وزير الخارجية يستقبل مدير عام المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة    منع قناة تلفزيونية شهيرة في السودان    ماذا قال ياسر العطا لجنود المدرعات ومتحركات العمليات؟! شاهد الفيديو    تم مراجعة حسابات (398) وحدة حكومية، و (18) بنكاً.. رئيس مجلس السيادة يلتقي المراجع العام    انطلاق مناورات التمرين البحري المختلط «الموج الأحمر 8» في قاعدة الملك فيصل البحرية بالأسطول الغربي    شاهد بالصور.. ما هي حقيقة ظهور المذيعة تسابيح خاطر في أحضان إعلامي الدعم السريع "ود ملاح".. تعرف على القصة كاملة!!    تقارير صادمة عن أوضاع المدنيين المحتجزين داخل الفاشر بعد سيطرة الدعم السريع    لقاء بين البرهان والمراجع العام والكشف عن مراجعة 18 بنكا    السودان الافتراضي ... كلنا بيادق .. وعبد الوهاب وردي    د.ابراهيم الصديق على يكتب:اللقاء: انتقالات جديدة..    لجنة المسابقات بارقو توقف 5 لاعبين من التضامن وتحسم مباراة الدوم والأمل    المريخ (B) يواجه الإخلاص في أولي مبارياته بالدوري المحلي بمدينة بربر    الهلال لم يحقق فوزًا على الأندية الجزائرية على أرضه منذ عام 1982….    شاهد بالصورة والفيديو.. ضابطة الدعم السريع "شيراز" تعبر عن إنبهارها بمقابلة المذيعة تسابيح خاطر بالفاشر وتخاطبها (منورة بلدنا) والأخيرة ترد عليها: (بلدنا نحنا ذاتنا معاكم)    شاهد بالصور.. المذيعة المغضوب عليها داخل مواقع التواصل السودانية "تسابيح خاطر" تصل الفاشر    جمهور مواقع التواصل بالسودان يسخر من المذيعة تسابيح خاطر بعد زيارتها للفاشر ويلقبها بأنجلينا جولي المليشيا.. تعرف على أشهر التعليقات الساخرة    المالية توقع عقد خدمة إيصالي مع مصرف التنمية الصناعية    أردوغان: لا يمكننا الاكتفاء بمتابعة ما يجري في السودان    وزير الطاقة يتفقد المستودعات الاستراتيجية الجديدة بشركة النيل للبترول    أردوغان يفجرّها داوية بشأن السودان    وزير سوداني يكشف عن مؤشر خطير    شاهد بالصورة والفيديو.. "البرهان" يظهر متأثراً ويحبس دموعه لحظة مواساته سيدة بأحد معسكرات النازحين بالشمالية والجمهور: (لقطة تجسّد هيبة القائد وحنوّ الأب، وصلابة الجندي ودمعة الوطن التي تأبى السقوط)    إحباط محاولة تهريب عدد 200 قطعة سلاح في مدينة عطبرة    السعودية : ضبط أكثر من 21 ألف مخالف خلال أسبوع.. و26 متهماً في جرائم التستر والإيواء    الترتيب الجديد لأفضل 10 هدافين للدوري السعودي    «حافظ القرآن كله وعايشين ببركته».. كيف تحدث محمد رمضان عن والده قبل رحيله؟    محمد رمضان يودع والده لمثواه الأخير وسط أجواء من الحزن والانكسار    وفي بدايات توافد المتظاهرين، هتف ثلاثة قحاتة ضد المظاهرة وتبنوا خطابات "لا للحرب"    أول جائزة سلام من الفيفا.. من المرشح الأوفر حظا؟    مركزي السودان يصدر ورقة نقدية جديدة    برشلونة ينجو من فخ كلوب بروج.. والسيتي يقسو على دورتموند    "واتساب" يطلق تطبيقه المنتظر لساعات "أبل"    بنك السودان .. فك حظر تصدير الذهب    بقرار من رئيس الوزراء: السودان يؤسس ثلاث هيئات وطنية للتحول الرقمي والأمن السيبراني وحوكمة البيانات    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    غبَاء (الذكاء الاصطناعي)    مخبأة في باطن الأرض..حادثة غريبة في الخرطوم    رونالدو يفاجئ جمهوره: سأعتزل كرة القدم "قريبا"    صفعة البرهان    حرب الأكاذيب في الفاشر: حين فضح التحقيق أكاذيب الكيزان    دائرة مرور ولاية الخرطوم تدشن برنامج الدفع الإلكتروني للمعاملات المرورية بمركز ترخيص شهداء معركة الكرامة    السودان.. افتتاح غرفة النجدة بشرطة ولاية الخرطوم    5 مليارات دولار.. فساد في صادر الذهب    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    الحُزن الذي يَشبه (أعِد) في الإملاء    السجن 15 عام لمستنفر مع التمرد بالكلاكلة    عملية دقيقة تقود السلطات في السودان للقبض على متّهمة خطيرة    وزير الصحة يوجه بتفعيل غرفة طوارئ دارفور بصورة عاجلة    الجنيه السوداني يتعثر مع تضرر صادرات الذهب بفعل حظر طيران الإمارات    تركيا.. اكتشاف خبز عمره 1300 عام منقوش عليه صورة يسوع وهو يزرع الحبوب    (مبروك النجاح لرونق كريمة الاعلامي الراحل دأود)    المباحث الجنائية المركزية بولاية نهر النيل تنهي مغامرات شبكة إجرامية متخصصة في تزوير الأختام والمستندات الرسمية    حسين خوجلي يكتب: التنقيب عن المدهشات في أزمنة الرتابة    دراسة تربط مياه العبوات البلاستيكية بزيادة خطر السرطان    والي البحر الأحمر ووزير الصحة يتفقدان مستشفى إيلا لعلاج أمراض القلب والقسطرة    شكوك حول استخدام مواد كيميائية في هجوم بمسيّرات على مناطق مدنية بالفاشر    السجائر الإلكترونية قد تزيد خطر الإصابة بالسكري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كيف ترى الخرطوم أزمة دارفور؟ دارفور والمحكمة الجنائية الدولية.. عندما ترتدي السياسة عباءة القانون (6)

الخرطوم(smc) تعتبر قضية دارفور واحدة من القضايا التى صادفت اهتماما غير مسبوق على خلفية تضخيم الوسائل الإعلامية لتفاعلاتها وآثارها حتى صارت الموضوع الأول في قائمة الأخبار والتحليلات التى غالباً ما تغفل عن ذكر الحقائق ولا تلامس الواقع على الأرض. صحيفة الشرق الأوسط نشرت مجموعة من المقالات المتصلة عن أزمة دارفور وهي عبارة إفادات قدمها وزير الخارجية السوداني السابق وأحد مستشاري الرئيس عمر البشير حالياً, وتأتي أهمية الإفادات المقدمة حول الموضوع بحكم التصاق الرجل وقربه من الأحداث والتداعيات السياسية لهذا الملف وغيره من الملفات الأخرى ذات العلاقة, وفيما يلي نورد هذه الإفادات: أينما وجدت الحرب وجدت بلا شك انتهاكات حقوق الإنسان والجرائم الواسعة النطاق. مجلس الأمن ليس جهازا عدليا.. كما أن لجنة التحري التي زارت دارفور وقدمت تقريرا لم تكن تعمل بموجب معايير متفق عليها حتى بين أعضائها الخمسة عشر عطَّل التمرد في دارفور المشاريع التنموية واللبنات الأساسية، وأوقف بحركته المسلحة كثيرا مما كان يجرى العمل فيه لتحقيق استقرار الحياة وتنمية المجتمع الدارفوري في الريف والحضر، ووقف الاحتكاكات القبلية الناجمة عن شح المياه ومحدودية المصادر في إقليم خصيب في معظم أنحائه، به 12.3 مليون فدان كانت تزرع بالغلال والحبوب الزيتية والمحاصيل النقدية، من دخن وفول سوداني وسمسم وكركدي وحب البطيخ. وقد استهدف التمرد ضمن ما استهدف ضرب مؤسسات الدولة من مراكز شرطة ومحاكم ومستشفيات ومؤسسات تعليمية ومراكز حجر بيطري ومشاريع زراعية منتجة وقطع طرق وتعويق العمل في المشروعات، وقد تأثرت كل هذه المرافق تأثراً بالغاً جراء الحرب والاعتداءات التي تمت، والتي مهما حاولنا فلن نستطيع أن نحصيها ولو حرصنا. يمكننا على سبيل الإشارة للتداعيات والآثار المدمرة لما جرى ويجرى بدارفور, تدوين بعض ما أحصيناه من وثائق. ومن اللازم إيراد أن الحركة المتمردة استهدفت البنية التحتية للطيران، التي أخذت وزارة الطيران التي أنشئت لأول مرة، على عاتقها إنشاء مطارات دولية ومهابط طائرات وتزويدها بمعدات السلامة الجوية والأرضية، بهدف تكثيف حركة النقل ووصل غرب السودان بالمركز وأنحائه الأخرى، لكون التواصل هو الدعامة الرئيسية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية. فعملت على انجاز وإكمال مطار الشهيد صبيرة الدولي بالجنينة، وما أن اكتمل العمل في تمويل وتشييد مطاري الفاشر ونيالا وصارا مطارين دوليين، وتم تجهيز مطار نيالا بتكلفة كلية مقدارها 373 مليون دينار (3 مليارات 730 مليون جنيه سوداني)، واستكمل مطار الفاشر الدولي بصورة ممتازة بتكلفة 377.04 مليون دينار وأضحي حيوياً أمام حركة الملاحة الجوية، حتى تعرض لهجوم الحركة المتمردة حطمته بغشامة وضيق أفق وعبثت ببنياته، بعد أن أحرقت ست طائرات كانت جاثمة على ارضه، في حادثة هي بدعة عظمى، والأسوأ في معتقدي ومتابعاتي لما يحدث بالعالم، فقد سمعت باختطاف طائرات واستبسال حركات مقاومة ثورية في نزع حقوقها، وباحتراق طائرات في الجو بفعل عوامل مناخية وسوء الطقس، ولكني لم اسمع البتة بمن يحرق طائرات ويدمر بنيات وأجهزة ارصاد جوي للملاحة وقياس الأمطار، ومنها محطة رصد لطبقات الجو العليا الكترونياً بنظام GPS تكلفتها 4 ملايين دولار، مشتراة ومشيدة من مال كان يمكن أن يدخر لصالح التنمية الاقتصادية للبلد، وتم تدمير محطات للطاقة الشمسية أنشأتها منظمات فرنسية وألمانية لتشغيل عدد من المرافق والمؤسسات، وهزمت الحرب التي دارت في دارفور البرنامج الوطني الموضوع لتخفيف حدة الفقر، الذي بدأ تنفيذه منذ عام 2001، وتدهورت مشاريع التنمية، وأبرزها مشروع جبل مرة، الذي أعيدت هيكلته وكانت قد أعدت دراسة شاملة للمشروع تم رفعها لمنظمة الأغذية والزراعة العالمية، وحصرت أصوله بلجنة عليا من وزارتي المالية والزراعة، واشترع للمشروع زراعة قمح مطري في مساحة 100 ألف فدان، وتم إعلان عطاء قبيل اندلاع الحرب لشراء مائة وحدة ري جديدة وفرت لها وزارة المالية والاقتصاد الوطني التمويل، وصدقت مالياً لشراء ألفي محراث بلدي للمزارعين، والتزم ديوان الزكاة بتمويل عشرة آلاف محراث أخرى، تعاقد فيها مع شركة جياد الوطنية لصناعة التراكتورات والآليات توزع على المزارعين في ولايات دارفور الثلاث، ولكن ذلك تجمد بسبب التدهور الأمني. وطالت آثار الحرب والتجميد والتعطيل المشاريع الزراعية، أبو حمرة وأم بياضة وأم عجاجة، وهي مشاريع بمساحات واسعة خططت لتوفير الغذاء وتشغيل العمالة. وبعد أن كانت عمليات لمكافحة آفة الفار وجراد البو وساري الليل قد بدأت في الرش إلا أنها توقفت للمخاطر الناجمة من اندلاع النزاع. والأهم من ذلك أن المواسم الزراعية توقفت تماماً ولعدة سنوات، ولكم أن تتخيلوا وتقدروا الفقد الحاصل، وبلغ الحال مبلغاً صار محل إشفاق جيمس مورس المدير التنفيذي لبرنامج الغذاء العالمي، واندرو ناتسيوس مدير برنامج المعونة الأميركية، اللذين زارا دارفور عدة مرات، وحذرا من فشل مواسم الزراعة ومخاطر تفشي المجاعة، وناتسيوس هو الآن مبعوث الإدارة الأميركية الخاص للسودان، الذي ذكر بعد أن تسلم ملف السودان أخيراً أنه معني بمعالجة الأوضاع في دارفور وجنوب السودان وشرقه. لقد توقف العمل في مشروعات المياه وبناء السدود وحفر الآبار، فمنذ مارس (اذار) 2004، حسب تقارير وزارة الري والموارد المائية، تعطل تشييد 6 سدود مياه وحفر 18 بئراً جوفية و120 حفيراً بولاية شمال دارفور، وأربعة سدود و20 بئراً و85 حفيراً بجنوب دارفور، وثلاثة سدود و20 بئراً جوفية و150 حفيراً بولاية غرب دارفور. وتأخر مد الخط الناقل للمياه من مدينة الفاشر عاصمة شمال دارفور إلى قولو، كما تعطل إرسال مواسير شبكات المياه الرئيسية لمعتمديات ولايات دارفور، وتجمد العمل في تأهيل سد أم دافوق جنوب دارفور. وقد توقف العمل تماماً في مشروعات توفير المياه بعد نهب الحركات المتمردة لعربات تابعة لهيئة توفير المياه، وخطف وقتل عدد من المهندسين والفنيين والعمال العاملين في حفر الآبار، وبعضهم صينيون كانوا يعملون في تلك المشروعات، وفقدان معدات وآليات حفر وتأهيل للآبار وبناء السدود. وقد عانت ولاية جنوب دارفور من مشكلة تلوث المياه السطحية التي كانت أربع شركات تعمل في معالجتها، بتكلفة مقدارها أربعون مليار جنيه سوداني توقف عملها بسبب الظروف الأمنية. ومما لا يعرفه الكثيرون عن خلفيات الأوضاع في دارفور أن محدودية مصادر المياه فيها وتعطلها أهدر ويهدر وقت المواطنين وطاقاتهم بحثاً عن مصادر المياه، وبسبب ذلك يخرج الرعاة بأنعامهم إلى الدول المجاورة، مثل أفريقيا الوسطى وتشاد، كما يتنقلون طلباً للكلأ والماء في رحلة مستمرة طول العام بين المصايف والمشاتي والمخارف في مسارات بين شمال دارفور وجنوبها تبلغ 1749 كيلومترا، ومعظم هذه المسارات الطولية وعددها 18 مساراً في أنحاء دارفور تنتظم اتجاه الشمال حتى المخارف والجنوب إلى المصايف، وعدد من تلك المسارات يتجه من الشرق إلى الغرب لقضاء فترة الصيف بأفريقيا الوسطى، إضافة إلى مسارات قطعان الأبقار التجارية من مناطق الجنينة في أقصى غرب دارفور ونيالا وبرام والضعين في جنوب دارفور، التي تتجه شرقا إلى أمدرمان والعاصمة المركزية الخرطوم. وتتطلب تلك التنقلات والحركة توفير آبار الشرب والرهود والحفائر ومصادر المياه والمراعي، ولكن عدم تأهيل البنيات وفقدان أو عدم توفرها يوقع مصادمات. وقد حال توقف تأهيل وتعطل استمرار تشييد السدود والآبار والحفائر بسبب الحرب دون توصيل الخدمات البيطرية لصيانة القطيع القومي من الثروة الحيوانية، التي يشتهر بها السودان، وتضاعف المفقود الاقتصادي، وزاد الطين بلة، إن جاز التعبير. وقد تم إعداد مشروع إسعافي لتوفير مياه الشرب لولايات دارفور الثلاث، بتمويل من البنك الإسلامي للتنمية بجدة بمبلغ 25 مليون دولار لتوفير مياه الشرب للإنسان والحيوان، إلا أن النزاع والتدهور الأمني الذي جرى في دارفور عطل ذلك. وبوجود أكثر من خمس الثروة الحيوانية بالسودان في دارفور، التي يرتبط إنسانها ارتباطا لصيقاً بالحيوان، وتمثل الثروة الحيوانية مكوناً أساسياً في مزاجه الثقافي ونشاطه الاقتصادي، تجد الحكومة مهمومة باستمرار لإعادة تأهيل ما دمرته الحرب وبعث النشاط في الجهات ذات الصلة بتوفير المياه، بالتنسيق مع وزارة الثروة الحيوانية اتحادياً وولائياً. وبلغ حال التدني في المجال الصحي أن بقي في كل ولاية غرب دارفور طبيب أخصائي واحد فقط، وهو الشيء الذي لم يكن يحدث من قبل، فقد ساء الحال إلى حد بعيد، جراء الهجمات التي قام بها المتمردون، لولا أن تداركته الحكومة باستنهاض واستنفار الكوادر الطبية وخريجي كليات الطب من ولايات السودان المختلفة للعمل بمحفزات عالية في المرافق الصحية بإقليم دارفور بولاياتها الثلاث. وقد أضرت الحرب بحال معظم المستشفيات والمراكز الصحية، وأحدثت معاناة بالغة للمواطنين في الحصول على العلاج والدواء، مع انتشار الأمراض مثل مرض الكوليرا، ويعاني الأطفال من نقص الأمصال. وللأسف فإن المستشفيات التي تدهورت أوضاعها لم تتكفل المنظمات الدولية بنفقات إعادتها لحالة ما قبل الحرب، ولكنهم يجعجعون ولا طحن. ووقع تأثير سالب، جراء الحرب، على عدة مشروعات صحية مولها الصندوق السعودي للتنمية، منها عدد من المراكز الصحية بولاية غرب دارفور في مناطق هبيلا وكلبس وبيضا ومورين وخور برقا، ومستشفى دار السلام بشمال دارفور ومراكز صحية كان التزم البنك الإسلامي للتنمية بجدة بتمويلها لخدمة مناطق نيرتتي بجبل مرة، وفي الجنينية وسربا وبرام والضعين. ويجدر بي أن أشير إلى أنه جرى اهتمام واضح من الحكومة المركزية بشأن التعليم في تلك الأنحاء، وفي الذهن الاهتمام الباكر بوجود واحدة من أول أربع مدراس ثانوية بالسودان، هي مدرسة الفاشر الثانوية، التي حولتها الحكومة القائمة إلى جامعة وفتحت عشرات المدارس الثانوية بأنحاء دارفور لاستيعاب الأعداد المتزايدة الراغبة في التعليم. وتم توفير الكتاب المدرسي وتدريب وتأهيل المعلمين وبناء مئات مدارس الأساس، وزودت المؤسسات التعليمية بالحاسب الآلي. وتعاونت وزارة التربية والتعليم الاتحادية في برنامج مع منظمة اليونيسيف في تعليم الرحل ورفع نسبة تعليم البنات، وأمامي رقم بالدينار السوداني كبير للغاية لم استطع تحويله وكتابته ولكنه يُعبِّر عن عظم الاهتمام، غير أن الهجمات المسلحة من المتمردين دهورت الأحوال ودمرت مؤسسات تعليمية عديدة وأفقدت التحصيل الدراسي والأكاديمي كثيراً، ويتبادر إلى ذهني الهجوم المسلح الذي استهدف قافلة تسليم امتحانات الشهادة للانتقال من المرحلة الثانوية إلى الجامعات، وكشف بعض أوراق الامتحانات التي كانت بطريقها إلى الفاشر، مما أدى إلى إعادة امتحان طلاب الثانويات بكل أنحاء السودان وكلف ذلك ما كلف، وأضر ذلك نفسياً ومادياً بالطلاب وذويهم وخزينة الدولة. وتدهور الأوضاع الأمنية في دارفور بمثلما حطم المشروعات الجديدة التي خطط لها وبدأ تنفيذها في إطار تطوير البنيات الأساسية، فقد عطل المساعي التي كانت جارية وحضرت دراساتها لإحياء مشروعات الغزالة جاوزت وهبيلة وساق النعام وغرب السافنا، التي كانت على عهد الرئيس السابق جعفر نميرى في سبعينات القرن الماضي. ولا يفوتني أن اذكر أن واحداً من أهم مشروعات التنمية في المنطقة، وهو طريق الإنقاذ الغربي، الذي خطط له لربط كافة أنحاء دارفور المترامية قد تعطل العمل فيه، إلا في قطاعات يسيرة، وكان الطموح أن تترابط قطاعاته، إلا أن قطاع الطرق بعد الحركة المتمردة، التي بدأت بجماعة من مناطق كبكابية ودوكر وجبل سي وزغاوة دارقلا، الذين اعتقلوا المدير التنفيذي لمنطقة الطينة بدايات التمرد، هددوا قطاعات الطريق ذاك ومن ساروا عليه بردمياته، بل قتلوا العاملين في مجال التنمية والخدمات. وما يدهشني أن القتل في دارفور طال مهندسي الطرق ومهندسي الري والمياه ومديري المشاريع الزراعية والمهندسين الزراعيين فيها، ولا أدرى أي ذنب جناه أولئك المهندسون؟ أيكون لأنهم نشطوا في مساعي التنمية والنهوض بالإقليم؟ ولعل المصيبة الكبرى هي تلك التي حلت بإنسان دارفور المتمثلة في ترك الآلاف لبيوتهم وقراهم التي دمرت، والنزوح إلى المعسكرات بحثاً عن الأمن، ولجوء
الآلاف إلى دول الجوار وتحديداً دولة تشاد، وعجز الآلاف من التلاميذ عن مواصلة الدراسة، والأثر الأخلاقي والسلوكي الذي نتج وينتج عن مثل هذه الأوضاع. لقد شكلت نتائج المؤتمر الدبلوماسي للمفوضين، الذي انعقد في روما ما بين الخامس عشر من يونيو (حزيران) وحتى السابع عشر من يوليو (تموز) 1998، حدثاً تاريخياً مهماً بحسابات السياسة والقانون الدوليين، حيث تم إقرار النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية المقرون بنظام روما، بعد اخذ ورد وجدل قانوني تعود جذوره إلى عام 1945 تاريخ ميلاد الأمم المتحدة نفسها، ولعل احتدام الجدل حول نظام روما الأساسي منذ بداية وجود الفكرة، كان مرده إلى تقاطع السياسة مع القانون في ما يتصل بسيادة الدول وشرعيتها وحقها الكامل في إنفاذ ولايتها القانونية على مواطنيها، باعتبار أن هذا هو الأصل الثابت على أن يكون المتغير البديل، هو أن تتولى المحكمة الجنائية الدولية بعض القضايا التي تقع ضمن دائرة اختصاصها، إذا انتفت مسألة التكاملية Complementarily بحيث يعجز النظام القضائي الوطني عن إنفاذ العدالة في تلك الجرائم، وحينها يصبح لزاماً على الدول التي تكون طرفاً في نظام روما الأساسي أن تذعن لمتطلبات إحقاق العدالة من جانب المحكمة الجنائية الدولية، نظراً لانطباق مبدأ المقبولية Admissibility في هذه الحالة. ولسنا هنا في موقع التناول القانوني، بل يأتي تناولنا للأمر هنا من باب السياسة الأوسع، الذي ولجت عبره أغراض أخرى غير العدالة إلى نظام روما وأهدافه، حيث أن مسألتي التكاملية والمقبولية قد تركتا مساحة رمادية للاجتهاد السياسي في بعض الدول، التي تريد توظيف المحكمة الجنائية الدولية لأغراض السياسة المحضة، وليس أدل على ذلك من أن القرار 1593 الذي أحال ملف دارفور إلى المحكمة الجنائية الدولية في مارس 2005 كان مهدداً بالفيتو الأميركي ومن ثم قتله في مهده، الأمر الذي جعل فرنسا صاحبة القرار ومعدة مسودته تنصاع قسراً للإدارة الأميركية وتقبل بإدخال الفقرة السادسة من ذلك القرار، التي تستثنى المواطنين الأميركيين من الخضوع لأحكامه إذا ما طالهم الأمر، ولنا عودة لهذا في معرض حديثنا عن ملابسات ذلك القرار. وعودة إلى مؤتمر روما حفيّ بالإشارة هنا أن الدول اعترضت على الاتفاقية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة إنما كانت تتخوف من أن صياغة بنود نظام روما قد جاءت في بعض المواقع فضفاضة وحمالة أوجه، وربما تمتد الصلاحيات بموجب بعض المواد لتشمل الدول غير الأطراف، ولذلك جاءت بيانات العديد من الدول في ذلك المؤتمر مؤكدة، أن الدول غير الأطراف لن تكون ملزمة بأي حال بشيء لم توافق عليه مطلقاً، ناهيك عن التوقيع والمصادقة فتلك مرحلة متقدمة، بل جاء في بيان الوفد الأميركي تحديداً واقتبس «أن مساس المحكمة الجنائية الدولية بأي مواطن أميركي غير وارد لأن هذا من شأنه أن يوهن عزم الولايات المتحدة من الوفاء بالتزاماتها نحو عمليات حفظ السلام في العالم، وأن المواطن الأميركي لا يمكن أن يكون هدفاً لملاحقة قضائية ربما تحركها دوافع سياسية أو دوافع لا تخلو من الغرض». انتهى الاقتباس. كما لا بد أن نشير في هذا السياق أيضا إلى أن دولاً عديدة كانت وما زالت ترى أن نظام روما الأساسي لم يأخذ بنظام خيار القبول المقترح Opt-in-Mechanism في ما يتعلق بجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، ولأننا لا نريد تناولاً قانونياً لهذه الملابسات، نوجز القول في جملة بسيطة، هي «إن ميزان العدالة يستقيم للجميع ولا يعرف الاستثناء أما الانتقائية والاستثناء فهي أدوات السياسة المحضة لا العدالة». منذ اعتماد نظام روما الأساسي برز التنافس الواضح بين تيارين متعارضين، الأول تمثله الدول الأوروبية التي تبذل قصارى جهدها لأن تكون المحكمة الجنائية الدولية في قلب أجهزة الأمم المتحدة وتبدأ التحرك عملياً بأن تحال إليها القضايا من مجلس الأمن، لأن تفعيل المحكمة وتحقيق عالمية نظام روما إنما يتحققان إذا ما نهضت المحكمة بدور عملي وشرعت في معالجة قضايا في إطار ولايتها المقررة، وتيار آخر تمثله الولايات المتحدة وهذا يستند إلى التحفظات والمحاذير التي أوردتها أعلاه. لقد شكلت أزمة دارفور فرصة طيبة لتحقيق الهدف، نظراً لأن التيار الأميركي المعارض نفسه يجد نفسه أقرب إلى التيار الأوروبي إذا ما ضمن استثناءه بصورة واضحة في أي قرار إحالة يصدر عن مجلس الأمن. وقد شكل وجود المانيا عضواً غير دائم بمجلس الأمن (2004 – 2005) سنداً قوياً لفرنسا وبريطانيا، حيث تصدت المانيا لمسألة دارفور وتبنت في تصديها هذا كل ما يرد في تقارير المنظمات غير الحكومية من معلومات مغلوطة حول حقيقة النزاع وجذوره، ومضى الأمر إلى أن طرحت المانيا في مجلس الأمن مقترح إرسال لجنة تحقيق دولية تضم ممثلين للدول الأعضاء في مجلس الأمن إلى دارفور لكي ترفع هذه اللجنة تقريراً إلى مجلس الأمن بعد زيارات ميدانية لدارفور وإجراء التحريات اللازمة حول وقوع جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وانتهاكات لحقوق الإنسانية. وتبلورت الفكرة الألمانية في مشروع قرار تبنته الدول الأوروبية وانضمت لتبنيه لاحقا الولايات المتحدة يدعو لإرسال لجنة التحقيق الدولية إلى دارفور، وبالفعل تم اعتماد القرار 1564 الذي تم بموجبه إيفاد لجنة التحقيق الدولية إلى دارفور، تلك اللجنة التي لم تمض في السودان سوى ثلاثة أسابيع قضت جلها في الخرطوم، وعادت لتقدم لمجلس الأمن فور وصولها تقريرا يناهز المائتى صفحة حيث أشارت في ذلك التقرير، إلا أنها لم تحصل على ما يشير إلى أن هناك إبادة جماعية ولكنها تحدثت عن انتهاكات لحقوق الإنسان وجرائم واسعة النطاق! وما هي الحرب إن لم تكن قتلا وانتهاكات لحقوق الإنسان؟ فأينما وجدت الحرب وجدت بلا شك انتهاكات حقوق الإنسانية والجرائم الواسعة النطاق، ومضت اللجنة لأبعد من ذلك بأن أرفقت مع التقرير قائمة بأسماء واحد وخمسين منفذا أو فرداً ترى أنهم ذو صلة بهذه الجرائم. غير أن تقرير لجنة التحري الدولية صادف أيادي تنتظره على أحر من الجمر، وليكن السودان كبش الفداء، الذي يدشن فيه عمل المحكمة بصورة موسعة، بحيث تأتى الإحالة من مجلس الأمن باعتباره الجهاز الأعلى القائم على صون الأمن والسلم الدوليين، وهنا قمة هرم التسييس، إذ أن مجلس الأمن ليس جهازا عدلياً، كما أن لجنة التحري التي زارت دارفور وقدمت ذلك التقرير لم تكن تعمل بموجب معايير متفق عليها حتى بين أعضائها الخمسة عشر. وعلى الفور بدأ الأوروبيون في مجلس الأمن يخططون لإصدار قرار من المجلس، وتقدمت فرنسا بمسودة القرار القاضي بذلك غير أنها وفي ضوء وجود بعثة حفظ السلام في السودان وجدت نفسها في مواجهة الرفض الأميركي لقرار الإحالة، بل اقترحت الولايات المتحدة وقتها إنشاء محكمة مختلطة على غرار محكمة أروشا في تنزانيا. ولما صمم الأوروبيون على المضي قدما بقرارهم تغيرت لغة الولايات المتحدة للغة أكثر حدة ضد القرار الفرنسي، بعد أن تحركت دوائر صنع القرار (البنتاغون مجلس الأمن القومي الخارجية) وتواترت الرسائل على البعثة الأميركية بنيويورك بأن القرار بشكله الحالي لن يجد قبولاً، وقد كانت الدول التي أيدت القرار قد بلغت إحدى عشرة دولة وهو عدد كاف لتمرير القرار إذا ما أمن شر الفيتو الأميركي، ولكن لا مأمن من الفيتو الأميركي إلا بإدخال فقرة على القرار يستثنى المواطنين الأميركيين من أي احتمالات ملاحقة من قبل المحكمة الجنائية الدولية قد تطالهم بموجبه، وبالفعل أدخلت على القرار الفقرة السادسة التي كفلت للمواطنين الأميركيين هذا الاستثناء. وجدير بالإشارة هنا أن دولة مثل البرازيل أعلنت انضمامها لمسودة مشروع القرار من البداية، وعندما أدخلت الفقرة السادسة على القرار سحبت تأييدها للقرار بل عند التصويت على القرار امتنعت البرازيل عن التصويت لصالحه وقدمت بياناً أكدت فيه أنها رفضت التصويت لصالح القرار الذي كانت تؤيده حتى قبل ساعات وذلك احتجاجاً على هذا الاستثناء الذي يجعل القرار معيباً. أما فرنسا صاحبة القرار فقد اكتفت بسحب اسمها من قائمة مقدمي القرار احتجاجا على هذا الاستثناء، ولكنها صوتت لصالحه. وهكذا فقد كان ميلاد القرار 1593 الذي أحال ملف دارفور إلى المحكمة الجنائية الدولية، فالقرار ليس سوى وليد مشوه وغير شرعي لجهة الانتماء القانوني، كون أنه ولد في منصة الحيف والمكيال السياسي الذي يستثنى القوي من العدالة ويزج بالدول الصغرى قرباناً لتفعيل المؤسسات الدولية التي ما تزال في مرحلة البحث عن دور يُقنن وضعيتها ووجودها كجهاز دولي.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.