· تعالوا نتكلم كورة بعيداً عن عواطفنا تجاه كياناتنا. · وللنظر لجميع لاعبينا من أكبرهم لأصغرهم ونسأل أنفسنا السؤال: هل يستحقون منا كل هذه الضجة؟! · ولكي نصل لنتائج مفيدة لابد أن نجيب على هذا السؤال بصراحة وشجاعة وموضوعية وبعيداً عن لغة العواطف. · كما أننا لابد أن نجيب على السؤال بعد مقارنة حالنا بحال الآخرين، سيما من بدأوا ممارسة الكرة بعدنا بسنوات طويلة. · شخصياً أينما ألقيت بنظري وجدت لاعبين منضبطين وذوي قدرات عالية في فهم واستيعاب الخطط ومطيعين في تنفيذ تعليمات المدربين وتكتيكاتهم المختلفة، إلا في السودان. · فباستثناء حالات قليلة نلاحظ أن معظم الفرق والمنتخبات السودانية تلعب هكذا على السجية وكأنك تجمع إحدى عشرة لاعباً وتعطي كل واحد لبسه وتدفع بهم للملعب. · وطبعاً الوضع ليس كذلك. · وقد مر ببلدنا الكثير جداً من المدربين أصحاب المدارس المختلفة ولا يعقل أن نعتبرهم جميعاً من الفاشلين وعديمي الموهبة. · أعلم أن للمشكلة جوانب عديدة، لكنني هنا بصدد تناول عنصر أساسي فيها هو اللاعب، وفي مقالات أخرى نتعرض لبعض العناصر الأخرى. · المشكلة في لاعبين يصلوا للأندية الكبيرة والواحد منهم لا يعرف حتى لحظتها كيف يسكن الكرة أو أين يقف أو متى يركض أو متى ينقض أو متى يتراجع أو متى يحتفظ بالكرة. · تجد مثلاً لاعباً في ناد كبير تصله الكرة وهو في منطقة الدفاع فيثبتها بقدم ويرفعها للأعلى ثم يركلها عالية بنفس القدم، دون أن يفكر في أن إخراج الكرة من منطقته بهذه الطريقة معناه عودتها له مجدداً قبل أقل من عشرين ثانية. · وهذا أحد أهم أسباب فشل فرقنا في تنفيذ الخطط الدفاعية. · وده طبعاً لعب دافوري ولا علاقة له بأساليب اللعب في الأندية الكبيرة. · ورغماً عن ذلك نهلل نحن لمثل هذه النوعية من اللاعبين. · تجد أيضاً لاعباً في ناد كبير يركض ويركض ويعرق ويدافر ويفعل كل شيء، إلا تمرير الكرة بطريقة سليمة. · وبرضو نفرح نحن ونهلل لمثل هذا ونعتبره لاعباً وافر المجهود. · منذ أكثر من عشر سنوات يتحدث الناس عن أن البلد ليس فيها صناع لعب سوى هيثم والعجب. · وصناعة اللعب تعني ببساطة لعب الباص السليم. · فهل سمعتم بربكم بلاعبين يصلون للأندية الكبيرة ولا يعرف الواحد فيهم كيف يمرر الكرة؟! · زول ما بعرف يلعب باص ده جاي يلعب كورة لي شنو يعني؟! · وكيف يستوعب هذا النوع من اللاعبين خطط وتكتيكات المدربين ويطلب منه أن ينفذها بشكل جيد! · ربما يقول قائل أن المشكلة لن تحل إلا بالمدارس السنية. · صحيح أن جزءاً كبيراً من المشكلة يتمثل في غياب هذه المدارس السنية، لكن صدقوني حتى إن توفرت المدارس السنية فستظل بعض المشاكل المتعلقة باللاعب السوداني قائمة. · فمشكلة هذا اللاعب جزء من تركيبة الإنسان السوداني بصورة عامة. · والأمر لا يتعلق بضعف القدرات الذهنية التي تمكن هؤلاء اللاعبين من استيعاب وتنفيذ الخطط فقط. · بل هناك جوانب أخرى. · فالكثير من اللاعبين السودانيين يتكبرون بلا مبرر منطقي. · وما أن تكتب عن الواحد منهم صحيفة وتنشر صورته لعدة مرات يبدأ في تجاهل الكثير مما يقوله له مدربه، بل يصبح له رأي في هذا المدرب مهما كانت مؤهلاته وخبراته. · التقيت بلاعبين يفترض الواحد منهم أنه يفهم أحسن من أي مدرب. · والمعضلة هنا طبعاً مشكلة غياب العقلية الاحترافية. · فحتى إن افترض أي لاعب في بلد غير بلدنا أنه يفهم أحسن من مدربه، تجده منصاعاً لتعليمات هذا المدرب، لأن الشغل شغل مجموعة وليس أفراد. · وطالما أن المدرب هو المسئول عن الفريق فلابد أن يطبق الجميع تعليماته داخل الملعب، وإلا عدنا للعب الدافوري. · يعني مثلاً أيام نهائيات غانا وبعد ولوج هدف أو هدفين في مرمى منتخبنا كنا نلاحظ تقدماً غير محسوب حتى لمدافعي المنتخب. · فهل تظنوا أن المدرب مازدا طلب منهم ذلك؟! · شخصياً لا أتوقع ذلك. · لكن لأن اللاعب السوداني يفترض أنه يمكن أن يعمل أي شيء على طريقته، كانوا يندفعون للأمام ظناً منهم أن ذلك سوف يمكنهم من التسجيل، لتكون النتيجة هدفاً عكسياً. · وقوف المدافعين في معظم المباريات التي نشاهدها من خارج السودان يختلف تماماً عن وقوف مدافعينا. · معظم الأهداف التي يسجلها الآخرون في شباك فرقنا من كرات عكسية تكون بسبب الوقوف غير السليم. · والكثير من الأهداف التي تأتي من العمق يتسبب فيها أيضاً عدم تمركز قلبي الدفاع بصورة سليمة. · صحيح أن بعض المدربين لا يجتهدون كثيراً في تعليم لاعبيهم مثل هذه الأمور. · لكن هناك أيضاً تقاعس من اللاعبين أنفسهم. · وقد سمعت المدرب شوقي عبد العزيز يقول قبل سنوات طويلة خلال حلقة تلفزيونية أنه كمدرب يقول للاعبين الكثير وبمجرد دخولهم للملعب ينسون كل شيء. · وذكر حالة محددة، حيث قال في أنه في إحدى المباريات كان يوجه في لاعبيه لآخر لحظة قبل دخولهم للملعب بعدم إعادة الكرة للوراء. · فما الذي حدث حسبما قال شوقي؟ · أطلق الحكم صافرة البدء وكانت من نصيب الهلال فمرر لاعب الكرة لزميلة الذي استدار للوراء وأعادها لأحد المدافعين. · وأضاف شوقي وقتها: يعني المدرب يعمل شنو يشيل ليهو موبايل ويدي كل لاعب موبايل عشان يتابع معاهم داخل الملعب؟ · الانضباط والنظام والإذعان للتعليمات من ألد أعداء الشخصية السودانية، ولأن لاعبينا جزء من هذه الشخصية السودانية، فلابد من النظر للأمر من هذه الزاوية وبعد ذلك تتم الاستعانة بعلماء النفس فعسى ولعل أن يساعدوا في معالجة مثل هذه النواقص. · ممكن طبعاً الاعتماد على المدارس السنية في تعليم النشء الأبجديات بطريقة سليمة منذ البداية، لكن المشكلة أنهم ما أن يكبروا سوف يصبحوا نسخة من الكبار. · إذاً المدارس السنية تحتاج لإداراتها ومدربيها وإعلاميها ومشجعيها حتى نبعد الصغار عن المؤثرات السالبة.