أثارت جولات وحوارات ومذكرة ناظر عموم قبائل الأمرأر والعموديات المستقلة المعنونة لرئيس الجمهورية جدلا واسعا في الشهور الأخيرة وصارت مادة دسمة في وسائل الإعلام والمنتديات المختلفة . لم يكن المثير في الأمر هو حزمة المطالب التي وردت في المذكرة ولقيت التفهم والإطراء من الخرطوم وتداعت بعد جولات من الملاحقة والتشكيك إلي القبول بها من قيادات نافذة بالبحر الأحمر تحت إشراف ووساطة السيد موسى محمد أحمد مساعد رئيس الجمهورية ، وتم تناسيها بعد حضور السيد الوالي من رحلة الإستشفاء. المثير في الأمر والذي يرقى إلي مستوى الظاهرة في حياتنا هو شخصية السيد علي محمود أحمد – ناظر عموم قبائل الأمرأر والعموديات المستقلة في ذاته. إن هذا الرجل بنقاء سريرته ( وتواضعه وهو كبير) ووجدانه الذائب في وجدان شعبه ... ونفاذه إلي قلوب مواطنيه ... في أعماق همومهم ودواخلهم وتواجده معظم الوقت بين ظهرانيهم ، وحكمته وحياديته وعدالته وهو يحكم بينهم ... وجاذبية قيادته ، وكاريزما شخصيته المحببة ، وبراءة ذمته ، وعفتة المشهورة وخفة دمه ، وتجاربه الثرة التي أكسبته موقعا متميزا بين القبائل. إن هذا الرجل بكل هذه الخصال التي أوردناها دون شطح أو مغالاة ... يحاكم عقودا من ابتذالنا ... وضياعنا المشهود في أتون ثقافات ضحلة غرقنا فيها عقودا متوالية منذ الومضات الأولي لفجر مايو وإلي يومنا هذا. إن هذا الرجل بالرغم من أنه يطالب مطالب محددة تقتصر علي بنود مشروعة وعادية وفي منطقة لا يستغرب صوته فيها... إلا أنا تعودنا القهري... على مسخ الهتافات الساقطة في بورصة الهراء السياسي ومزادات الذمم .... نشعر بالنشوة والدهشة إذ نستمع إلي صوت صادق. هذا الرجل لا يمكن تجاوزه بأي حال من الأحوال ولا يمكن حصاره في إطار طموحات ضحلة . إن هذا الرجل آهل لتجاوز معطيات المذكرة . إنه قد يطرح أجندة فيها بعض غضب الشرفاء وأعزة القوم وأي أجندة مهما علا سقفها لا تعلى علي مثله. إن ظروف السودان الحالي معروفة ومقدرة وحرجة وما يطرحه الرجل هو بعض من هذه الظروف وليست أمرا هامشيا يؤجل إلي آماد غير محدودة . وعندما يطالب رجل مثله - عزيز شأن وكبير قوم بين أهله بأي مطالب مشروعة ( ككل أهل السودان ) لا يصح أن يقال له على صفحات الصحف السيارة كيف تطالب مثل هذه المطالب وأنت لا تملك تنظيما مسلحا ؟ إن الرجل يملك كل ما يؤهله للمساهمة والحوار والشراكة المتقدمة في صنع القرارات المحلية والوطنية ، وهو يملك أغلي خصال القيادة الحضارية والتاريخية وهي الشجاعة والنقاء والإخلاص والإيمان وصدق المواطنة وهي خصال صنعت القادة التاريخيين علي مدي العهود الطارفة والتليدة. إن أهل الشرق مطالبون بتجاوز الأجندة الدخيلة علي علاقاتهم التاريخية الراسخة. إن السنوات القليلة الماضية حفلت بخروقات خطيرة في موروث علاقات التعايش في الشرق القائمة علي سماحة لأعراف والعلاقات السلمية والتواصل الجميل السلس بين كل القبائل ومكونات المجتمع الشرقي. نحن لا ندري لماذا هذا الإصرار علي ترسيخ أجندة الاصطراع القبلي وتحريض النعرات السلبية بصناعة وقائع علي الأرض تزرع هذه الأوضاع. إن ناظر الأمرأر والعموديات المستقلة وبالرغم من أنه ينطلق بذاته من عنوان قبلي صنعته الوقائع التاريخية والحضارية للمنطقة ، إلا أنه يطرح رؤية حديثة تُرقّي هذا الواقع إلي معطيات أفضل تضمنه في علاقات مدنية تتجسر علي العدالة والإنضاف والحقوق المتساوية.... بعيدا عن قسر الحقائق وصناعة وقائع مفبركة علي الأرض تمهيدا لإقصاء الآخرين وإنتاج حقائق مزورة لمصلحة نخب في السلطة. إن بعض السياسيين في الشرق صار كل همهم المحافظة علي هذه المناصب أو الهرولة المحمومة لاقتناصها بأي ثمن ولو علي حساب كرامتهم أو مصالح مجتمعاتهم ، حتى أصبح ثمن المحافظة علي المنصب هو الصمت والتضحية بالرأي الحر والتنازل عن كل بما يقتضيه الموقع من اجتهاد شخصي أو رأي مخالف والاكتفاء بذريعة إن كل الرأي وكل القرارات وكل الخطأ ينحصر في شخص واحد. إننا نراهم على نقاء هذا الرجل وتطلعاته المتقدمة إلي ترقية مجتمعاته الريفية والانتصار لحقوقه المشروعة ، وإلي نواياه الصادقة في خلق علاقات حسن جوار حقيقي مع المجتمعات القبلية التي تجاوره قائمة علي العدالة والمساواة في الحقوق والواجبات. ونستغرب كل الاستغراب وكل هذا الهروب والغياب من طليعة حوله كان من المتوقع أن تقف معه إن كان محقا أو ترجعه إلي صوابه لو أخطأ. ولكننا في الكفة الأخرى مطمئنون لخطاب الرجل وواقفون خلفه في كل خطوة حق يخطوها . ونقول بملئ افواهنا إننا دعاة للحوار العاقل السلمي مع كل من يشاء. ونكرر أننا تحت سقوفات الحوار نتطلع إلي بناء مجتمعات متقدمة ناهضة في اريافنا وبالتالي نحن واقعيون ومضوعيون في تشجيع كل خطوات مقنعة وايجابية في إحداث طفرات مشهودة في أرضنا ومدننا وحياتنا في الوقت الذي نتمنى فيه – في الكفة الأخرى – ان نكون أحرار في إبداء رأينا ... متمنيين أكثر أن يتتحقق واقع يبعدنا عن هذا المعترك بالقسري ( داخل البطاقات الضيقة ) إلي طموحاتنا العملاقة نحو الاستحقاق الوطني العريض.