة الوطن من مقعد المجلس الوطني كنائب للدائرة (2) أم درمان، وأصلاً هذه المقاعد (ربنا يريّحنا منها). * ألم تشعر بشئ من الندم أو التسرع ربما في انضمامك للوطني، خاصةً وأن سياساته متهمة بالتسبب في كثير من الأزمات؟ - سبق أن قلت في حديث سابق، إنه لم يحدث أني أقدمت على عمل في حياتي وندمت عليه. ومهما كانت النتائج أكون أستفدت تجربة، وأنا الآن لا أشعر بأني غريب في المؤتمر الوطني، بل على العكس، أعتبر نفسي (صاحب حواشة) مثلي مثل أي شخص آخر. = يضحك =