e-mail: [email protected] الذين عاصروا وعايشوا بوعي (عُمري وليس سواه) ستينيات وبدايات سبعينيات القرن الماضي تقريبا، يذكرون جيدا كيف كانت وسائل الإتصال المتاحة في ذلك الزمن الجميل. فالهواتف الثابتة كانت متوافرة في معظم الدوائر الحكومية وبعض بيوت موظفي الدولة، وتعمل بسلالة فائقة بين هذه الدوائر وبين مدن السودان المختلفة في محافظاته "التسع"، فقط يشوبها أحيانًا أن "التلفون ما فيهو حرارة". كذلك كانت الخدمات البريدية مضبوطة في زمن وصولها ومنتظمة تربط السودان بأجزائه المتباعدة وأطرافه المترامية. وكانت الساعات تضبط على بف نفس القطار ووصوله في الميعاد مطلقا صافرته الشهيرة عند مختلف محطاته على شبكة السكك الحديدة والتى كانت تدار بكفاءة متناهية من مركزها النابض في "مدينة عطبرة الثائرة". أعقب ذلك، وإبان العهد المايوي وما تلاه، تدهورا مريعا طال وأقعد كل هذه الخدمات من لعب دورها في الربط والاتصال بين فئات ومكونات المجتمع، لتعود إلى المربع الأول أي إلى عهد ما قبل الإستقلال بسنوات. فصمتت الهواتف الثابتة، واستطال زمن وصول البريد، وقد لا يصل مطلقا أحيانا، ونامت محطات السكة حديد بعدما ما كانت تشهده من حراك وصخيب. ومع الثورة الحديثة في عالم الإتصال والمعلومات والمنطلقة بسرعة الضوء، والتى أتت بالشبكة العنكبوتية (إنترنت) والهواتف المحمولة الذكية وغير الذكية لتجد آخر ابتكارات الأمس موقعها من النسيان والتقادم، إستبشر أهل السودان خيرًا بأن الحياة دبت من جديد في خدمة الاتصالات الهاتفية بقيام شركات رائدة وعملاقة كسوداتل وزين. وللحقيقة أبلت هذه الشركات بلاء حسنًا بعد مولدها وإنطلاقها، إذ دخل الهاتف الثابت كل بيت سوداني تقريبا على إمتداد "السودا .. بدون النون" (ويعرب أن الحذف جاء لحرف العلة "الإنفصال") ونسي الناس الصعوبات التى كانت تواجههم في التواصل، وحققت هذه الشركات أرباحا ضخمة لملاكها ومساهميها. الآن .. ما بالنا نعود القهقري للمربع الثاني؟؟!! إذ بدأ التدهور والسوء يصيب خدمات الإتصال ثانية هذه الأيام، ومنيت بعض الشركات بخسائر في نشاطها التشغيلي، وحارت عدة أسئلة في أن تجد إجابات شافية لها. فهل إكتفت شركات الإتصال بعصرها الذهبي لتعيش على الماضي؟ هل لأدائها المالي الضعيف دورًا في صعوبات التشغيل الحالية؟ أم أن السبب هو تركيزها على دورها في المسؤولية الاجتماعية وما اكتسبه من زخم وضجيج إعلامى هائل "على شاكلة رعاية تخريج دفعة من إحدى دور الحضانة بمعلب نادي كبير (عجبي)؟!! متناسية دورها الأساسي في تقديم خدمات اتصال راقية لمشتركيها داخل السودان وغيرهم من خارجه؟ فهل من مجيب؟؟. طرفة: حكي أحد الزملاء (مع التحيه له) أنه في أيام إنتظام البريد، سافر أحدهم في كورس قصير إلى أحدى دول أمريكا اللاتينية، وكانت هذه هي المرة الأولي التى يعبر فيها حدود السودان. ومن هناك كتب رسالة لأحد أصدقائه، قائلا أن مدينة "كذا" (لا أذكرها) هي أجمل بلاد الله على وجه الأرض. فما كان من صديقه إلا أن رد عليه برسالة قائلا "هو بلاد الله إنت شفتا فيها وين غير "كذا"؟