الآن و لقد عدت إلى بلادي مفارقاً القصيم و القصمان يحق لي قول ما كنت أود قوله و لم أستطع ,وظل حبيس صدري لسنوات عشر,عانيت ما عانيت و أنا أكتمه, فهنا أي في بلادي ووسط عشيرتي لن يستطيع وكيلاَ أو صديقاً أو حتي صديقاً غير حميم من أن يمارس عليَ أية نوع من الضغوط أو الترهيب. فما عدت مرعوباً من أبي سليمان أو أن أوصف بالمداهنة من قبل دوغرياً أو بالتملق يصفني به أية سلامة أو أي وصف من الأوصاف المرعبة الآن يحق لي القول انه و أنت في طريقك إلى عنيزة قبيل شروق الشمس مغادراً البدايع حالماً بأن تستوعب أكبر قدر ممكن من الروعة في عنيزة ترى أن الشمس تتوارى خجلاً خلف أشجار النخيل الباسقة المتكاثفة عند مزارع البسامية . فالشمس لا تستطيع مقابلة عنيزة دفعة واحدة فذلك فوق إحتمالها فأتخذت النخيل ستاراً لتستوعب هذا الجمال الغامر رويداً رويداً و كأنها تسترجع الشاعر العربي يصف سريان الخمر . و لكنك تفيق من السكر هنالك و لا صحو لك هنا فالأمر يتعاظم متراكماً و أسراب النمل تدب فيّ و كأني بها منذ نبي الله سليمان. أو لعلها خجلى من هذا الجمال الأخآذ والفتنة الطاغية أو لعله الطهر. تحث الخطى مسرعاً لعلك تحظى بلقاء الأستاذ العبيكي. وأنت في طريقك إلى مكتبه يستوقفك احدهم شاكراً لك ترك بلادك مشاركاً لهم في حمل المهمة الثقيلة, و يرحب بك, وحيثما تحدث تجد الود و الإخاء فتقول محدثاً نفسك هذا نوع نادر من الآباء فما سمعته عن هؤلاء السعوديين لا يبشر بالخير و خاصة المسئولين منهم. وتمضي في طريقك فلا تجد الأستاذ ابراهيم ولكن تتوجه لأبي الرشيد الرجل المرهف و تبدأ أنت في حساب كلماتك فمثل هذا يجب أن تحرص في إختيارك لكلمات الود و الحب حتى تختار أرقها و أعذبها فهنا نموذج لما يفعله العلم و المعرفة في النفس الرقيقة . و تسأل عن اين هو المدير العام و يتبسم القوم, الا تدري بأنه كان يتحدث معكم قبل لحظات ! و علق على الإعلان التجاري للدخان الذي كان يحمله احدنا ووجهه بلطف يجبرك على فعل أشياء ما كنت لتفعلها لو طُلب منك ّلك دعك من أن تؤمر بفعلها. تترك إدارة التعليم و أنت لا تدري ماذا تفعل بما تبقى لك من وقت , فإدارة تعليم تتعامل بفهم متخلف(ليس هنالك خطأ مطبعي ) عن كثير من إدارات التعليم عندنا و عندهم فالأمر سيان .فهم,غفر الله لهم وهداهم, أهل عنيزة يعتقدون أن زمن الناس له قيمة و لا ادري من اين لهم هذه الفرية العجيبة فالأستاذ علي المطيري و اركان حربه ينجزون الأمور بسرعة مزعجة و غيرهم لا يدري أن هنالك إختراع يدعى الساعة. فتذهب متجهاً نحو بيت الطالب و النخيل يصطف حاملاً من التمر أصفره و أحمره وثلاث تمرات هن وجبة كاملة الدسم و قنينة ماء من مياه القصيم قادمة من البدايع تطفئ الظمأ و يجيئك علي المطيري مسرعاً ليحملك لبيت الطالب فهو يخشى من ان يسبقه أحدهم بالفضل فأهل عنيزة سباقون و يتسابقون للفضل. او لم تكن واحة لحجيج بيت الله ؟فهم يتسابقون في دعوة الغريب في مساجدهم حتى يفوزوا بالفضل و قد فازوا. ففي عنيزة يكرم الغريب و عابر السبيل . و تقودك قدماك إلى سوق الخضرة ويمضي الوقت ضاحكاً لعلمه بانه سيذهب إلى مكان ما حيث يمضي متثاقلاً.و لا تشعرنّ وإلا و الآذان داعياً إلى الصلاة من فوق مسجد الشيخ وتذهب حيث المكان يكاد يمتلأ بطلاب العلم فاليوم ليس جمعة و إلا كنت لتشفق على هذا الرجل الحافي القدمين في رمضاء تستعر ذاهباً ليؤدي صلاته مستصحباً معه ما أستطاع من سنن خاتم النبيين و الرسل . و الآن حان وقت الأصيل و بدأت قافلة الجمال تتحرك فالعروس دائمة العذرية و التي تُزفُ يومياَ لأبي الفوارس و الذي يردها عذراء لعلمه بأنه لم يبلغ بعد مبلغ أن ينالها وتتهيأ وصيفاتها ليخطرن من خلفها ومن أمامها و عن يمينها و عن يسارها فهن أحجار كريمة لتزيينها. أكبرهن و ليست أجملهن تأتي من مفترق طرق الرياض و بعضهم ينطلق من وادي الرمة واخرى تأتي مبكرة وخامسة تقبع خلف درع الجزيرة و المذنب يطلب السماح و اخرى يحولها الجلعود لمركز آخر للجمال الفاتن و الذي بعكس كل المدن ينطلق من الداخل خارجاً و يصفعك جمالها كلما غبت عنها فهي تزداد جمالاً و ألق و تسمع فيها صوت العلم و التواضع فالجبر يعيش هاهنا ! وتحتوى تلكم المدينة على صغرها المحيط المحيسين الهادي و صقيرها و ما أوجع التصغير هاهنا و ما أظلمه في كلا الرجلين. سريعاً ما يأتي المساء وتصخب كل المدن . والصخب معلوم ما أصطحب معه دوماً في المدن الأخرى (إلا )عنيزة . و ما أدراك ما (إلا). فعندهم تعني أجل و عندنا فلتسأل عرينياً من البدايع فعنده خبر (إلا )عند قومي و سيأتيك بالخبر اليقين.فالمساء يعني جولة داخل عنيزة و لعلها كما قال الشاعر السوداني قدلة(تعني أن تمشى هوناً مستمتعاً بما حولك ) قدلة يا مولاي حافٍ حالق . وتبدأ من دوار الساعة و تعود إليه كلما أكملت جولة شمالاً أو جنوباً .ِشرقاً أو غرباً . و تنام عنيزة مبكرة ففتيات عنيزة لا بد ان يذهبن إلى المدارس مبكرات أو لستن رائدات التعليم في جزيرة العرب والرائد لا يعيش حياة العوام . أحبتي أهل البدائع: قال الرسول صلى الله عليه و سلم و هو يصف ميله الذي لم يمنعه من العدل ( اللهم هذا قسمي فما تملك و لا املك) فما بالي أنا أُبالي و لكم حبي و شوقي وإحترام يبقى ما بقي وادي الرمة وعشقٌ لا ينضب لعنيزة.