شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني في أوروبا يهدي فتاة حسناء فائقة الجمال "وردة" كتب عليها عبارات غزل رومانسية والحسناء تتجاوب معه بلقطة "سيلفي" وساخرون: (الجنقو مسامير الأرض)    الدفعة الثانية من "رأس الحكمة".. مصر تتسلم 14 مليار دولار    قطر تستضيف بطولة كأس العرب للدورات الثلاثة القادمة    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني في أوروبا يهدي فتاة حسناء فائقة الجمال "وردة" كتب عليها عبارات غزل رومانسية والحسناء تتجاوب معه بلقطة "سيلفي" وساخرون: (الجنقو مسامير الأرض)    شاهد بالصورة والفيديو.. طفلة سودانية تقلد الفنانة هدى عربي في أغانيها ورقصاتها وتضحك الجمهور والحاضرين الذين قاموا بتصويرها    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    سعر الدولار في السودان اليوم الأربعاء 14 مايو 2024 .. السوق الموازي    وسط توترات بشأن رفح.. مسؤول أميركي يعتزم إجراء محادثات بالسعودية وإسرائيل    حصار ومعارك وتوقف المساعدات.. ولاية الجزيرة تواجه كارثة إنسانية في السودان    عالم آثار: التاريخ والعلم لم يثبتا أن الله كلم موسى في سيناء    صندل: الحرب بين الشعب السوداني الثائر، والمنتفض دوماً، وميليشيات المؤتمر الوطني، وجيش الفلول    هل انتهت المسألة الشرقية؟    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    "بسبب تزايد خطف النساء".. دعوى قضائية لإلغاء ترخيص شركتي "أوبر" و"كريم" في مصر    تقارير تفيد بشجار "قبيح" بين مبابي والخليفي في "حديقة الأمراء"    أموال المريخ متى يفك الحظر عنها؟؟    المريخ يكسب تجربة السكة حديد بثنائية    قطر والقروش مطر.. في ناس أكلو كترت عدس ما أكلو في حياتهم كلها في السودان    مدير عام قوات الدفاع المدني : قواتنا تقوم بعمليات تطهير لنواقل الامراض ونقل الجثث بأم درمان    لأهلي في الجزيرة    تامر حسني يمازح باسم سمرة فى أول يوم من تصوير فيلم "ري ستارت"    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    شركة "أوبر" تعلق على حادثة الاعتداء في مصر    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    هل يرد رونالدو صفعة الديربي لميتروفيتش؟    لاعب برشلونة السابق يحتال على ناديه    محمد وداعة يكتب:    انتخابات تشاد.. صاحب المركز الثاني يطعن على النتائج    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    السودان..اعتقالات جديدة بأمر الخلية الأمنية    شاهد بالصور.. (بشريات العودة) لاعبو المريخ يؤدون صلاة الجمعة بمسجد النادي بحي العرضة بأم درمان    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    روضة الحاج: فأنا أحبكَ سيَّدي مذ لم أكُنْ حُبَّاً تخلَّلَ فيَّ كلَّ خليةٍ مذ كنتُ حتى ساعتي يتخلَّلُ!    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    القبض على الخادمة السودانية التي تعدت على الصغيرة أثناء صراخها بالتجمع    الصحة العالمية: نصف مستشفيات السودان خارج الخدمة    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    وزير الداخلية المكلف يقف ميدانياً على إنجازات دائرة مكافحة التهريب بعطبرة بضبطها أسلحة وأدوية ومواد غذائية متنوعة ومخلفات تعدين    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حول دعوة د. عبد الله أحمد النعيم 3. الذاتية عند النعيم فلسفة
نشر في سودانيزاونلاين يوم 20 - 09 - 2011


بسم الله الرحمن الرحيم
(مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ، وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا).. صدق الله العظيم..
لا زلنا، بصدد وجوه الذاتية المفرطة في طرح د. عبدالله أحمد النعيم.. فقد وصل به الأمر حد اعتبار الذاتية أمراً أصيلاً في الطبيعة البشرية، بالصورة التي تجعل كل فرد لا يرى إلا رأيه الشخصي، على نحو يصعب معه، إن لم نقل يستحيل، الاتفاق بين البشر.. اسمعه يقول مثلاً: (التناقض الجوهري في مفهوم الدولة الدينية هو أنه زعمٌ بالحكم الإلهي المقدس بواسطة البشر، وهم مجبولون على الخطأ والهوى والاختلاف فيما بينهم، مع إصرار كل منهم على أن الحق معه هو، والباطل بالضرورة واقع على كل من يخالفه الرأي).. علمانية الدولة ص 394.. لاحظ التقرير الذاتي السلطوي في عبارة (زعم بالحكم الإلهي المقدس بواسطة البشر)!! فهو لا يورد أي دليل على تقريره هذا، ويعمّمه على كل حالات الدولة الدينية.. وهو يعلم، تمام العلم، أن الدولة الإسلامية، في دعوة الأستاذ محمود، تقوم على الديمقراطية، والاشتراكية، بصورةٍ هي من أكمل صور الديمقراطية، على إطلاقها.. راجع كتاب (أسس دستور السودان)، وكتاب (الإسلام ديمقراطي اشتراكي) الذي صدر مؤخراً عن دار النهضة العربية، القاهرة..
وما يعنينا هنا هو تصور د. عبدالله للطبيعة البشرية.. فالبشر، عنده، مجبولون على الخطأ، وهذه مبالغة في المغالطة.. الواقع هو أن البشر مجبولون على الخطأ والصواب، وهذا هو أس كمالهم، حتى على الملائكة، لأنه يفتح لهم باب الحرية، وباب التطور، غير المتناهي، في مجال المعرفة من خلال التجربة، في الخطأ والصواب.. والجبلة تعني الطبيعة الأساسية، الفطرة.. والطبيعة الأساسية للبشر هي ما خلقهم الله عليه منذ البداية، فهو تعالى قد خلقهم في أحسن تقويم: (لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم).. ثم رُدُّوا الى أسفل سافلين، ولكنهم اجتبُوا، وندبُوا، ليستردوا مقامهم، في أحسن تقويم، عن طريق التجربة في الخطأ والصواب.. وهذا ما يجري عملياً في واقع البشر، فهم يتعلمون من خلال التجربة، في الخطأ والصواب، ويتطورون في معارفهم، وفي حياتهم.. فالواقع الفعلي، يكذّب هذا التصور الباطل للطبيعة البشرية، عند عبدالله.. فلو كان الأمر كما يقول عبدالله، لما تطور البشر، لا في المعرفة، ولا في الحياة.. وغيرُ صحيحٍ أيضاً القول بأن البشر (مجبولون على الهوى والاختلاف فيما بينهم مع إصرار كلٍّ منهم على أن الحق معه هو، والباطل بالضرورة واقع على كل من يخالفه)!! كل هذا قد يقع من البشر، ولكنه ليس جبلة ثابتة في طبيعتهم، بل هو حالة مرحلية يخرجون منها كل حين.. وإنما جاء الدين بمنهاجه، وتشاريعه، وقيمه، ليخرجهم من الهوى والخطأ والاختلاف.. ذلك أن بداية الإيمان، تقوم على التخلي عن الهوى.. يقول المعصوم: (لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئتُ به).. والواقع الفعلي للبشر، خلاف ما يصف عبدالله، فالناس يختلفون ويتفقون.. والذين يصرون على رأيهم، ولا يرون غيره، لا يمثلون القاعدة العامة عند البشر، وإنما هم استثناء.. فظاهرة التعصب موجودة، ولكنها ليست هي الطبيعة البشرية الأصيلة _الجبلة_ ولا هي الأمر الغالب على البشر..
ويقول عبدالله: (وقد جُبِل الإنسان كذلك على الاختلاف مع الإنسان الآخر، فلا يتفق اثنان على أمر إلا في حدود ضيقة ولوقت محدد. وبالتالي، فكلما ذهبنا الى التفصيل في الفهم والاستمرارية والمواصلة في العمل، وكل ذلك ضروري ولازم في أمور الحكم والإدارة والقضاء، زادت احتمالات الاختلاف. وكذلك من طبيعة الانسان أنه لا يحتمل النقد ولا يصبر على الاختلاف في الرأي، بل بدايات الاختلاف نفسها تبعث على دواعي المزيد من الاختلاف واحتمالات الفجور في الخصومة).. علمانية الدولة ص 394.. هذا، كله، باطلٌ، شديد البطلان، والواقع الفعلي يكذبه.. فالقول (لا يتفق اثنان.....الخ) مبالغة في الشطط تدل على مستوى تفكير صاحبها.. الواقع الفعلي أن مليارات البشر يتفقون، وفي كثير من التفاصيل، ولزمن طويل.. فالمسلمون، والمسيحيون اليوم، تعدادهم بالملايين وهم يتفقون على أساس ديانتهم، وعلى الكثير من تفاصيلها، والتفاصيل الدقيقة، رغم وجود الاختلاف.. وكذلك الحال بالنسبة للبوذيين.. وغيرهم وغيرهم.. ويكاد كل البشر من الراشدين، الذين تلقوا نصيباً من التعليم، يتفقون على قضايا العلم الأساسية، وفي تفاصيلها، التي تصل حتى جزيئات الذرة!!
وعملياً الحوار بين البشر جارٍ، وفيه الناس يغيّرون مواقعهم الفكرية.. والأمر الواضح جداً، أنه بحكم هيمنة الحضارة الغربية، يكاد يكون كل البشر، تُبّعٌ لقيمها، حتى أصحاب الأديان الكتابية.
الاختلاف بين البشر ليس أصلاً، تقوم عليه الجبلة، وإنما هو فرع، والسبب فيه الجهل.. والجهل ليس ضربة لازب على البشر، وإنما هو أمر مرحلي.. وكل يوم، بفضل الله، يخرج البشر من الجهل الى العلم، ومن الاختلاف الى الاتفاق.. واذا نظرنا إلى ما يختلف فيه البشر، نجد أنه لا يساوي شيئاً، بالنسبة لما يتفقون عليه.. والباب مفتوح على مصراعيه، أمام البشر، لمزيد من الاتفاق، والتطور في مجال الاتفاق، بتحقيق المزيد من العلم والمعرفة.
إن الأمور التي تتحدث عنها أنت، وكأنها دعوتك الخاصة، مثل: الديمقراطية، وحقوق الإنسان، والدستورية، والمواطنة...الخ هي أمورٌ متفقٌ عليها من حيث المبدأ من معظم البشر اليوم، ما خلا جيوب قليلة جداً.. وأنت ليس لك فيها أي دور وإنما هي تراثٌ بشري، تم التوصل إليه بفضل الله، ثم بفضل التطور الحضاري الذي تُوِّج بالحضارة الغربية السائدة.. وهي أمور لا تحتاج أن يتحاور الناس حولها، من حيث المبدأ، فالمبدأ قد استقر.. وما يحتاج الناس أن يتحاوروا حوله، هو كيفية تحقيقها في المستوى الذي به تتحقّق كرامة الانسان، في الأرض جميعها.. وهذا المطلوب، هو ما تعمد أنت، عملياً، إلى صرف الناس عنه، في طرحك، بافتعال قضايا جانبية، لا علاقة لها بالواقع، وبتقريراتك هذه عن الطبيعة البشرية.
على كلٍّ، الوحدة الإنسانية هي التحدي الأساسي الذي يفرضه الواقع الحضاري، والبيئة الجديدة التي أوجدها، بتوحد الكوكب الأرضي.. فبدل التثبيط، وجعل الوحدة البشرية في حكم المستحيل، الأولى بنا أن نبحث عن سبل هذه الوحدة، ونعمل على تحقيقها.
ما يقوله د. عبدالله، وما يقرّره، جزافاً، من تقريرات، إنما هو مجرد اسقاط.. فهو يعمد إلى إسقاط واقعه الشخصي، على الآخرين، ويعمّمه كقاعدة عامة، بناء على تصور زائف للطبيعة البشرية.. فهو في النص، الذي سبق أن نقلناه عنه، يقول إنه يصر على البشرية، وبالطبع البشرية التي يراها هو، فيما نقلناه عنه أعلاه.. ثم هو يزعم أن أي دعوة لدولة خالية (من الفساد والغرض والهوى) هي دعوة مضللة ومخادعة، إذ يقول: (لا يمكن لأي مؤسسة بشرية أن تحقق الحياد، والمساواة، وحقوق المستضعفين، وهذا هو خطأ جوهري في زعم الدولة الدينية.. هنالك من يدعي أن الدولة الدينية خالية من الفساد، والغرض، والهوى، وأنا (عبدالله أحمد النعيم) أقول من يزعم هذا إما مضلّل لنفسه أو مخادع للناس، لا يمكن أن يتم ذلك لبشر، وأنا أصر على الاحتفاظ بالطبيعة البشرية للدولة).. فالطبيعة البشرية عنده، لا يمكن أن تتخلص من الفساد والغرض والهوى، وكذلك الدولة، من باب أولى!! كما أنه، في نصه هذا، ينفي أي إمكانية لنصرة المستضعفين، وتحقيق حقوقهم، وهو نفي ينبع، بالضرورة، من رأيه الشخصي في الطبيعة البشرية..
كل أقوال د. عبدالله هذه، يدحضها الواقع الحضاري القائم، ويدل على بطلانها، فعملياً البشر في الأرض، تطوروا كثيراً بالنسبة لماضيهم، وإن كانوا بعيدين عن التحديات التي يفرضها الواقع، من حيث الفكر، ومن حيث القيم، ولكن استعدادهم للتغيير، ومقدرتهم عليه، كبيرة جداً.
من أغرب أقوال عبدالله النعيم في هذا الصدد قوله: (الصراع الإنساني والاختلاف هي الصفة اللازمة للطبيعة البشرية، وستبقى كذلك حتى يوم القيامة).. جريدة الصحافة السودانية، لقاء صلاح شعيب. ويقول كذلك: (الاختلاف هو سنة الله سبحانه وتعالى في البشر، ولن ينتهي بحكم نصوص كثيرة في القرآن)، وكعادته لم يورد أي نص من هذه النصوص الكثيرة.. وبالطبع هو يعني الاختلاف بمعنى عدم الاتفاق، والصراع، وقطعاً هذا ليس سنة الله في خلقه.. فسنة الله في خلقه، هي الوحدة، وعدم التفاوت، في الأصل: (ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت).. فجميع خلق الله مسلم لله في الحقيقة، ومنقادٌ لإرادته، فطرةً، وتلك هي سنة الله في خلقه.. ولأن الألوهية لا تكرر نفسها، فهي لا تتجلى لشيئين تجلياً واحداً.. ولا تتجلى للشيء الواحد، مرتين، نفس التجلي.. وهذا معنى بعيد عما يتحدث عنه عبدالله.. فهو يتحدث عن الصراع بين البشر، والاختلاف فيما بينهم في الرأي، وتعصب كل منهم لرأيه، بالصورة التي تحول دون اتفاق اثنين، كما يزعم.. وهو يعتبر كل هذا سنة الله، في الخلق، والجبلّة التي جبل عليها الإنسان.. ورأيه هذا يتسق مع منطقه المدني، الذي يقوم على التناقض بصورة أساسية.. والغريب أنه يزعم لهذا المنطق أنه (مرجعية مشتركة بين عامة المواطنين) وفي نفس الوقت يقول إن البشر، بطبيعتهم، لا يمكن أن يصلوا إلى اتفاق بينهم!!
والسؤال هو: اذا كان الاختلاف هو طبيعة البشر، والجبلّة التي جُبِلوا عليها، وهو سنة الله في خلقه، فما قيمة دعوة عبدالله؟! هنا تتجلى الذاتية المفرطة، في أوضح صورها.. قكل هذا الذي يقوله، ينطبق على الآخرين.. أما هو ودعوته، فهما خارج هذه الجبلّة، والسنة المزعومة.. فهو على الرغم من تقريره الحاسم بعدم إمكانية الاتفاق بين البشر، يعلن أنه يعمل، بكل ما في وسعه، لأن يكون هنالك، اقتناع، وإجماع على دعوته!! اسمعه يقول: (إننا نحتاج الى أن نوصل هذه الأفكار إلى الناس، ويجب أن لا نتوقع أن يأتي إلينا الناس من تلقاء أنفسهم. وبمرور الوقت أتمنى أن يتمكن الناس من اعتناق هذه الأفكار).. ويقول: (ولكن لا يمكن أن أتوقع أن أنجز الكثير بمفردي. ولهذا من المهم تحقيق إجماع)!!..مقابلة ايموري ان ذي ويرلد.. ويقول: (بعبارة أخرى فإن الدولة العلمانية قادرة على توحيد المجتمعات المتباينة عقائدياً في مجتمع سياسي واحد).. الصحافة 13 مايو 2000..
هذا فيما يخص دعوته.. أما عن المسلمين فهو يقرر: (لو كانت الدولة مكونة من المسلمين بنسبة 100% فإنهم لن يكونوا مسلمين على منهج سواء، المسلمون كانوا دائماً على اختلاف، وسيظلون دائماً مختلفين.. لذلك، ليس هنالك إجماع ديني)!! من لقائه مع باولا بيرنانديني..
وكما ترى، سنة الله، في الصراع والاختلاف قائمة في حق الإسلام والمسلمين، بحسب د. عبدالله.. أمّا في حق طرح عبدالله، ودولته العلمانية، فهي لا تقوم!! ولكنا، سنرى أن عبدالله، رغم كل هذا، يتحدث عن الإجماع، كمصدر أساسي، في الإسلام!! فعبدالله يرى بصورة مبدئية، أن الدين، يفرق بين البشر، وهذا هو السر في انصرافه عن الدين إلى منطقه المدني.. ولكنه، في نفس الوقت، يدعي أن منطقه إسلامي!! فما الذي يجعل الإسلام، كدين، يفرّق بين الناس، بصورة تؤدي إلى الاختلاف والتفرقة إلى يوم القيامة، ويجعل منطقه هو المدني، ذي المنطلق الإسلامي، يوحّد؟!.. الإجابة: (أنا عبدالله أحمد النعيم أقول)!!
قلتُ إن رأي عبدالله حول الطبيعة البشرية وما تقوم عليه من اختلاف، وعدم قابلية للاقتناع، عبر الحوار، هو مجرد إسقاط .. ومن أوضح الأدلة على ذلك قوله التالي، والذي قاله لبعض الأخوان الذين كانوا يحاورونه ليبينوا له أن دعوته تختلف مع دعوة الأستاذ، فقد قال: (بعدين الموضوع ده في النهاية أنا ما محتاج أقنع بيه أي زول، لأنو حقيقته وبطلانه بعلم بيه أستاذي، ويعلم بيه ربي)!! انظروا: (أنا ما محتاج أقنع بيه أي زول)!! ولكنه هناك، كما رأينا، يقول: (إننا نحتاج إلى أن نوصل هذه الأفكار إلى الناس، ويجب أن لا نتوقع أن يأتي إلينا الناس من تلقاء أنفسهم.. وبمرور الوقت أتمنى أن يتمكن الناس من اعتناق هذه الأفكار)!!.. ويقول لمن حاوره من الأخوان: (البحب أوكده إنو ما في فرصة لحسم هذه المسألة.. أنا رأيي كده.. أحمد دالي ولاّ غيرو من الأخوان والأخوات رأيه كده.. دي مسألة حتفضل كده.. أنا رأيي أنا ما مختلف.. عبدالله فضل الله أو عمر أو أي زول رأيه أنا مختلف، كويس.. خلاص!! ما في فرصة لحسم الموضوع ده)..
إذن، هو مصر على رأيه، ويرفض الحوار حوله، ويسقط موقفه هذا الذاتي، ويجعله جبلّة عند البشر حيث يقول عنهم: (هم مجبولون على الخطأ والهوى والاختلاف فيما بينهم مع إصرار كل منهم على أن الحق معه هو، والباطل بالضرورة واقع على كل من يخالفه).. هذا بالضبط ما ينطبق عليه هو بالذات، ولذلك يرفض الحوار مع من يختلفون معه، ويقبله مع من يتفقون معه!! فهو يقول في موضع آخر: (بالمدى الذي تسمح به صحتي ومقدرتي، سأكون مستعداً للذهاب إلى أي مكان للتحدث والنقاش حول هذا الموضوع).. في مكانٍ هو مستعد للنقاش، وفي مكانٍ آخر هو يوقف النقاش، لعدم وجود فرصة لحسم الأمر!! هذا التناقض هو سمة أساسية بالنسبة لطرح عبدالله، ومنطقه المدني ونحن سنفرد له حلقةً خاصة، ستكون أهم الحلقات التي تتناول ذاتيته المفرطة.
الأستاذ محمود، له تعريف واضح ومحدد، وشامل للإنسان، وهو وارد في معظم كتبه الأساسية، وبصورة خاصة، في مقدمة الطبعة الرابعة لكتاب (رسالة الصلاة) وهذا أمر يعرفه كل جمهوري مبتديء، بل ويعرفه كل قاريء مطلع على كتابات الأستاذ.. فإما أن يكون عبدالله يعرف هذا التعريف ويتجاهله عن عمد، أو هو يجهله، ابتداء، وفي كلا الحالين هو مقصّر عن وضع الجمهوري المبتديء، خلِّ عنك أن يكون تلميذاً للأستاذ محمود في كل أحواله، وأقواله العامة، كما يدّعي.. وكذلك الحال، بالنسبة للإسلام، فهو الآخر معرّف بصورة واضحة ومحددة، في الفكرة الجمهورية، في كل الكتب الأساسية.
إن موقف عبدالله من الوحدة بين البشر، هو بالضبط نقيض موقف الأستاذ محمود، الذي يقول مثلاً: (المتتبع لتطور الحياة يعلم جيداً أن مسألة الوحدة العالمية هي نهاية المطاف المحتومة في أوانها.. على كلٍّ، مسألة الوحدة مسألة زمن فقط).. وكل دعوة الأستاذ محمود، هي دعوة للوحدة الإنسانية.. ففي حين أن الاستاذ يرى الوحدة البشرية محتومة، يراها عبدالله مستحيلة، ومع ذلك عبدالله يعتبر نفسه (تلميذ للأستاذ محمود في جميع أحواله وأقواله العامة)!!
ووحدة الإنسانية التي يبشر بها الأستاذ، هي وحدة تقوم على أساس الإسلام، ففيها الإسلام يوفر الحل لمشكلات الإنسانية المعاصرة، ومن خلال ذلك ينتصر على جميع الأديان، وهذا معنى قوله تعالى: (هو الذي أرسل رسوله بالهدى، ودين الحق، ليظهره على الدين كلِّه، وكفى بالله شهيداً).. وهذا أمرٌ تفاصيله واردة في كتب الفكرة الجمهورية، باستفاضة.. ولكن، عبدالله، لا يؤمن بذلك، فعنده كما يقول: (الصراع الإنساني والاختلاف هي الصفة اللازمة للطبيعة البشرية، وستبقى كذلك حتى يوم القيامة).. الصحافة لقاء صلاح شعيب.
ومما يبعث على الدهشة، أن عبدالله، بدلا من معالجة أسباب الصراع والخلاف، يرى ضرورة تنظيم الخلاف، حتى يتم بدون اللجوء إلى العنف.. وهو لا يوضح كيف يتم ذلك، في إطار فهمه للطبيعة البشرية.. لنسمعه يقول: (وحدة المسلمين لم تتحقق منذ التحق النبي عليه الصلاة والسلام بالرفيق الأعلى، المهم هو تأسيس مباديء الخلاف الموضوعي والتفاوض على الخلافات السياسية بدون اللجوء إلى العنف، بدلاً من التمني بالوحدة، التي لم ولن تكون)..المصدر السابق!! التمني هو هذا الذي تقوله!! كيف لا يتم اللجوء الى العنف إذا لم يتم القضاء على أسبابه؟! وأسبابه الأساسية هي الصراع.. الصراع حول السلطة، والصراع حول الثروة، والنفوذ والسيطرة.. وهذه لا يمكن أن يتم تجاوزها بمجرد (تنظيم الصراع) كما تزعم أنت.. وعملياً، الحرب والعنف هما الأمر السائد عند البشر، منذ فجر التاريخ وإلى اليوم، ولم تنجح القوانين المنظِّمة لعلائق البشر، وصراعاتهم، في القضاء عليها.. هذا مجرد تفكير بالكلمات، لا شيء فيه غير التمني الساذج.. يمكن مراجعة كتاب (الإسلام والسلام عند الأستاذ محمود محمد طه) الصادر عن دار عزة للطباعة والنشر، للاطلاع على فهم الفكرة لجذور وطبيبعة الصراع والخلاف، بين البشر، وكيفية معالجتها.
يقول الأستاذ محمود، ضمن ما يقول: (الأحياء على هذا الكوكب الذي نعيش فيه كالأجرام السماوية، لن يستقيم لهم أمرهم إلا إذا خضعوا لقانون واحد، وإلا إذا داروا حول مركز واحد).. ويقول: (إذا ما عدنا جميعاً الى ترسّم روح السنة "بتقليد محمد" والى الاهتداء بأخلاق القرآن، فستتوحد بيئتنا الاجتماعية، وستتشابه عاداتنا، وستتقارب أساليبُ تفكيرنا، وسنلتقي جميعاً في فكرة واحدة، هي الحرية، وسنحب، جميعاً، شيئاً واحداً، هو الكمال، وسنسلك طريقاً واحداً، هو طريق الحق)..
وعلى الرغم من أن دعوة عبدالله أحمد النعيم، هي نقيض دعوة الأستاذ محمود، إلا أنه، مع ذلك، لا يتورع عن الزعم بأنه تلميذ للأستاذ محمود في كل أحواله، وفي كل أقواله، في المسائل العامة!!
أدرك أحد محاوري عبدالله من الغربيين، اتجاهه الى تعريف المفاهيم تعريفاً ذاتياً، بصورة يصبح معها الالتقاء بين البشر، مستحيلاً، فعلّق، في نفس الموقع الذي نشر فيه عبدالله مقالته، قائلاً: (أخشى أن أسلوبك في الاعتراض على تعريفات المفاهيم بالمدى الذي يقول أن الكلمات تعطي مدلولات ومعاني مختلفة باختلاف الأفراد، يبدو براغماتياً جداً بالنسبة لي.. وبالطبع هنالك خطر كبير من التعامل مع المسلمات الجاهزة لمصطلحات من قبيل "حقوق الانسان" أو "الإسلام" التي قد تستعصي على التعريف الراسخ الثابت.. ولكن ليس صحيحاً حجج ما بعد الحداثة، من النوع الذي تطرحه هنا.. إنها تؤدي الى انهيار جسر اللغة والتواصل التفاعلي بين الناس).. 16/7/2010م ..
هذا هو واقع طرح عبدالله، وهو ما سنلقي عليه المزيد من الضوء، في الحلقات التالية.
خالد الحاج عبدالمحمود


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.