لم يحسم المؤرخون بعد الجدل الذي آثاره البروفيسور العلاقة الراحل عبد الله الطيب حول أن الهجرة الأولي لأصحاب رسول الله (صلي الله عليه وسلم) بقيادة سيدنا جعفر بن أبي طالب المعروفة بأنها كانت إلي الحبشة، أشار إلي أنها كانت إلي السودان وربط بين المعالم والأودية والوهاد التي وصفها المهاجرون ومناطق نهر عطبرة، بل يكاد يؤكد أن الصحافة ركبوا البحر ليصلوا الي الحبشة وذلك يعني أنهم قطعوا البحر الأحمر من محاذاة جدة الحالية إلي شرق السودان الحالي، ويسانده في ذلك البروفيسور جعفر ميرغني الذي يمضي أكثر من مجرد توضيح أن أسم الحبشة كان يطلق علي السودان وأثيوبيا الحاليتين. بل عضد بالثقافات والروايات التاريخية تلك الفرضية، ولعلها عبد الله وجعفر يجعلان السودان موطناً للعديد من هجرات الأنبياء بما فيها هجرة سيدنا موسي عندما حذره الرجل من أن الملأ يأتمرون به ليقتلوه فكانت قصة الرجل الصالح عند مقرن النيلين في الخرطوم، والوادي المقدس طوي في شرق السودان، كل تلك المقاربات تجعلنا نيقن بحتمية التعاون السوداني الأثيوبي في تبادل المنافع والتكامل. فالسودان اليوم أكبر مستضيف للعمالة الأثيوبية في الوقت الذي تستضيف فيه أثيوبيا المباحثات السودانية الجنوبية وتنتشر قواتها ضمن بعثة الأممالمتحدة في منطقة أبيي لحفظ السلام، ويبدو منذ أيام هيلا سلاسي أن أثيوبيا غادرت بصورة كبيرة محطة أن تكون معولاً للأجنبي في تنفيذ مخططاته في الإقليم – بالطرق غير الناعمة علي الأقل – منذ إيواء نظام منقستو هالي مريم لقوات الحركة الشعبية، وبعد أن تجاوزن النزاع الحدودي الخشن في النصف الثاني من التسعينات عقب الهجوم الأثيوبي علي منطقة الفشقة. فكل ذلك يجب أن ترمي به قيادة البلدين في مزبلة التاريخ بإيجاد حلول حاسمة لا تؤجل إحقاق الحق وإنفاذه في توضيح الحدود وجعل الولايات الحدودية مناطق تبادل منافع أكثر منها منطلقاً لعصابات الشفتة الأثيوبية، ينبع من أثيوبيا الجزء الأهم من روافد نهر النيل الأزرق، وبالتالي فإن أمن السودان المائي يتطلب تحالفاً إستراتيجياً معها. سيما بعد إنفاذها لسد الألفية وتنفيذ السودان لمشروع أعالي عطبرة وسيتيت، لكن في المقابل تعاني أثيوبيا من شح الأراضي الزراعية لتأمين غذاء شعبها وهذا يحتاج إلي إعطائها أولوية في مشروع الأمن الغذائي مثل الدول الخليجية, لكن الإستراتيجية يجب أن تراعي بمنحها أراضي في العمق السوداني في أقصي الشمال أو الوسط وليس في ولايتي القضارف والنيل الأزرق المجاورتين لها، لأن ذلك يجعلها مستقبلاً مع تقلب الأنظمة السياسية تعمد إلي وضع اليد عليها وإدعاء ملكيتها أو علي الأقل التنازع حولها. نقلا عن صحيفة الرأي العام 3/12/2013م