القبس الكويتية بينما كانت القوات الفرنسية تستخدم احدث الأساليب التكنولوجية لإجلاء رعايا بلادها المحاصرين قرب مواقع القتال في نجامينا، كانت فلول القوات الحكومية التشادية تقاتل المهاجمين المزودين بوسائل تتراوح بين البنادق اليدوية القديمة والرشاشات الأحدث بقليل، فيما شهدت ضواحي نيروبي (عاصمة كينيا) معارك «بالقوس والنشاب» بين التنظيمات المتحاربة بعد الانقسامات المرتبطة بالاحتجاج على الانتخابات الرئاسية. أما الحدود التشادية السودانية، فيبدو أنها فقدت «الفرصة التاريخية»، المتعلقة باستقبال القوات الأوروبية المدججة بأحدث المعدات الجوية والبرية، في حين يخشى بعض المراقبين انعكاسا مباشرا لأحداث تشاد «المصيرية» على الكاميرون الملاصقة للعاصمة نجامينا وعند الضفة الأخرى للنهر وعلى أفريقيا الوسطى، وربما أيضا على ليبيا بالذات، التي سبق أن أقامت علاقات متشابكة مع جهات وتنظيمات متعددة في تشاد المجاورة. وإذا كان السودان هو البلد المعني ميدانيا و«بشريا» بالنزاع على السلطة في نجامينا، خاصة أن الرئيس التشادي ديبي ينتمي إلى قبيلة «الزغاوة» الدارفورية، كما ان توغلات متقابلة للاجئين وللعساكر والمتمردين تتواصل عبر الحدود السودانية التشادية ولألف سبب وسبب.. فان دولا أخرى في القارة السوداء قد تتأثر، إلى هذه الدرجة او تلك، بالتطورات المتسارعة، في حين تجد فرنسا نفسها أمام امتحان جديد، قد ينتهي بانتكاسة إضافية لطموحات الرئيس ساركوزي ومبادراته «الاقتحامية»، وبصدمة جديدة لوزيره المتألق والمقدام برنار كوشنير، بعد كل ما حصل في ملفات مثل لبنان ودارفور وإيران وغيرها. وليس سرا أن كل محطة من محطات التاريخ التشادي الحديث كانت تتداخل فيها العوامل القبلية الداخلية والاعتبارات الإقليمية. وإذا كان الحاكم تومبالباي المتحدر من القبائل المسيحية جنوبي البلاد قد اغتيل على يد واحد من «ربعه» وطائفته في عام 1975، فان عام 1979 شهد وصول شخصية تتمتع بدعم ليبيا إلى الحكم، وهو جوكوني وداي.. إلى أن قاد حسين حبري هجوما على العاصمة عام 1982 وفرّ الحاكم المنهزم جوكوني وداي إلى الشمال لإقامة حكومة بديلة، إلى أن قاد إدريس ديبي هجوما حاسما سنة 1990 بدعم من ليبيا. بعدها اندلعت حركة تمرد شمالية، وقام العقيد القذافي بالتوسط، وبعدها شرع ديبي في «عملية ديمقراطية» من انتخابات رئاسية وغيرها، إلا أن تطورات دارفور الدامية من جهة، والصراع بين فرنسا ودول أخرى على النفوذ من جهة اخرى، دفعت الأمور إلى مزيد من التأرجح والترقب. يبقى أن نشير إلى أن الحسابات الفرنسية والأوروبية عموما ليست كلها مرتبطة بالواقع السياسي والديموغرافي والإنمائي في هذا البلد الأفريقي أو ذاك، بقدر ما هي مرتبطة بحسابات إستراتيجية وتنافس للمصالح والمواقع، ومن يدري؟ فقد يجد المتمردون الحاليون في تشاد آذانا أوروبية صاغية إذا تمكنوا من حسم الصراع لمصلحتهم.. وحتى إشعار آخر، وانقلاب آخر! د. نبيل حاوي