التقرير (1) فتاة العُرس الممثلة الحسناء كانت تردد في إعلان التمثيلية بصوت متقطع الأنفاس موغل في الدهاء الأنثوي: "غشاني يا عمدة وقال لي بعَرِسِك"، في ذلك الوقت أصبح الإعلان يتكرر بين فينة وأخرى مثل إعلان مشروب شامبيون الآن، الذي واكب انتخابات أبريل 2010م، عندما سئل ظريف من سيفوز في الإنتخابات، قال واحد من أثنين شامبيون أو الرئيس الحالى. عندما يهبط الصمت كله علي المكتب، وفي عدم وجود المراقب وغياب موظفة الحسابات. يحاكي إحد الشباب بالصوت العالي الممثلة المدللة: "غشاني يا عمدة وقال لي (...)" يجرد " بعَرِسِك" من ثيابها يلقي بها عارية كما ولدها أمها أمام الجميع، فيضج المكتب بالضحك، ثم يتواصل الإنهماك في العمل الحسابي عالي التركيز بعد الفاصل. تأتي الموظفة من قسم الحسابات لتقوم بتنزيل حركة حسابات التغذية على الكروت لمدة ساعة أو ساعتان ثم تعود إلى سربها في الحسابات العامة حيث أن الغلبة هناك لصالح الموظفات. وجودها في البنوك الأجنبية يشعرها بالوحشة، ومع ذلك يلبس فريق العُزاب في البنوك الأجنبية ثوب الحشمة في المناقشات وتبادل الطرف والنكات. ذات مرة حضر الموظف عماد من الخارج؛ عماد يردد الأبيات الشعرية ويوزع الفرح في أرجاء المكتب. ولم يكن المراقب موجود، لم ينتبه لوجود موظفة الحسابات، حال بينه وبينها العمود. وجد الكل منهمك في تفاصيل العمل. أطلق عماد سراح التعليق بالصوت العالي: "غشاني يا عمدة وقال لي (...)"، لم يتلقى الرد المعهود من الجميع؛ الضحك العالي. لزم الموظفين لغير العادة الصمت تظاهروا بالإنهماك في العمل وعدم سماع شيء، وكذلك فعلت موظفة الحسابات، عندها إنتبه عماد للموقف الحرج، عاد من حيث آتى، وأصبحت الضحكة مؤجلة إلى أن تخرج الموظفة. أضيف الموقف برمته ملحق إلى حكاية فتاة العُرس - ممثلة التمثلية المِغناج. (2) دارت الأيام ذات يوم هاجم مراقب المكتب الموظف معتز في نقاش خلال تناول وجبة الإفطار أنفجر المراقب: أنت قايل نفسك شنو. إسمك لسع مكتوب بقلم الرصاص. والله تقرير منى يرفدك. مسك معتز نفسه عند الغضب لم يقل شيء، لم يرد علي المراقب، المفاجأة وإحترام الأكبر سناً ألجمتاه. تدخل رئيس القسم قائلاً للمراقب: لم يقل شيء يا أخي أتركه. دارت الأيام دورتها، وتعاقبت السنين، أصبح المراقب مدير فرع في الأقاليم، ورئيس القسم مدير فرع في العاصمة، والموظف معتز رئيس قسم التفتيش في الإدارة العامة. ذهب فريق التفتيش برئاسة معتز لمراجعة أعمال فرع الحَمره في كردفان. مدير الفرع هو المراقب السابق في قسم البنوك الأجنبية. بالغ المدير ونائبه في الإحتفاء بمعتز وفريق التفتيش. شكرهم معتز علي الحفاوة والإستقبال ودخل في صلب الموضوع مباشرةً؛ مراجعة أعمال الفرع من الألف إلى الياء. ضمت قائمة ملاحظات فريق التفتيش؛ الفوضى البادية علي الفرع وتعامل موظفيه غير المنضبط مع الزبائن، وجود تجاوز في إحد الحسابات بدون تصديق من إدارة الإستثمار بالإدارة العامة. حاول مدير الفرع ونائبه إثناء معتز من إدراج التجاوز في التقرير. رد معتز كان إخطار الإدارة فوراً بالهاتف إدراج التجاوز في التقرير. فٌتح تحقيق في الأمر. أُدين المدير وذهب حيث استقبل استقبال المقيمين في سجن دبك. (3) وجه الخير في فرع المصرف العتيق يحضر أصحاب الحوالات من ليبيا بعد إرسلها عن طريق المصارف الليبية ليستلموها في إحد مصارف السودان. بتوجيه من الموظف المسئول من الحوالات الخارجية بقسم الحوالات، يصعد صاحب الحواله إلى الطابق الأول إلى قسم البنوك الأجنبية - المراسلين - ليستفسر من ورود حوالته في كشف حساب المراسل لدى الموظف المختص في قسم البنوك الأجنبية. يتكون القسم من مكتب كبير في شكل صالة فيها عشرة موظفين زائداً رئيس القسم والمراقب؛ ما عدا موظف تغذيه أرصدة الحسابات بالخارج، موظفة الحسابات، وموظف تنفيذ العمليات الخاصة بالفروع، فإن باقي الموظفين يقومون بالعمل نفسه؛ عمل المطابقات المحاسبية علي أرصدة الحسابات مع المراسلين بالخارج بإجراء التسويات اللازمة؛ إلغاء المنفذ واستبعاده من المطابقة وعمل قوائم بالمعلقة غير المنفذة. حسابات المراسلين وزعت بينهم. كفل المصرف لجميع الموظفين مكاتب موحدة أما الرئيس والمراقب فمكاتبهم أكبر حجماً وارفع مظهراً، إضافة إلى موقعها في صدارة المكتب. معتز موظف وسيم وأنيق، حديث الإلتحاق بالخدمة؛ كما قال مراقب القسم ذات مرة إسمه ما زال مكتوباً بقلم الرصاص- سهل مسحه وإزالته، ومع ذلك قامته وإنضباطه في العمل كفلا له مظهر الموظف الكبير المحترم. رئيس القسم محمود ذو شخصية محبوبة، متواضع غير متعال، مرح صديق الجميع، ذو همة ونشاط كل من في المكتب يقدره ويحترمه. بين الموظفين يبدو كالموظف وليس الرئيس، تمت ترقيه رئيساً للقسم حديثاً، وما زال يمارس مهمتي الموظف والرئيس الاثنين معاً. المراقب كان أقدم الموجودين في قسم البنوك الأجنبية من حيث سني الخدمة في المصرف، وكذلك العمر، إلا أن ذلك لم يظهر في هيئته؛ كان يلبس الملابس غير المنسقة المتنافرة الألوان، لون القميص ولون ربطة العنق ولون البنطلون كلٍ ذاهب في اتجاه بعيد عن التناغم. كثير الثرثرة والإنتقاد للموظفين، لذلك كان مكروهاً، لم يكن محبوباً أبدا. درج المراجعون الصاعدون من قسم التحاويل علي تخطي المراقب في صدارة المكتب والموظفين في طريقهم والحضور إلى معتز للإستفسار عن حوالاتهم. معتز دائماً يوجه السائل إلى الوجهة الصحيحة إلى المراقب القابع في مقدمة المكتب كأبي الهول. يصحب هذا التوجيه تبسم جاره في المكتب رئيس القسم، والضحكات المكتومة من بعض الموظفين، تكرر هذا المشهد الذي فرضه سلوك المراجعين أصبح معتز مرشد ودليل المراجعين إلي المسئول، الذي يحول المراجعون إلى الموظف المختص بمسك حسابات مراسلي ليبيا والمراسلين الآخرين. الناس عادةً يتوسمون الخير في شخص يفشون له بما لا يعرفونه وما يودون معرفته. هنا في السعودية يسألون السوداني من بين عابرى الطريق من جميع الجنسيات؛ وطنيون وأجانب. يتوسمون في "الزول" السمح، الخير والصدق، لأنه لا يعبث بجهلهم وعدم معرفتهم الاتجاه الصحيح. كان معتز في عيون المستفسرين السوداني الأقرب إليهم بين جمع من السودانيين في مكتب البنوك الأجنبية؛ كان يمثل وجه الخير، وجه القوم، لذلك تقدموا له بدون حرج، أو لسبب اتفقوا عليه هم جميعاً ولم يخبرونا به أبداً. فتاة العُرس، دارت الأيام، وجه الخير.