بداية نترحم على روح الشهيدة عوضية عجبنا التي استشهدت تحت رصاص شرطة النظام العام بالخرطوم . وليس غريباً ان يطلق ضابط شرطة برتبة ملازم النار على مواطنة ويرديها قتيلة وهذا الضابط يعمل في منظومة اعياها الانهيار واهلك جسدها (التمكين النظامي) وانقطع عنها تناقل الخبرات واخلاقيات المهنة . وهذه المنظومة زراع من ازرع نظام راسه مطلوب للعدالة الدولية لاتهامه بجرائم تتعلق بالابادة الجماعية وجرائم ضد الانسانية وجرائم حرب ضد شعبه ،ليس غريباً ان يطلق ضابط يافع برتبة ملازم النار والاتهامات بجرائم من قبيل الابادة الجماعية والجرائم ضد الانسانية تطال الضباط برتبة المشير والفريق اول ومن كان يجلس على كرسي القضاء راعيا للعدالة الغائبة . ماذا تنتظرون سادتي من شرطة يقودها ضابط فني تم تعيينه ليقوم ببعض الاعمال الفنية الخاصة بالمعامل الجنائية حسب دراسته الجامعية ليصبح بين ليلة وضحاها مديرا عاما لكل شرطة السودان .هذا المدير لم يتدرج التدرج الطبيعي للضباط من اسفل الهرم الى اعلاه بل ولم يبدأ حياته المهنية البداية الطبيعية لكل الضباط ولم يتشرب بالخبرة العملية ولم يمارس اعمال الشرطة الاساسية والخدمية في حياته قط ،لم يقود طيلة حياته العملية فصيلة او سرية ليجد نفسه في زمن المهازل هذا يقود كل الشرطة السودانية . لم يتنقل ويطوف في انحاء السودان وبحياته المهنية محطات محدودة لم تخرج من العاصمة الخرطوم . ان منصب مدير عام قوات الشرطة الذي كان حكراً على مناطق جغرافية معينة اصبح حالياً حكراً على قبيلة واحدة في اكبر السقطات العنصرية لهذا النظام العنصري . فبدأنا نسمع لأول مره في تاريخ الشرطة السودانية اجراء تعيينات في ادارات معينة (امن الشرطة ) كمثال لابناء مناطق معينة حتى صاروا يعرفون بالاحجار الكريمة وهو تشبيه نابع من اسم المناطق القادمين منها ( حجر العسل ...الخ ) . لم نسمع طوال تاريخ الدولة السودانية ان اعتلى منصب مدير عام الشرطة ضابط من جنوب السودان قبل انفصاله او من دارفور او من جبال النوبة او النيل الازرق او شرق السودان رغم وجود قيادات مؤهلة من هذه المناطق امثال الفريق شرطة المرحوم عوض سلاطين دارفور الذي كتب مذكرة يجب ان تدرس عندما تم تخطيه في المنصب ختمها بعبارة (هذه هي الاسباب التي دعت الاخ يوسف كوة مكي للتمرد على الحكومة المركزية) . الشرطة السودانية سادتي انفرط عقد انضباطها واصبحت تدار بواسطة الضباط المنظمين في تنظيم المؤتمر الوطني داخل الشرطة الذين يعرفون ( بالمنظمين) فهؤلاء هم من يتخذون القرارات الخاصة بالترقيات والتنقلات والاحالات في اجتماعاتهم السرية التي يترأسها (الأمير) حتي ولو كان في رتبة النقيب ثم يبصم عليها القادة برتبة الفريق او اللواء كأنها صادرة منهم . هؤلاء (المنظمين ) يختارون اماكن عملهم بأنفسهم فتجدهم يتجولون بين الادارات المريحة و(الايرادية) ولا يغادرون العاصمة الا في كشف السفارات ، وتطاولوا في البنيان واصبحوا يملكون افخم المنازل في ارقى احياء العاصمة وصاروا يلقبون بالفراش ( لتنقلهم من وردة الى وردة ) . وحكى لي احد الضباط بمرارة بأنه في المسجد الملحق برئاسة الشرطة كان احد الضباط (المنظمين) برتبة المقدم وقتها ويعمل بالشئون الادارية يؤدي صلاة الظهر في الصفوف الامامية وضابط آخر برتبة اللواء شرطة يؤدي الصلاة بالصفوف الخلفية وبعد نهاية الصلاة وبعد (السلام عليكم مباشرة) زحف السيد اللواء على ركبتيه حتى وصل السيد (المنظم) وربت على كتفه وعندما التفت (سعادته) صافحه السيد اللواء بحرارة وخضوع . ماذا تنتظرون سادتي من شرطة هذه قياداتها . وحتي القليل من القيادات من الذين كان مشهود لهم بالشجاعة والقوة تحولوا الى حمائم وديعة (المعايش جبارة) ،ورأينا بعضهم يخرجون من وقار رتبتهم ويرقصون على الهواء مباشرة في تلفزيون المؤتمر الوطني وهو ينقل احتفال الشرطة الشعبية في اغنية حماسية تم اختيارها بعناية لتملق المستشار (ابو العفين) عندما تم تقديمه لالقاء كلمته ، انعدم الامل في ظهور قيادات امثال الفريق فيصل خليل او الفريق عوض سلاطين او الفريق عبد اللطيف علي ابراهيم التي كان السياسيين يتهيبونها . لقد تم افراغ الشرطة السودانية من كوادرها المؤهلة والقوية ، فبعد مقصلة الفصل التعسفي التي قزف بواستطها بالآلاف من الضباط خارج الخدمة ، اصبح التشريد حاليا بمسمى الحركة السنوية لماذا تحيل الدولة الى التقاعد ضابط شاب قادر على العطاء لم يبلغ السن القانونية للتقاعد ووصل الي عمر ورتبة تشرب فيها بالخبرة وعركته التجارب العملية ، في جمهورية مصر كمثال تجد عشرات الضباط برتبة اللواء يعملون في مديرية امن واحدة . هذا الافراغ مقصود منه افساح المجال امام الضباط من كوادر المؤتمر الوطني من ( المنظمين) والضباط الجامعيين الذين تم استيعابهم من كوادرهم بالجامعات في بداية عهدهم المشؤوم ومن الذين تم توزيع الرتب عليهم من منسقي الشرطة الشعبية الذين لا علاقة لهم بالشرطة سوى بزيها الذي يرتدونه بصورة توضح ضعف تدريبهم وعدم مرورهم على ما يعرف ب(طابور اللبس) . اذا كان هذا حال الشرطة وقيادتها اين يجد هذا اليافع قدوة حسنة تأخذ بيده ولماذا لا يطلق النار على المواطنين العزل في مسالة حتى لو ثبتت حسب بيان الشرطة الهزيل عقوبتها لا تتعدى الجلد . وعلى ذكر البيان الهزيل الصادر من المكتب الاعلامي للشرطة الذي يسيطر عليه (المنظمين) هذا البيان يعكس الحال الذي وصلت اليه الشرطة السودانية فحين تقول الشرطة في بيان رسمي صادر عنها بانها اطلقت النار في الهواء مما ادى الى اصابة مواطنة ووفاتها فهذا منطق لا يقنع اطفال حضانة ناهيك عن جماهير واعية فهل كانت هذه المواطنة ترفرف في الفضاء حتى تصيبها رصاصات اطلقت في الهواء، ثم ياتي وزير الداخلية ووالي ولاية الخرطوم ليكذبوا هذا البيان ،لو كان على راس الشرطة مدير عام يحترم نفسه ومهنته لتقدم باستقالته فوراً. الحال الذي وصلت اليه الشرطة السودانية يحتم علي القيادات السياسية وقيادات الشرطة خارج الخدمة وداخلها من الضباط الوطنيين الشروع في اعداد خطة واضحة لاعادة هيكلة الشرطة السودانية وصياغة عقيدة امنية جديدة لها عقب اجتثاث هذا النظام من جزوره لا سيما وانه يحتضر ، عقيدة تعيد الشرطة الي القيام بدورها الذي يحدده الدستور والقانون ويعيدها شرطة تحترم حقوق الانسان وخصوصيته وتعيدها قوة مدنية بعد ان تم بعض وحداتها (الاحتياطي المركزي) الى قوة عسكرية موزعة على كل مناطق النزاعات بالسودان ،بل ويحضر قائد قوات الاحتياطي المركزي اجتماعات هيئة اركان الجيش السوداني ويتصدى للمهام الصعبة التي تنطوي على خسائر بشرية كبيرة ولا يهمه ما تواجهه قواته ولكن يهمه ان ترتفع اسهمه واسهم الضباط ( المنظمين) في قيادته فعلاقتهم بمناطق العمليات لا تتعدى الزيارات الخاطفة او وداع القوات المغادرة الى حتفها . لقد وصلت العلاقة بين الشرطة والجمهور الى الحضيض ولم تصل الي هذا المستوى طيلة العهود السابقة . ولكم ان تتعظوا من التجربة المصرية حيث احرقت الجماهير الغاضبة مراكز الشرطة حيث لم ترى فيها سوى رمزا لقمعهم وازلالهم ، ومازالت وزارة الداخلية المصرية محروسة بالجيش المصري وتم اغلاق كل الطرق المؤدية اليها خوفا من اقتحام الجماهير لها . الحل سادتي في اعادة هيكلة الشرطة السودانية وصياغة عقيدة امنية جديدة لها حتى لا يظهر يافع جديد يقتفي اثر قياداته من مجرمي الحرب والابادة الجماعية ولا يظهر (قدو قدو) آخر يلهب ظهر نساء السودان بالسياط . ولكم شكري طارق محيسي