دورات تعريفية بالمنصات الرقمية في مجال الصحة بكسلا    د. الشفيع خضر سعيد يكتب: الدور العربي في وقف حرب السودان    السودان.."الشبكة المتخصّصة" في قبضة السلطات    مقتل 68 مهاجرا أفريقيا وفقدان العشرات إثر غرق قارب    ريال مدريد لفينيسيوس: سنتخلى عنك مثل راموس.. والبرازيلي يرضخ    نقل طلاب الشهادة السودانية إلى ولاية الجزيرة يثير استنكار الأهالي    السودان..إحباط محاولة خطيرة والقبض على 3 متهمين    توّترات في إثيوبيا..ماذا يحدث؟    اللواء الركن (م(أسامة محمد أحمد عبد السلام يكتب: موته وحياته سواء فلا تنشغلوا (بالتوافه)    مسؤول سوداني يردّ على"شائعة" بشأن اتّفاقية سعودية    دبابيس ودالشريف    منتخبنا المدرسي في مواجهة نظيره اليوغندي من أجل البرونزية    بعثة منتخبنا تشيد بالأشقاء الجزائرين    هل محمد خير جدل التعين واحقاد الطامعين!!    دقلو أبو بريص    أكثر من 80 "مرتزقا" كولومبيا قاتلوا مع مليشيا الدعم السريع خلال هجومها على الفاشر    شاهد بالفيديو.. بلة جابر: (ضحيتي بنفسي في ود مدني وتعرضت للإنذار من أجل المحترف الضجة وارغو والرئيس جمال الوالي)    اتحاد جدة يحسم قضية التعاقد مع فينيسيوس    حملة في السودان على تجار العملة    إعلان خارطة الموسم الرياضي في السودان    غنوا للصحافة… وانصتوا لندائها    توضيح من نادي المريخ    حرام شرعًا.. حملة ضد جبّادات الكهرباء في كسلا    تحديث جديد من أبل لهواتف iPhone يتضمن 29 إصلاحاً أمنياً    شاهد بالفيديو.. بأزياء مثيرة وعلى أنغام "ولا يا ولا".. الفنانة عشة الجبل تظهر حافية القدمين في "كليب" جديد من شاطئ البحر وساخرون: (جواهر برو ماكس)    امرأة على رأس قيادة بنك الخرطوم..!!    وحدة الانقاذ البري بالدفاع المدني تنجح في إنتشال طفل حديث الولادة من داخل مرحاض في بالإسكان الثورة 75 بولاية الخرطوم    المصرف المركزي في الإمارات يلغي ترخيص "النهدي للصرافة"    الخرطوم تحت رحمة السلاح.. فوضى أمنية تهدد حياة المدنيين    أول أزمة بين ريال مدريد ورابطة الدوري الإسباني    "الحبيبة الافتراضية".. دراسة تكشف مخاطر اعتماد المراهقين على الذكاء الاصطناعي    أنقذ المئات.. تفاصيل "الوفاة البطولية" لضحية حفل محمد رمضان    بزشكيان يحذِّر من أزمة مياه وشيكة في إيران    لجنة أمن ولاية الخرطوم تقرر حصر وتصنيف المضبوطات تمهيداً لإعادتها لأصحابها    انتظام النوم أهم من عدد ساعاته.. دراسة تكشف المخاطر    خبر صادم في أمدرمان    اقتسام السلطة واحتساب الشعب    شاهد بالصورة والفيديو.. ماذا قالت السلطانة هدى عربي عن "الدولة"؟    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنان والممثل أحمد الجقر "يعوس" القراصة ويجهز "الملوحة" ببورتسودان وساخرون: (موهبة جديدة تضاف لقائمة مواهبك الغير موجودة)    شاهد بالفيديو.. منها صور زواجه وأخرى مع رئيس أركان الجيش.. العثور على إلبوم صور تذكارية لقائد الدعم السريع "حميدتي" داخل منزله بالخرطوم    إلى بُرمة المهدية ودقلو التيجانية وابراهيم الختمية    رحيل "رجل الظلّ" في الدراما المصرية... لطفي لبيب يودّع مسرح الحياة    زيادة راس المال الاسمي لبنك امدرمان الوطني الي 50 مليار جنيه سوداني    وفاة 18 مهاجرًا وفقدان 50 بعد غرق قارب شرق ليبيا    احتجاجات لمرضى الكٌلى ببورتسودان    السيسي لترامب: ضع كل جهدك لإنهاء حرب غزة    تقرير يسلّط الضوء على تفاصيل جديدة بشأن حظر واتساب في السودان    استعانت بصورة حسناء مغربية وأدعت أنها قبطية أمدرمانية.. "منيرة مجدي" قصة فتاة سودانية خدعت نشطاء بارزين وعدد كبير من الشباب ووجدت دعم غير مسبوق ونالت شهرة واسعة    مقتل شاب ب 4 رصاصات على يد فرد من الجيش بالدويم    دقة ضوابط استخراج أو تجديد رخصة القيادة مفخرة لكل سوداني    أفريقيا ومحلها في خارطة الأمن السيبراني العالمي    الشمالية ونهر النيل أوضاع إنسانية مقلقة.. جرائم وقطوعات كهرباء وطرد نازحين    السودان.. مجمّع الفقه الإسلامي ينعي"العلامة"    ترامب: "كوكاكولا" وافقت .. منذ اليوم سيصنعون مشروبهم حسب "وصفتي" !    بتوجيه من وزير الدفاع.. فريق طبي سعودي يجري عملية دقيقة لطفلة سودانية    نمط حياة يقلل من خطر الوفاة المبكرة بنسبة 40%    عَودة شريف    لماذا نستغفر 3 مرات بعد التسليم من الصلاة .. احرص عليه باستمرار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كيف ترى الخرطوم أزمة دارفور؟ دارفور والمحكمة الجنائية الدولية: القرار 1593.. قوة القانون أم قانون القوة؟ (7)

الخرطوم(smc) تعتبر قضية دارفور واحدة من القضايا التى صادفت اهتماما غير مسبوق على خلفية تضخيم الوسائل الإعلامية لتفاعلاتها وآثارها حتى صارت الموضوع الأول في قائمة الأخبار والتحليلات التى غالباً ما تغفل عن ذكر الحقائق ولا تلامس الواقع على الأرض. صحيفة الشرق الأوسط نشرت مجموعة من المقالات المتصلة عن أزمة دارفور وهي عبارة إفادات قدمها وزير الخارجية السوداني السابق وأحد مستشاري الرئيس عمر البشير حالياً, وتأتي أهمية الإفادات المقدمة حول الموضوع بحكم التصاق الرجل وقربه من الأحداث والتداعيات السياسية لهذا الملف وغيره من الملفات الأخرى ذات العلاقة, وفيما يلي نورد هذه الإفادات: خلافات شهرين داخل مجلس الامن حول موضوع المحاسبات.. والمحكمة أداة لممارسة سياسة الاستعلاء القرار 1593 لسنة 2005، الذي اتخذه مجلس الأمن في جلسته رقم 5158 المعقودة في 31 مارس (اذار) 2005 والخاص بإحالة الوضع القائم في دارفور منذ الأول من يوليو (تموز) 2002 الى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية استند الى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة باعتبار أن الحالة في دارفور تشكل تهديداً للسلام والأمن الدوليين. هذا القرار العجيب ينص في المادة السادسة منه على الآتي: «يقرر إخضاع مواطني أي دولة من الدول المساهمة من خارج السودان لا تكون طرفاً في نظام روما الأساسي أو مسؤوليها أو أفرادها الحاليين أو السابقين للولاية الحصرية لتلك الدولة المساهمة عن كل ما يدعى ارتكابه أو الأمتناع عن ارتكابه من أعمال نتيجة للعمليات التي أنشأها أو أذن بها المجلس أو الاتحاد الأفريقي أو فيما يتصل بهذه العمليات، ما لم تتنازل تلك الدولة المساهمة عن هذه الولاية الحصرية تنازلاً واضحاً».. إنتهى نص المادة 6 من القرار 1593. هذه المادة أثارت جدلاً كاد أن يعصف بوحدة المجلس باعتبارها تسييسا واضحا وتدخلا في شؤون المحكمة وانتقاصا واضحا لمعايير العدالة. عكست مداخلات الدول بعد إجازة القرار حتى تلك التي صوتت مع القرار هذا القلق والاحباط وخيبة الأمل لما احتواه القرار من استثناءات تمس مباشرة بتحقيق العدالة. ولنبدأ أولاً بمداخلة مندوب الولايات المتحدة حيث أنها الدولة المعنية بالاستثناءات وتبريره لهذه الاستثناءات حيث ورد في مداخلته ما يلي «ما زالت الولايات المتحدة الأميركية تعترض أساساً على الرأي القائل بأن المحكمة الجنائية الدولية ينبغي أن تتمكن من ممارسة اختصاصها القضائي على رعايا الدول غير الأطراف في نظام روما الأساسي، بمن فيهم المسؤولون الحكوميون. فهذا يمس طابع السيادة في جوهره، وبسبب ما يساورنا من شواغل في هذا الصدد فإننا لا نوافق على قيام مجلس الأمن بإحالة الوضع في دارفور الى المحكمة الجنائية الدولية، وقد امتنعنا عن التصويت على قرار اليوم، وقررنا عدم الاعتراض على القرار بسبب حاجة المجتمع الدولي الى التضافر بغية إنهاء الافلات من العقاب السائد في السودان، ولأن القرار يوفر الحماية من التحقيق أو الملاحقة القضائية لرعايا الولايات المتحدة وأفراد القوات المسلحة التابعين للدول غير الاطراف» ثم يمضى الى القول «بالرغم من أننا امتنعنا عن التصويت على إحالة مجلس الأمن للوضع في دارفور إلى المحكمة الجنائية الدولية إلا أننا لم نتخل عن اعتراضاتنا وشواغلنا الراسخة والطويلة الأمد بشأن المحكمة الجنائية الدولية، وما زلنا نصر عليها. ونعتقد ان نظام روما الأساسي نظام معيب ولا يوفر أشكال الحماية الكافية من إمكانية إجراء محاكمات ذات طابع سياسي. ونؤكد من جديد اعتراضنا الاساسي على تأكيدات نظام روما الاساسي بأن للمحكمة الجنائية الدولية اختصاصا قضائيا على المواطنين التابعين للدول التي لم تصبح اطرافا في نظام روما الاساسي، بمن فيهم المسؤولون الحكوميون. ولا يقع على الدول غير الاطراف أي التزام فيما يتعلق بتلك المعاهدة ما لم يقرر مجلس الامن خلاف ذلك وهو الجهاز الذي اناط به اعضاء هذه المنظمة المسؤولية الاساسية عن صون السلم والامن الدوليين». ورفضت الولايات المتحدة أن تتحمل أي نفقات تترتب على تلك الاحالة وهددت أي منظمة تساهم فيها الولايات المتحدة بايقاف التمويل إن هي شاركت في تمويل إجراءات المحكمة. فالولايات المتحدة تعترف بوضوح بإمكانية إجراء محاكمات ذات طابع سياسي بواسطة محكمة الجنايات الدولية وهذا هو أحد الاسباب الذي تستند إليه الحكومة السودانية، وهي أن السودان ليس عضوا مصادقا على إتفاقية انشاء محكمة الجنايات الدولية «حلال على بلابله الدوح، حرام على الطير من كل جنس» تم يمضي مندوب الولايات المتحدة في مداخلته فيقول «إن القرار إذ يعترف بأن الدول غير الاطراف لا تقع عليها التزامات وفقاً نظام روما الأساسي، يقر ويقبل بأن قدرة بعض الدول على التعاون مع تحقيق المحكمة الجنائية الدولية ستكون مقيدة فيما يتعلق بالقانون المحلي المطبق. وبالنسبة للولايات المتحدة، فإننا مقيدون بقانون الولايات المتحدة الذي يعكس قلقاً عميقاً إزاء المحكمة». ويختتم المندوب الأميركي مداخلته بقوله «هذا القرار يوفر حماية واضحة لأشخاص من الولايات المتحدة ولن يخضع للتحقيق أو المقاضاة أي شخص من الولايات المتحدة يقدم الدعم للعمليات الجارية في السودان بسبب هذا القرار. ولكن هذا يعني إعطاء حصانة للمواطنين الأميركيين الذين ينتهكون القانون، وسوف نستمر في اتخاذ إجراءات تأديبية لرعايانا عندما يكون ذلك مناسباً». هذه مقتطفات من مداخلة المندوبة الأميركية (السيدة باترسون) وهي تشير بوضوح بأن إجراءات المحكمة لا تنطبق على رعايا الولايات المتحدة لأنها ليست عضواً فيها. وأنها ليست عضواً لأنها ترى أن نظام المحكمة نظام معيب ولا يوفر أشكال الحماية الكافية من إمكانية إجراء محاكمات ذات طابع سياسي وأنها لكل ذلك لم تصوت مع القرار بل امتنعت عن التصويت وأنها لم تستخدم حق الاعتراض لأنها تحصلت وفق منطوق القرار على استثناءات تستثني مواطنيها من الملاحقة القضائية خارج نطاق قضائها المحلي. نواصل بعدئذٍ في مداخلات الدول الاعضاء حول هذا القرار. بعد بيان مندوبة الولايات المتحدة بمجلس الأمن عقب إجازة القرار 1593 الخاص بإحالة الوضع في دارفور، أتيحت الفرصة لأعضاء المجلس الذين يودون الإدلاء ببيانات بعد التصويت. وقد جاء في مداخلة مندوب الجزائر السيد باعلي ما يلي «تعتقد الجزائر بأن الاتحاد الأفريقي هو المحفل الأنسب للاضطلاع بهذه المهمة الحساسة والدقيقة ونحن على اقتناع بأن الاتحاد الأفريقي قادر على تلبية احتياجات السلام بدون التفريط بمتطلبات العدالة التي ندين بها جميعاً للضحايا. وصحيح أنه لن يكون هنالك سلام بدون عدالة ولكن من الصحيح أيضا أنه لن تكون هنالك عدالة بدون سلام. لقد قدم الرئيس أوباسانجو، باسم الاتحاد الأفريقي، اقتراحاً يقوم على أساس التوفيق بين هذين المطلبين الأساسيين والإدراك أنه لا بد من توخي الحذر الشديد لدى اتخاذ الإجراءات. إننا نعرب عن الأسف لأن أعضاء المجلس أعرضوا عن إجراء دراسة عميقة للمقترح أو تقييمه في ضوء الإمكانيات التي يتيحها من أجل بلوغ الهدف المشترك المتمثل في مكافحة الإفلات من العقاب خدمة للسلام والمصالحة الوطنية.. كما أننا نؤكد أنه لا يمكن للمرء الادعاء بدعم الاتحاد الأفريقي وترك المهمة له بأن يقترح الحلول الأفريقية لمختلف الأزمات التي تعرضت لها القارة ثم يأتي بعد ذلك ليطرح جانباً مقترحاته المقدمة إلى مجلس الأمن بدون التكرم حتى بالنظر فيها. وفي هذا السياق أود التذكير بأنه عندما تفجرت الحالة في دارفور كان الاتحاد الأفريقي هو الوحيد الذي تجرأ على إرسال الجنود من أجل المحافظة على وقف إطلاق النار وحماية السكان المدنيين، وقد فعل ذلك حيال أزمة معقدة، وكان الوحيد الذي تمكن من إقناع الأطراف بأن تدخل في مفاوضات من أجل إيجاد حل سلمي للأزمة. إن ما ينطبق على الحالة في السودان يسري أيضا على كل الصراعات في أفريقيا، التي تمكن رؤساء الدول الأفريقية من خلال عمليات الوساطة الدائبة من إيجاد الحلول لها. كما أن النهج الأفريقي القائم على أساس العدالة والمصالحة هو الذي مكَّن الفئات الاجتماعية التي تقاتلت بشراسة من أن تبذل جهوداً بعد إحقاق العدالة من أجل أن تتعلم العيش معاً من جديد. بيد أن القرار الذي اتخذ من فوره قد اتخذ نهجاً مخالفاً. وإزاء ذلك لم يترك لوفد بلدي إلا خيار الامتناع عن التصويت. وأود أن اختتم بياني بالأعراب عن الأسف، ذلك الأسف النابع من القلق إزاء التوصل إلى حلول توافقية بكل ثمن من جانب الذين يدافعون عن مبدأ العدالة العالمية، والذين ضمنوا في الواقع أن يتم الكيل بمعيارين في هذا المجال، وهو الأمر الذي أُعيب به المجلس من قبل البعض. وقد تجلى على نحو غير متوقع وجود مسارين للعدالة» انتهى الاقتباس من بيان المندوب الجزائري. مندوب الصين السيد وانغ غوانغيا أوضح أن وفد الصين امتنع عن التصويت على القرار وأن موقف الصين هو دعم الجهود المبذولة من أجل تسوية سياسية لمسألة دارفور من خلال المفاوضات التي تجري برعاية الاتحاد الأفريقي، وفي نفس الوقت وأسوة ببقية أعضاء المجتمع الدولي، نشجب بشدة الانتهاكات الخطيرة للقانون الإنساني الدولي وحقوق الإنسان في دارفور. وما من شك في أن مرتكبي هذه الانتهاكات يجب أن تتم إحالتهم إلى العدالة. والسؤال المطروح الآن: ما هو النهج الأكثر فعالية وعملية في هذا المجال ؟ ونعتقد أنه لدى التصدي لمسألة الإفلات من العقاب، وعندما نسعى لضمان إحقاق العدالة، من الضروري أيضا بذل كل جهد ممكن لتجنب الآثار السلبية التي قد تترتب على المفاوضات في دارفور. ومن الضروري لدى معاقبة مرتكبي الانتهاكات الحرص على تعزيز المصالحة الوطنية. كما أنه من الضروري أثناء السعي إلى تسوية مسألة دارفور المحافظة على النتائج التي تم إحرازها بعد جهود شاقة في عملية السلام بين الشمال والجنوب. وفي ظل هذا الموقف واحتراماً لسيادة القضاء الوطني، نفضل أن نرى مرتكبي الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان يمثلون للمحاكمة أمام النظام القضائي السوداني. ولاحظنا أن القضاء السوداني اتخذ مؤخراً إجراءات قانونية ضد أفراد ضالعين في تلك الانتهاكات. ولضمان عدالة المحاكمات وشفافيتها ومصداقيتها يمكن للمجتمع الدولي أن يقدم المساعدة التقنية الملائمة وأن يوفر الرصيد اللازم. وبالطبع يمكن أيضاً للفريق الأفريقي المعني بالعدالة الجنائية والمصالحة الذي اقترحته نيجيريا باسم الاتحاد الأفريقي، أن يكون مخرجاً في هذا الشأن. نحن لا نؤيد إحالة مسألة دارفور إلى المحكمة الجنائية الدولية بدون موافقة الحكومة السودانية، لأننا نخشى أن ذلك لن يعقد الجهود المبذولة لضمان تسوية مبكرة لمسألة دارفور تعقيداً شديداً فحسب بل ستكون له أيضا عواقب لا يمكن التنبؤ بها على عملية السلام بين الشمال والجنوب في السودان. وينبغي الإشارة إلى أن الصين ليست دولة طرفا في نظام روما الأساسي، وأن لديها تحفظات كبيرة فيما يتعلق بأحكام معينة من أحكامه. ولا يمكننا أن نقبل أية ممارسة لولاية هذه المحكمة ضد إرادة أطراف من غير الدول الموقعة، وسنجد صعوبة في الموافقة على أي تفويض من مجلس الأمن للمحكمة الجنائية الدولية بمثل هذه الممارسة لولايتها. لتلك الأسباب لم يكن لدى الصين بديل سوى الامتناع عن التصويت على مشروع القرار المقدم من المملكة المتحدة. انتهى بيان المندوب الصيني، ومن الواضح فيه أنه يرى المعالجة في مقترح الاتحاد الأفريقي، وأن تتم المحاكمات أمام النظام القضائي السوداني وعدم قبول أي تفويض من مجلس الأمن للمحكمة الجنائية الدولية لممارسة ولايتها. أما مندوب الفلبين السيد باجا فقد سرد في مداخلته قصة طريفة تعبر بحق عن نظرة غالبية أعضاء مجلس الأمن لهذا القرار الذي سماه ب«المولود ذكر» في القصة التي رواها، وهي أن زوجين في منتصف عمرهما ولهما ابنتان مراهقتان شديدتا الجمال. ولكنهما قررا أن يحاولا للمرة الأخيرة إنجاب الابن الذي أراداه دائماً. وبعد أشهر من المحاولات، حملت الزوجة وأنجبت طفلاً بعد تسعة أشهر أسرع الأب المبتهج إلى مستشفى الولادة ليرى ابنه الجديد. وألقى نظرة عليه ولكنه أُصيب بالرعب عندما وجده أقبح طفل رأته عيناه على الإطلاق. فذهب إلى زوجته وقال لها لا يمكن أن يكون هذا طفله. وصاح قائلاً «أنظري لهاتين الابنتين
الجميلتين اللتين أنجبتهما» ثم نظر إليها نظرة قاسية وسألها «هل كنت تخدعينني؟» فابتسمت الزوجة بلطف وقالت «ليس هذه المرة».. ومضى يقول «إن الفقرة 6 من منطوق القرار تقوض مصداقية المحكمة ربما تقوضها بهدوء ولكنه مع ذلك تقوضها. الفقرة 6 صنفت بشكل ملتو استقلال المحكمة على أنه يخضع لأهواء مجلس الأمن السياسية والدبلوماسية. وأخيراً اكتفي بمقتطفات من بياني مندوبي بنين ورئيس المجلس البرازيلي لنكون بذلك قد غطينا أفريقيا وآسيا وأميركا الجنوبية والدول العربية، إضافة إلى مواقف دولتين من الدول الدائمة العضوية احداهما تعتبر معادية والأخرى صديقة للسودان. ذكر مندوب بنين السيد أرشى في بيانه «يؤسفنا حقيقة أن النص الذي اعتمدناه يتضمن حكم الحصانة من الولاية القضائية مما يتعارض مع نظام روما الأساسي. أما مندوب البرازيل السيد ساردنبرغ فقد أوضح أن البرازيل لم تتمكن من الانضمام إلى الدول التي صوتت تأييداً للقرار لأنها ترى أن حفظ السلم الدولي ومكافحة الإفلات من العقاب لا يمكن النظر إليهما بوصفهما غايتين متناقضتين. وأن البرازيل ترى في الحصانات الممنوحة تدخلاً من جانب المجلس في الأساس الدستوري لهيئة قضائية مستقلة، ويمثل أيضاً موقفا لا يتفق مع المبادئ المتعلقة بهذه المسألة. نكتفي بهذا لننتقل لمعرفة موقف السودان من القرار. كان مندوب السودان لدى المنظمة الدولية، السفير الفاتح محمد أحمد عروة، قد أرسل رسالة إلى رئيس مجلس الأمن الدولي يطلب فيها دعوته إلى الاشتراك في الجلسة التي خصصت للنظر في مسودة القرار 1593، ووفقاً للممارسة المتبعة وافق المجلس على ذلك بدون أن يكون له حق التصويت وفقاً للأحكام ذات الصلة من الميثاق والمادة 37 من النظام الداخلي المؤقت للمجلس. وبعد التصويت على القرار وفي نهاية البيانات التي ألقيت من قبل أعضاء المجلس أعطيت للسفير الفاتح عروة الذي جاء في بيانه أمام المجلس «مرة أخرى يتمادى مجلس الأمن في اتخاذ المزيد من القرارات غير الحكيمة في حق بلادي، والتي تكافئها على وضعها حداً لأطول نزاعات أفريقيا بالمزيد من العقوبات والإجراءات التي تزيد الوضع تعقيداً على الأرض.. إن العالم بأسره يدرك جيداً أن الخلافات التي استمرت زهاء الشهرين حول موضوع المحاسبة لا علاقة لها ابدا بتحقيق الاستقرار في دارفور. وهناك قرارات ظلت مجمدة لسنين، فالخلاف حول المحكمة الجنائية الدولية قديم ومعروف.. وجاءت مسألة دارفور ليتم توظيفها لإقرار المبدأ المختلف عليه منذ سنين فقط وليس لمجرد العدالة. ولعل من مفارقات القدر أن تكون اللغة التي تمت المساومة بها في هذا القرار هي نفس اللغة التي عصفت بالمجلس من قبل، في قضية أفريقية أخرى، والجميع يعلم ذلك تماما. فالعدالة هنا كلمة حق أريد بها باطل.. كما أن القرار الذي تم اعتماده الآن جاء حافلاً بالاستثناءات باعتبار أن الدولة المعنية بتلك الاستثناءات ليست عضوا في المحكمة الجنائية الدولية. وبنفس المنطق نذكر المجلس بأن السودان أيضاً ليس عضوا في المحكمة الجنائية الدولية، الأمر الذي يجعل تنفيذ قرار بهذه الكيفية محفوفا بجملة من العقبات الإجرائية والتحفظات المشروعة، ما دام المجلس يؤمن بأن ميزان العدل والقانون يقوم على الاستثناءات واستغلال أزمات الدول النامية وابتلاءاتها من نزاعات وحروب أهلية في معادلات تسوية المواقف السياسية والمساومة بين الدول الكبرى. وتبقى المسألة الأساسية التي أقرها المجلس اليوم ليست مسألة المحاسبة في إقليم دارفور، ولكن، لتبيان الحقيقة، أن هذه المحكمة الجنائية مخصصة أصلاً للدول النامية والضعيفة، وأنها أداة لممارسة ثقافة الاستعلاء وفرض الاستعلاء الثقافي. إنها أداة لمن يعتقدون أنهم يحتكرون الفضائل في هذا العالم المليء بالظلم والطغيان. إن مجلس الأمن، باعتماده هذا القرار، يكون قد ضرب بالموقف الأفريقي عرض الحائط مرة أخرى. فالمبادرة التي تقدمت بها نيجيريا من موقعها كرئيس للاتحاد الأفريقي لم تحظ حتى بمجرد النظر إليها، ناهيك عن منحها الاهتمام وعقد مشاورات ولو قصيرة لتقييمها، في الوقت الذي يوجد فيه الاتحاد الأفريقي على الأرض في دارفور ويؤدي دوراً أكد فعاليته وجدواه مبعوث هذه المنظمة في كل تقاريره.. كما أن اعتماد القرار هذا تم في وقت قطعت فيه المحاكمات شوطا بعيدا من قبل القضاء السوداني. والقضاء السوداني قادر ومؤهل ومصمم على إكمال المحاسبات وإنفاذ الأحكام بدون استثناء، ونشكر الدول التي استعمرتنا من قبل وعلمتنا القوانين! ولكن البعض هنا أراد تفعيل المحكمة الجنائية الدولية واستغلال موضوع دارفور مجرد ذريعة رغم علمهم بأن مثل هذا الاستغلال لقضايا الشعوب والمتاجرة بالأزمات والنزاعات لمجرد الكسب السياسي والمساومة السياسية هو فعل أبعد ما يكون عن العدالة والإنسانية، ناهيك عن صون الشرعية الدولية والأمن والسلم الدوليين إلى غير ذلك من الشعارات والمسميات. تعلمون أن موضوع المحاسبات مضمار طويل ومعقد لا يكتمل بين ليلة وضحاها. وفي الوقت الذي يلهث فيه مجلس الأمن لمحاسبة بلادي وحثها على إنفاذ المحاكمات وتحقيق الأمن والاستقرار بين ليلة وضحاها في إقليم تقارب مساحته مساحة العراق، نجد هذا المجلس يستمر في ممارسة سياسة المعايير المزدوجة، بل ويتمادى مجلس الأمن في أن يؤكد أن الاستثناءات هي فقط للدول الكبرى، وأن هذه المحكمة هي فقط عصا مخصصة للدول الضعيفة، وهي أيضا امتداد لهذا المجلس الذي ظل دوما يستصدر القرارات والعقوبات ضد الدول الضعيفة فقط، في الوقت الذي تضرب فيه الدول الكبرى، أو تلك التي تتمتع بحمايتها، عرض الحائط بقرارات هذا المجلس، بل وتستخف بها وتعتبرها حبراً على ورق.. إننا نسمع كثيرا هنا تعابير مثل «مصداقية المجلس» و«الثقة بالمجلس» تصدر عن أعضاء في هذا المجلس في هذه القاعة. فهل بقيت هنالك ثقة ومصداقية؟ وأقول للذين يتحدثون عن هذا القرار بأنه يرسل رسالة للجميع وأنه، بعد هذا القرار، لن يفلت شخص من العقاب أقول لهم ان يضيفوا عبارة «إلا إذا كان من فئة معينة من الدول» إلى تلك العبارة، حتى تخلو من النفاق.. إن التاريخ حافل بالإمبراطوريات السابقة التي مارست الهيمنة والاستعمار. ولقد كانت ولادة هذه المنظمة على أنقاض إمبراطورية الرايخ الثالث. ونحن قد نشهد عصرا جديدا من الهيمنة تظهر بثوب جديد ربما ينقلب فيها التاريخ ليفرز منظمة دولية جديدة على أنقاض إمبراطورية جديدة.. ختاماً، لعلي، كما أشرت في بياني السابق، أجدد التأكيد بأن مثل هذه القرارات غير الحكيمة تحمل بين جوانبها كل الحيثيات التي تصعب عمليا من تنفيذها. كما أن من شأنها إضعاف فرص التسوية وتعقيد الأمور المعقدة أصلا».. (إنتهى بيان مندوب السودان). لقد جاء القرار 1593 في وقت تتهيأ فيه البلاد لقطف ثمار اتفاقية السلام الشامل التي أوقفت حرباً استمرت لأكثر من عشرين عاماً. جاء القرار 1593 ليشنق الحلم ويغتال بريق الأمل وليزرع بدلاً منه الإحباط ويضع العراقيل أمام معالجة قضية دارفور. كان وقع القرار على الناس صاعقاً ومستفزاً ومؤكداً على الاستهداف. كانت الحكومة قد سبقت وشكلت لجنة تحقيق وطنية برئاسة المحامي رئيس القضاء الأسبق دفع الله الحاج يوسف. لقد أرسل القرار 1593 إشارة خاطئة للمجموعات المتمردة في دارفور والخارجة على القانون مما شجعها على التمادي في رفض كل المبادرات المؤدية الى الحل السلمي للقضية. القرار جاء مجافياً لأسس العدالة والموضوعية ومبادئ الإنصاف، حافلاً بالاستثناءات المخجلة والمفضوحة ومتجاوزاً للمساعي المخلصة للاتحاد الأفريقي. في الوقت الذي تشير فيه المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة الى ضرورة تحقيق المساواة بين الدول في السيادة نجد أن القرار 1593 ينتهك مبدأ المساواة والسيادة حين يقرر إحالة مواطنين ومسؤولين سودانيين للمحاكمة أمام المحكمة الجنائية الدولية ويستثني في ذات الوقت وفي ذات القرار الأشخاص المنتمين للولايات المتحدة في الخضوع للتحقيق أو إقامة أي دعوى ضدهم بخصوص العمليات في السودان. تجاهل القرار الفقرة (3) من المادة (52) من الفصل الثامن من ميثاق الأمم المتحدة التي تحض مجلس الأمن على أن يشجع على الحل السلمي للمنازعات المحلية عن طريق التنظيمات والوكالات الإقليمية (الاتحاد الأفريقي مثلاً). لكل ما سبق جاء قرار الحكومة السودانية برفض القرار لاستحالة التعامل معه بالكيفية التي صدر بها وتعبئة الجماهير وحشد إرادتها وتوضيح خطورة القرار على القضاء السوداني وعلى سيادة السودان وأمنه واستقراره. التأكيد على أن لا أحد فوق القانون مهما كان موقع ذلك الشخص. وكل من ارتكب جرماً لا بد من أن ينال جزاءه العادل فلا توجد حصانة لأحد. وأن القضاء السوداني قادر وراغب في تحقيق العدالة في دارفور وفي كل أنحاء السودان. وما تنبأت به وتخوفت منه الحكومة السودانية من تسييس لهذه القضية قد حدث. ففي بداية العام 2007م أصدر المدعي العام لمحكمة الجنايات الدولية نتائج تحقيقاته التي تمت خارج السودان وانتهت هذه التحقيقات باتهام شخصين فقط أحدهما وزير في الحكومة السودانية والثاني ينتمي الى قبائل أو مجموعات كانت تقاتل التمرد. ولم تشر تحقيقات المدعي العام لأي مسؤول في الحركات المتمردة رغم أنها، أي الحركات المتمردة، تقر بأنها هي التي بدأت التمرد وعمليات العنف والتقتيل والدمار. الأمر الذي زاد شكوك الحكومة السودانية تأكيداً بأن العملية سياسية قبل أن تكون قانونية، وجاء موقف الحكومة السودانية متسقاً مع موقفها الرافض للقرار 1593، رافضاً لنتائج تحقيقات المدعي العام وكل ما يترتب على ذلك، وتأكيد رفض تسليم أي مواطن سوداني لكي يحاكم خارج السودان.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.