تأتي هيكلة الحكومة السودانية الثالثة بعد آخر انتخابات فاز فيها حزب الرئيس عمر حسن البشير إثر انسحاب احزاب المعارضة من السباق الانتخابي، في خضم تظاهرات واحتجاجات على سياسة التقشف، حيث أدى الوزراء القسم عقب الهيكلة تماشياً مع اجراءات سياسية واقتصادية ترمي لتخفيض الانفاق الحكومي بعد الفجوة الاقتصادية التي ضربت الاقتصاد السوداني بعيد انفصال الجنوب. وإن كانت الحكومة للتقشف، فإنها جاءت بستة وعشرين وزيرا وثلاثة وعشرين وزير دولة، فيما يرى مراقبون أن لا فارق بين الهيكلة الجديدة وسابقاتها. فالتشكيل الوزاري الجديد وصف بانه «تحصيل حاصل» خاصة بعد ان أبقى التشكيل الوزاري على ذات الوجوه القديمة في الوزارات السيادية. فظلت وزارات الدفاع، الداخلية، المالية، الخارجية، العدل، رئاسة الجمهورية دون اي تعديل وبذات الاسماء. حتى إن الدمج والالغاء الذي شمل بعض الوزارات لم يكن بالحجم الذي ظلت تتحدث عنه الحكومة قبل الهيكلة والتي ظلت تؤكد على تشكيل حكومة رشيقة بعيدة عن الترهل الذي تشهده الاجهزة التنفيذية في السودان، الامر الذي برره مساعد البشير ونائبه في الحزب نافع علي نافع بأن المحافظة على بقاء الاحزاب الاخرى التي تشارك حزبه في الحكم اقتضت ان تتم الهيكلة بالشكل الذي أتت به. تعديلات وزارية وفي نظرة الى الوراء، شهد مجلس الوزراء السوداني خلال الفترة الاخيرة عدة تعديلات كان اولها الذي اعقب الانتخابات الاخيرة العام 2010، حيث تم تشكيل الحكومة في يونيو من ذات العام من 31 وزيرا و42 وزير دولة. وكان لحزب المؤتمر الوطني برئاسة البشير والحركة الشعبية نصيب الأسد من المناصب. وبعد انفصال الجنوب في يوليو من العام الماضي، شكل البشير حكومة اطلق عليها اسم «القاعدة العريضة» بعد ان تمكن من اقناع الحزب الاتحادي الديمقراطي- الاصل بزعامة محمد عثمان الميرغني بالمشاركة إلى جانب اشراك 13 حزبا من الاحزاب قليلة القواعد او احزاب «الفكة». كما يسميها معارضون، حيث تم تشكيل الحكومة من 31 وزيرا و35 وزير دولة. وزارات سيادية ومن أبرز الوجوه التي أبقى عليها البشير في كل تلك التشكيلات: وزير الدفاع عبدالرحيم محمد حسين، ووزير رئاسة الجمهورية بكري حسن صالح، ووزير المالية علي محمود، ووزير الخارجية علي كرتي، ووزير الداخلية ابراهيم محمود، ووزير النفط عوض الجاز، فيما غادر خلال التشكيل الاخير وزير الثقافة السمؤال خلف الله بعد ان تم دمج وزارته مع وزارة الاعلام التي آلت الى احمد بلال عثمان من الحزب الوطني الاتحادي. ويقول «المؤتمر الوطني» بانه تحمل مقتضيات الهيكلة خصما على حقائبه على مستوى الوزراء بنسبة 100 في المئة، بينما تحمل 75 في المئة من الحقائب الملغاة على مستوى وزراء الدولة البالغة 12 موقعا. فارق وفجوة ويرى المحلل السياسي والاستاذ بجامعة الخرطوم الطيب زين العابدين بأن «لا فارق كبيراً بين الهيكلة الجديدة والسابقة»، مشيرا إلى «البيان» انه «كان من الممكن ألا تتعدى الحكومة الاتحادية 10 وزارات، باعتبار ان هناك حكومات محلية في الولايات». ويقول ان الحكومة «اعادت ذات الاخطاء التي صاحبت التشكيلات السابقة حتى تشرك بعض الاحزاب والحركات المسلحة». ويضيف زين العابدين ان الهيكلة الجديدة «خالية تماما من التقشف». مبينا ان التقشف المطلوب هو ذلك الذي «يخفض فعليا المخصصات الخرافية لبعض المسؤولين في الحكومة».وعلى الرغم من الهيكلة التي يرى «المؤتمر الوطني» بانها وفاء للالتزام الذي قطعه البشير امام الهيئة التشريعية لتلافي التدهور في الاقتصاد، الا ان مراقبين وصفوا الإجراءات ب«المتأخرة»، الامر الذي اتفق فيه معهم النائب الاول للرئيس السوداني علي عثمان محمد طه والذي قال خلال مقابلة تلفزيونية الاثنين الماضي بان حزمة الاجراءات السياسية بما فيها الهيكلة الجديدة واعفاء تسعة مستشارين للبشير و50 خبيرا «لا تمثل شيئا مقارنة بالفجوة التي تعاني منها خزينة الدولة خاصة من النقد الاجنبي والتي تبلغ اكثر من ستة مليارات دولار». مسؤولية يحمل المحلل السياسي والاستاذ بجامعة الخرطوم الطيب زين العابدين الحكومة المسؤولية عن فجوة الخزينة باعتبارها السبب الرئيسي وراءها «وذلك بتماطلها في ايجاد حلول لقضية النفط مع الجنوب». ويرى ان الحكومة «ارادت التخلص من الجنوب من غير ان تنظر الى عواقب عدم حل القضايا الخلافية معه، الى جانب انها اهملت قطاعي الزراعة والصناعة الامر الذي ادخل البلاد في هذه الازمة بعد فقدان النفط». البيان