من البرامج التي استحوذت عقول العامة خلال شهر رمضان – برنامج أغاني وأغاني. وكان لها باع وفضل في بعث روح كثير من معالم الأغنية السودانية وأغاني التراث. والكل يعرف أن كل أرجاء الشبكة العنكبوتية تمتلئ بحلقاتها، وتجد في صفحات اليوتيوب سيرتها بالتمام والكمال. فهذا فضل لها ولمن قام بأمرها، يجب علينا، من باب نزاهة العمل النقدي، أن نشير إليه ونشيد به. برافو! لكن دعونا وبكل أمانة أن نطرح السؤال الآتي: بماذا أتت حلقات هذه السنة 2011؟ ما هو الجديد؟ ما هو الفرق بينها وبين حلقات 2010؟ اللهم إلا أنّ موضوع الحلقات قد تغير من فنان إلى آخر. ومن ثمّ غُيِّرَ مكان الجلوس من كراسي "المتشتحين" الفارهة، إلى كنبة المدرسة الأولية؟ وذاك ليس من الذوق في شئ. ففي السنين الماضية كنت أعتز بها وأشاهد حلقاتها الممتعة باليوتيوب وتعلمنا منها الكثير عن تراثنا وحضارتنا. لكن وبكل صراحة، فتحت اليوم حلقاتها الجديدة، ووجدت أنها لم تتقدم تلك الحلقات في مادتها ومضمونها القديمين سينتمترا واحدا. فظلت تقبع على النجاحات التي قطفتها الأعوام المنصرمة دونما الدأب لقطف ثمار نجاحات تتبعها وتفوقها قمة وعلا. ربما يتبادر إلى ذهن القارئ السؤال الآتي: يا أخي "سيد الحق" أي المشاهد "راضي، شن دخل القاضي"! لكن ليس في هذه القضية قاض ومقضي عليه. ذاك هو أمر تراث السودان النير وما نرجوه له من تقدم ورفعة بين الأمم. ففيه لا نخشى في الله لومة لائم. أكرر، من المؤسف، أن توقعاتنا التي أملناها ورجوناها في قيادة الأستاذ السر قدور الحكيمة وفي جمال الأخ الرائع، منتج البرنامج، في الرفع من المستوى الموسيقيّ والمعرفي والأداءوي لهذه الحلقات - والكمال لله - ذهب هباءا منثورا. الظاهر أن الذي قد كُلِّلَ بالنجاح، ضاره الغرور وأبطره عن مواصلة السير في موكب نجاحات تتابع وتؤتي أكلها لكل محب وحادب على مصلحة الفن بالبلد. من المؤسف، أن تلك الحلقات صارت مكرورة المضمون ، تتهافت عليها براغيث وأرضة الاتكاءة المريحة لتستأكل من ركود مضامينها، التي تفتقد، وحدث ولا حرج، للروح الدفاقة المؤرخة لتراث نير، المتفردة في إخراج القالب الفني والموسيقي بثوب منغم سلس تحتويه الدهشة والجديد، متأنقا في كل مرة بلون زاهي يشد المشاهد، ويترك في نفسه أثر قائلا بلسان حاله: يا سلام يا للأبداع، ويا للروح الخلاقة المبتكرة! فالسودان يعج بخيرة العازفين والموزعين والملحنين والشعراء والمطربين. فلماذا ينحصر الأمر على هذه الحفنة من الواعدين ، عدا عصام محمد نور وعاصم البنا وفرفور ونادر خضر وطه. فالواعدين صغار السن وكلهم (أو كلهنّ) يفتقد للممارسة الجديّة التي تصقل الموهبة بهذا الفنّ كما تقتضي نواميس هذا الأخير. ومنهم من يحتاج إلى دروس في علم الصوت (الفونتكس والفنولوجيا) والنطق والنبر والأداء الموسيقي للجمل وتحسين العِرب الصوتية واتكيت المداخلات (الكل يعوعي سويا) ثم متابعة الفرقة الموسيقية من دخلات وخرجات وقفلات وطلوع ونزول، وفي الآخر الحضور الآني للمطرب، لا الشخصي، وكأنها يجلس بغرفة نومه أو مسطبة الجيران، الخ. والله لولا وجود روح عظماء الأغنية، عل سبيل المثال، خلف الله حمد، هذا العملاق، وبنيه (أحفاده)، الذين لم يفسح لهم المجال لتأريخ حياته في سانحة مثل هذه، ولولا علم السرّ قدور وكلامه الفضي الشيق لما استمرت حال التفوق الى اللانهاية. لكن، رغم حديثه الرفيع، ففي بعض الحالات، سيما عندما يكون في معيته أهل من العارفين عموما أو بالفنان، فإن صمته من ذهب. نتمنى لهم السعي في إدراك النجاح "وإلى القمة" يا أسرة أغاني واغاني، فلكل مجتهد نصيب!