قرأت مقال الاستاذ محمد عثمان ابراهيم الذي اصابني بالدهشة مما دعاني اعيد قراءته كرتين او اكثر؛ ومصدر دهشتي هو لأنني اعرف ما يسطّره قلمه من رصين الكلم ودلال المعني. إلاّ أن مقاله الذي شكل به مقصلة للدكتور عمر القراي والاستاذ فيصل محمد صالح اشد ضيماً من اجهزة السلطة القمعية التي يعرف بطشها القاصي والداني، ويعلم الجميع فشو الجور التي تمارسه اجهزتها القضائية المسماه عدلية كذبا. فالمثقف عندما تطيش قطرات مداده تصبح اكثر فتكاً من نضح النبال، فدائما المثقف يتحمل شيئا من قيادة المجتمع؛ فهو يتمتع بقوة مستمدة من وعيه و معرفته لمهمته الاساسية كأداة للوعي والتعبئة. وأبرز ملامح تلك المهمة يكمن في العمل علي كشف وتعرية الواقع والعمل بإخلاص علي تمثيل مصالح الشعوب لخلق حالة تعبئة شاملة لإنفاذ التحول الديمقراطي وإزالة الحكومات المستبدة. فدوره في ساحة الحراك السياسي دور فعّال ولابد ان يتمتع بالعقلية القلقة التي تبحث عن الحقيقة في مجمل نواحي الحياة وخاصة السياسية والانسانية معاً، بطرح الاسئلة علي الواقع السائد والعزف علي الوتر الذي يعضد دور واستنهاض الجماهير لمواجهة الاستبداد والقمع. و كما ذكر أحد الكتاب ( بإعتبار أن المثقف يمثل السلطة الرابعة في المجتمع فمهامه الأساسية هي الدفاع عن مصالح المجتمع فهو بطبيعته ينتمي الي السلطة العليا فيه التي تمثل الأخلاق والقيم والدين …. وبالتالي فإنه يجد من مهامه التصدي لتوجهات السلطة المتعارضة مع مهامه التي هي بالطبع مصالح المجتمع. انه، اي المثقف؛ ضد أي سلطة قائمة وبغض النظر عن شكلها وتوجهاتها طالما تتعارض ومصالح المجتمع ) .وحتي يكون المثقف السياسي ذو مصداقية عند القارئ؛ بفهمه وتحليله لأي صراع سياسي أياً كان موقعه الجغرافي.. فعليه الانطلاق من ارضية صلبة مرتكزها منهجية التحليل، وفي الوقت الراهن يتعاظم دور المثقف وحيويته في ميادين المواجهة والتعبير عن طبقته الإجتماعية والنضال من اجلها، فدوماً تتناظر القضايا في عقليته فلا يحسم لها امر، فبابها لا يعرف لرتاجه أثر، وطارقه لايُقضي له وطر. الاّ أن ما خطه كاتب المقال الذي بناه .... ولا أقول علي التحليل الخاطئ وإنما علي سوء فهم مقصد جهاز أمن السلطة، حيال هذه القضية ومحاولة الكاتب تزيينها بغير السياسي. رغم أن إرتفاع درجة حرارة السياسي فيها لم تغيب شمس حقيقته لكل حصيف مستدرك، ولكن ربما حالة اللاوعي التي عايشها كاتب المقالة اثناء كتابته التي حجبت ضبابها الكثيف عنه فايل جهاز الامن الاسود الملطّخ بكل ما هو قبيح وإنْ تغيّرت آلية القمع في ثوب العدالة الزيف، فاي عدالة تخيلية تتحدث عنها استاذي الجليل؟ وجهاز الامن نفسه محصّن بموجب الدستور ولا يمثل امامها؟ فالعدالة كما الانسانية لا تتجزأ، القضية سياسية لا تحتاج لازاحة غبش يعتم الابصار. فالكاتبين شهدت لهما الساحة الاعلامية معارك لايهدأ صليل اقلامها دون علو كعب احدهم علي الاخر، لانهم تصدوا لقضية هزّت الانسان السوداني وانها لجديرة بعناء البيان دون ان تعصف بهم الازمات علي حافة هاوية القنوط؛ بما اوتوا من استعداد فطري لمجابهة السلطة بكل عتادها. وبما انك تناولت مقالة الدكتور عمر القراي "الاغتصاب في ظل الشريعة" وافردت لها مساحة بالتحليل وكأن هناك دافعاً ما.. لا اعلمه ولكني استبعد ان يكون دافعاً شخصياً لأن من خلال كتابتك التي تؤكد ماجافاة روحك عنت الغل ولسانك لؤم المحاسدة تستبعد الشخصنة عما سطره قلمك. فاستميح القارئ لشئ من مساحة كذلك. لقد عودنا د. القراي علي مواجهة سكرات الكتابة وحيداً لإيجاد مايليق بما يعتمل في سريرته من نبل المقصد وتقليب الترب التي تُربّت فيها المفاهيم السائدة، وسياط كلماته تلهب عقلية القارئ التخيلية والارتحال به الي اكون أرحب بإنحيازه للإنسان السوداني وما يعانيه من قوم طغوا في البلاد فاكثروا فيها الفساد. فكانت مقالته التي استمسك فيها بعروة العقل من وجهة نظر ترمي لنبل المقصد المرام تحقيقه وفضحاً للممارسات عملت علي انهيار مواثيق شعبنا الاخلاقية ذات الموروث الثمين، لذلك وقف شعبنا وتجلي دوره بمختلف طُرز حياتهم ومشاغلهم وطباعهم متشابهة أو متباينة الاّ من تغلبت الانا فيه. فالشعب المقصود هم الشرفاء الذين لم يبخلوا بالتعبير عن رفضهم بكل ما هو متاح ولو بالاستنكار سراً، وهو من باب الطبيعي. فأي جرم ارتكبه كاتبنا؟ حتي تصف كتاباته بمعاداة السلطة وكأن بطون الكتب عزفت حوائها عن مدك بما تستسيغه عقلية القارئ؟ ومن يعادي؟ السلطة!!!! ولقد بنيت هذه المعاداة الافتراضية علي ارضية الفكر الجمهوري........ لذلك كان بنيانك اوهن من بيت العنكبوت. فالجمهوريون احد سماتهم انهم يتعاملون بفلسفة المسيح عليه السلام يمدون خدهم الاخر اذا ما صُفعوا علي الاول فهم لا يترددون في قول (لا) امام سلطان جائر. وجراء المجاهرة هذه دفع مؤسس فكرتهم حياته ثمناً واعتلي منصة الاعدام بثبات شهد له العالم. عندما تجرّد الشهيد من الخوف واصبح ليس في حوجة للشجاعة، لذلك امثال د. عمر القراي اذا عادي فإنه لا يعادي لأنه جمهوري. الاستاذ محمد عثمان ابراهيم ... ما اتيتنا به هو اصدار حكم قبل ان ينطق به قاضي المحكمة، وبالمقابل هو انكار لحرية الانسان، وبإنكارها علي الانسان يصبح ادني الي الحيوان واقرب الي المادة. والمؤسف اكثر وهي مجيئها من احد ابناء الحقل الاعلامي. فبدلاً ان تكون المثقف الماجد الذي يزيل الغشاوة عن العيون، تسربلت عباءة الفقيه الدنيوي الممجِد .. انك اردت ايقاظنا من سِنة، فنتمني ان يتم ايقاظك من سبات.