تقرير: عادل حسون "لا ملجأ من التعاون" مبدأ يتعين على صناع القرار في العاصمتين اللدودتين الخرطوموجوبا إداراكه جيداً. فالأسابيع الأخيرة فقط أجلت النتائج الكارثية للدس المتبادل بين طرفي الحدود. أكثر من 40 ألف نازح هجّروا من مدنهم وقراهم بجنوب وشمال كردفان جراء الأوضاع الأمنية الأخيرة، وبالمقابل أكثر من 18 ألف مدني اضطروا للهرب من العمليات العسكرية بين الجيش الجنوبي والمتمردين المسلحين بمناطق البيبور بأعالي النيل المحادة للسودان. "حقوق الإنسان" لدى الجانبين على المحك ولن يكون بوسع أي طرف الإدعاء أنه بمقدوره حفظ أمن واستقرار وسلامة مواطنيه وأراضيه بدون التعاون مع الجانب الآخر. وعلى الرغم من الصورة المأساوية على جانبي الحدود والشك الثنائي في التسبب بتلك الأزمات الإنسانية إلا أن دولتي السودان اتفقتا على الطلب المشترك من مجلس الأمن الدولي زيادة عدد القوات الأممية بمنطقة "أبيي" ليصل عددها إلى أكثر من خمسة ألف عنصر بعد مصرع كبير سلاطين الدينكا كوال دينق مجوك، على يد مسلحين بالمنطقة. ومع ذلك فكلا الرئيسان عمر البشير وسلفا كير، يتهم الآخر بدعم "التمرد" على الجانب المقابل من الحدود بشكل لم يثبت للاتحاد الأفريقي الذي تولى رعاية اتفاقيات "التعاون" التسع الموقعة بين الجانبين بأديس أبابا في سبتمبر من العام الماضي. اللجنة السياسية الأمنية المشتركة بين السودان وجنوب السودان، وهي المعنية ببحث حقيقة ذلك الدعم، أعلن عن اجتماع مزمع لها الأربعاء القادم بالعاصمة الجنوبيةجوبا. وكشف أن أجندة اللقاء تتمحور في بحث سير تنفيذ المصفوفة الأمنية التي تم الاتفاق عليها مؤخراً والتأكد من فتح المعابر الحدودية ومواصلة المناقشة حول ترسيم الحدود بين البلدين. للطرفان مشقة كبيرة في إنجاح هذه الأهداف الثلاثة ولذلك يبدو مفهوماً الاتفاق المسبق في الجلسة الأخيرة بالخرطوم يومي 13 و14 مايو الماضي على مواصلة الحوار مهما كان من تطورات، بالتبادل بين عاصمتي البلدين. الترسيم الطولي للحدود بين البلدين أنجز 80% منه لكن النسبة المتبقية هي أطول مسافة على أرض الواقع الخلافي من تلك المتحققة بالاتفاق بين الجانبين. فكلا الطرفان يدعيان ملكية خمسة مناطق متنازع عليها اسما ووصفا على طول الحدود فحفرة النحاس بجنوب دارفور على سبيل المثال هي كافي كينجي لدى الطرف الآخر. لكن المعابر الحدودية المحدد إنشاءها فقد أتفق على تكملة الإجراءات الإدارية لشُعّب الهجرة والجمارك والأمن على البوابات الاثنتين المتبقيتين من جملة عشرة معابر. من السهل معرفة مماطلة الأطراف في تكملة الهدفين الأخيرين، ترسيم الحدود وإكمال فتح المعابر الحدودية، لكن الاجتماع المرتقب يبدو منشغلاً بالأساس من التأكد من حسن سير الترتيبات الأمنية بالذي يضع حداً للطرف الجنوبي بالخصوص مواصلة الدعم غير المبرر للمتمردين في جنوب كردفان. ويتوقع تكرار الاتهامات الجزافية من الطرف الجنوبي للسودان بالقصف الجوي على مناطق حدودية أو تقديم الدعم للمتمردين على سلطة "جوبا" على ما أعتيد عند الإعلان عن أي لقاء مشترك بداخل البلدين أو بالعاصمة الإثيوبية. الاجتماع يعقد وفي خلفية الإطار "التحذير" الذي أطلقه رئيس الجمهورية المشير عمر البشير، لحكومة جنوب السودان، في خطابه المرتجل بساحة القيادة العامة للجيش غداة إعلان استرداد مدينة أبوكرشولا من أيدي التمرد، بوقف انسياب النفط حال تواصل الدعم الوقح للخارجين على القانون في جنوب كردفان. لقد علم حاجة "الجنوب" لمعالجة وتصدير النفط الجنوبي عبر المنشآت السودانية ريثما يجدوا حلا دائما يخرجهم من دائرة "الابتزاز" الشمالي. خزانة "السودان" تحتاج لنسبة من تلك "العائدات"، لكن من المشروع استخدام "ورقة" التعاون في المجال النفطي الضاغطة حال استمرار تهديد سلامة وأمن البلاد للخطر دون الخشية من عد ذلك نوعا من أنواع "الابتزاز". سيغادر الوفد السوداني إلى مدينة جوبا في الثالث من يونيو لتنعقد اجتماعات السكرتارية للجنة من الجانبين في ذات اليوم وعلى مدى يومين، تمهيدا للاجتماع الدوري بمشاركة وزير الدفاع الفريق أول ركن مهندس عبد الرحيم محمد حسين رئيس اللجنة المشتركة من جانب السودان. الوزير حسين يمضي هذه الدورة وظهره مسنودا بتحذير رئيس الجمهورية شديد اللهجة للطرف الجنوبي بما يحسن من موقفه عند النقاش. لا يبدو للطرف الجنوبي مكنة في ترديد الاتهامات المكرورة هذه المرة أيضاً فالضرر الذي لحق بالسودان في المعركة الأخيرة جذب تنديد الوسطاء والشركاء في الإقليم والعالم على حد السواء. المماطلة المعهودة أيضا قد لا تبدو متوقعة وقد انحصر الخلاف في نقاط بعينها في ملفي ترسيم الحدود واستكمال فتح المعابر الحدودية. في المجمل يبدو اللقاء القادم للجنة السياسية الأمنية المشتركة ويعقد على صفيح ساخن أقرب إلى إنجاز شيئاً ما ملموس بدلا من النتائج المتكررة في كل مرة. في الحقيقة ليس بوسع أي طرف الكذب في كل مرة، بينما التعاون الصادق وحده الحل للمشكلات المشتركة.