يعد مشروع النفط السودانى من المشروعات التى خطت خطوات واسعة فى العشر سنوات الماضية بالسودان ورغم عن عوائد وفوائد دخول البلاد الى منظومة الدول النفطية الا ان تلك المسيرة والتى اجتهدت فيها الحكومة الحالية اجتهادات لم يسبقها اليها نظام من قبل الا ان تلك المسيرة فيما يبدو تحتاج لاعادة تسليط الاضواء عليها لاسيما مع ارتفاع وتيرة التهارش الحاد فيما يتعلق بحقوق منح تراخيص التنقيب بين الحكومة المركزية والحكومة التى قد تنشا بموجب اتفاق السلام بالجنوب مع بروز ازمة وقضية لا تزال ساخنة فى هذا المنحى مؤخرا بين الحركة الشعبية والحكومة على خلفية قيام الاولى بمنح شركة بريطانية تراخيص للتنقيب عن النفط فى المربع (AB ) بجنوب السودان والذى حازت عليه ومنذ العام 1980 شركة توتال الفرنسية ... ، الملف التالى يسلط الأضواء على مشروع النفط السودانى البدايات وعذابات التاسيس والنشاءة حقوق امتياز استخراج النفط السوداني كانت فى عام 1974 (أثناء حكم جعفر النميرى) بيد شركة شفرون الأميركية التي حفرت 90 بئراً في مساحة قدرها(42 مليون هكتار) كانت ثلاثين منها منتجة وواعدة. غير أنها -أي شيفرون- لأسباب أمنية واقتصادية وسياسية كانت قد جمدت نشاطها وخرجت من السودان منذ العام 1984. غداة بدء التوترات الامنية بجنوب السودان هذا علماً بأن فاتورة استيراد الطاقة والمحروقات كانت تكلف البلاد أكثر من ثلث عائداتها من الصادر (300-350 مليون دولار). وكانت الاختناقات والندرة في هذا المجال في السودان هي الأكبر منها في أية سلعة استهلاكية وحيوية أخرى. وهو ما اوجد وبصورة ملحوظة ازمات وصلت لدى السودانيين الى حد التندر من صفوف وارصفة الباحثين عن (غالون ) وقود لمركباتهم مع مجى ثورة الإنقاذ و في عامها الثاني 1991 اتجهت نحو استجلاب مصافي صغيرة واستغلال نفط حقل أبوجابرة والحقول الأخرى وإن كانت محدودة الانتاج بصورة واضحة واستطاعت الحكومة ان تحرر حق الامتياز من شركة شيفرون الأميركية ومحاولة الاتصال بشركات أخرى غير واقعة تحت السيطرة الأميركية وتمتلك القدرات المالية والفنية لتنفيذ مشروع يعنى باستخراج واستغلال النفط السودانى مع فتح الباب لشركات القطاع الخاص السوداني المسجلة والعاملة في الخارج وهي شركة (كونكورب العالمية) ومنها انتقل إلى الحكومة لتصوب اهتمامها الكبير نحو هذا الهدف الإستراتيجي. فتداعت للمشروع بعض الشركات الصغيرة بادئ الأمر كشركة (State Petroleum) الكندية التي تدفق على يديها النفط السوداني لأول مرة في الخامس والعشرين من يونيو حزيران 1996 بكميات لم تبلغ العشرين ألف برميل في اليوم. وكانت تنقل إلى مصفاة (الأبيض) الصغيرة بالقطارات والشاحنات. واتت بعد ذلك مجموعة الكونسورتيوم (الصينية 40% والماليزية 30% والكندية 25% والحكومة السودانية 5%) لتبدأ رحلة إنتاج وتسويق النفط السوداني الحقيقية وليصبح في عداد الصناعة والإنتاج التجاري. ففي ظرف ثلاث سنوات فقط ارتفع مستوى الإنتاج من 150 ألف برميل في اليوم بادئ الأمر إلى 220 ألف برميل في اليوم حالياً وهي الكمية التي يتوقع لها أن تتضاعف و أقيم مركز لتجميع النفط فى حقل هجليج بولاية الوحدة ثم امتد خط أنبوب الصادر من هناك إلى شواطئ البحر الأحمر بطول 1600 كيلو متر حيث ميناء بشائر الذي أعد خصيصاً لتصدير النفط الخام الذي يستهلك منه محلياً 60 ألف برميل في اليوم ويصدر الباقي (160 ألف برميل). وقد دشنت أول شحنة صادرة من هذا الميناء في الثلاثين من آب/ أغسطس 1999 وامتد العمل فى هذا المشروع واكتمل بقيام مصفاة (الجيلى) شمال الخرطوم بالتمويل مناصفة بين الحكومة السودانية وجمهورية الصين، وبطاقة إنتاجية قوامها خمسة وعشرون ألف برميل مما ادى لان يكتفى السودان من البنزين والغاز وأصبحت له منهما كميات للصادر أيضاً. وذلك إلى جانب مصفاة بورت سودان التي أنشئت في مفتتح الستينيات وتنتج 50 ألف برميل ينتظر أن ترتفع إلى 75 ألفا. مع قيام مركز معلومات وتدريب وتحليل وتطوير الطاقة في العاصمة الخرطوم بعد أن كان ذلك كله يتم في الخارج. وامتدت عملية الانفتاح والاستثمار فى مشروع النفط السودانى بدخول شركات أوروبية وروسية وخليجية، إلى جانب الشركات الكبرى الثلاث التي نهض على يديها المشروع وهى الشركة الصينية الوطنية لإنتاج البترول والشركة الماليزية بترو ناس والكندية تلسمان. و قاد نجاح مشروع النفط السودانى ودخول البلاد خطوط تماس منظومة دول النفط لتطورات اقتصادية وتطورات اخرى اكثر اهمية على صعيد علاقات السودان الخارجية مما ادى بحسب كثير من المراقبين تفكيك طوق العزله المضروب على البلاد وفتحها أمام بيوت التمويل والصناديق والأفراد الذين يرغبون في الاستثمار وفي مقدمتهم صندوق النقد الدولي الذي أخذ في توفيق الأوضاع وتطبيعها مع القطر الذي طالما همّ بطرده منه في يوم من الأيام" إسهام المعارضة في مشروع النفط : المعارضة السودانية بكافة اطيافها وفصائلها شمالية وجنوبية انتبهت لمسالة النفط ولكن من نواح سلبية حيث اسهمت فى انشطة واعمال سعت لنسف المشروع واعطابه عبر محاولات التجمع الوطني الديمقراطي المتكررة (ثلاث مرات) ضرب أنبوب التصدير من جهة الشرق عبر التسلل من دولة إريتريا المجاورة فيما نشطت حركة التمرد الحركة الشعبية لتحرير السودان و وضعت إيقاف ضخ النفط وتصديره شرطاً لازماً لوقف إطلاق النار الدائم بينها وبين الحكومة. وقد ظلت مجموعات الضغط المسيحي والكنسي والأخرى الموالية لحركة التمرد ظلت خلف الكونغرس والإدارة الأميركية لتكثيف ضغوطهما على الشركات العاملة في المشروع السوداني وبخاصة الشركات الكندية والأوروبية لوقف العمل والانسحاب من المشروع جملة واحدة وإلا خضعت لعقوبات منها الحرمان من تداول الأسهم في بورصة نيويورك، كما جاءت بذلك قرارات صادرة عن الكونغرس للإدارة الأميركية التي طالبت بدورها بتجميد عائدات النفط ووضعها في حساب خاص حتى تكتمل عملية السلام في البلاد وذلك بدعوى أن الحكومة السودانية تستغل تلك الأموال في تسليح الجيش الحكومى كما رصدت الأموال والتسهيلات اللوجستيه من قبل الكونغرس ووزارة الخارجية الأميركية لحركة التمرد، باعترافهما وفى وثائق منشورة ورغم ذلك مضت جهود الحكومة السودانية فى تطوير المشروع والذى كانت له عوائد ايجابية على نواح عديدة خاصة فى مجالات التنمية وتطوير الخدمات بفتح مزيد من الاعتمادات لتنمية البنية الأساسية والخدمات فى الجنوب بشكل عام وولاية الوحدة حيث البترول بشكل خاص. وذلك في برنامجها المعروف ببرنامج تنمية الجنوب الذي وجهت له عشرات المليارات من الدينارات فقامت الطرق والكباري والجسور والمدارس والمراكز الصحية وخدمات الكهرباء والماء والاتصالات