يصعُب التكهن بمُرام دولة جنوب السودان فيما يلي ترميم العلاقة وبنائها على جوار مُقدَّس ومُؤسس بالاحترام المُتبادل والمصالِح المُشتركة .. إذ تمضي وتيرة الخضوع الانتهازي للدولة الوليدة كلما تزايدت عليها الضغوط ، حتى إذا انفرجت بعض الشيء تعمَّدت اتخاذ مواقف صادرة عن سوء نية على أقل تقدير .. خاصة في ما يلي المُهدد المُنطلق من أراضيها، إذ تلتقط عناصر الحركات المتمردة بعض انفاسها وتُعيد صياغة تدابيرها المُعكِرة للاستقرار .. وربما تتحصل على العتاد والمال اللازمين لتنفيذ أهدافها الشيطانية مُقابل قتالها في صفوف الجيش الشعبي بالوكالة أو استخدامها في تأمين المدن ضد هجمات فصائل المُعارضة الجنوبية. في ظل هذه العلاقة المحفوفة بالشكوك وبالتحفظات استقبلت الخرطوم وعود النائب الأول لرئيس دولة الجنوب تعبان دينق ب (الرضاء) الحادث عن الطرح الايجابي والتصريحات التطمينية .. وب (الرجاء) الناتج عن حدود صلاحيات النائب الأول للوفاء بهذه الوعود، ومن المُحير في المشهد الدرامي المُستقبَل بالرضاء والرجاء، تلك الغبطة التي لازمت هذه التصريحات وكأن تعبان لوَّح بمفتاح الحل الضائع .. وهو في حقيقة الأمر لم يكُن ليرُد تفهم الخرطوم للظروف التي أتت به نائباً أولاً إلا بمثل هذه الوعود وتلك التطمينات. لكن الذي يدفعنا للخوض في هذا وكان بالإمكان انتظار الأسابيع الثلاثة التي حددها تعبان ميقاتاً للوفاء بالتزامات حسم الوجود المعارض وفتح العابر هو الضغط الإيجابي وتنويع وسائل التعاطي مع الأحداث، كأن نتعاطى معها بعقلانية، لا بغبطة بليدة ومُتبلدة .. فإن كان تعبان قد تورط في إصدار الوعود غير القابلة للتحقُّق لأنه ليس لديه تفويض أو صلاحيات تُمكِّنه من الوفاء بما وعد، فإن عليه بذل المزيد من الجهد لإقناع حكومة الجنوب الانتقالية بضرورة النظر للعلاقة مع الخرطوم من زاوية منفرجة لا من زاوية حادة لا يجني معها الجنوب غير الخسران وذهاب الريح. أما إن كانت وعود تعبان صادرة عن وتيرة معهودة جاز أن نُطلِق عليها وتيرة الخضوع الانتهازي لوقوعها هذه المرة تحت ضغط دولي رهيب من شأنه أن يُبعد سلفا كير هو الآخر عن المشهد الجنوبي، وتتمدد الوصايا الدولية وفقاً لما هو مخطط له، فإن المناورة هذه المرة لن تُمكِّن دولة الجنوب من استعادة زمام الأمور وإعادة الوضع إلى ما كان عليه .. لأن الضغط الدولي لا زوال له إلا بعد تحقيق أهداف الهيمنة الكامِلة والسيطرة الكُلية على دولة الجنوب بمواردها وإنسانها المقهور . حان الوقت لتتفهم الدويلة الوليدة أن مُقومات بقائها مُرتبطة ببناء علاقة مصالِح مُشتركة مع الخرطوم، فالخرطوم وحدها القادرة على فك الضائقة الاقتصادية وإعادة النبض .. ومن اللازم القول إن تحقيق ذلك مرهون بأفعال تحسم ملف إيواء ودعم التمرد، وليس بأقوال تستدعي الغبطة والسرور.