سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الأربعاء    سعر الجنيه المصري مقابل الجنيه السوداني ليوم الأربعاء    سعر الدولار في السودان اليوم الأربعاء 14 مايو 2024 .. السوق الموازي    رسميا.. كأس العرب في قطر    وسط توترات بشأن رفح.. مسؤول أميركي يعتزم إجراء محادثات بالسعودية وإسرائيل    حصار ومعارك وتوقف المساعدات.. ولاية الجزيرة تواجه كارثة إنسانية في السودان    هل انتهت المسألة الشرقية؟    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    عالم آثار: التاريخ والعلم لم يثبتا أن الله كلم موسى في سيناء    صندل: الحرب بين الشعب السوداني الثائر، والمنتفض دوماً، وميليشيات المؤتمر الوطني، وجيش الفلول    "بسبب تزايد خطف النساء".. دعوى قضائية لإلغاء ترخيص شركتي "أوبر" و"كريم" في مصر    تعادل الزيتونة والنصر بود الكبير    تقارير تفيد بشجار "قبيح" بين مبابي والخليفي في "حديقة الأمراء"    أموال المريخ متى يفك الحظر عنها؟؟    المريخ يكسب تجربة السكة حديد بثنائية    لأهلي في الجزيرة    مدير عام قوات الدفاع المدني : قواتنا تقوم بعمليات تطهير لنواقل الامراض ونقل الجثث بأم درمان    شاهد بالفيديو.. "جيش واحد شعب واحد" تظاهرة ليلية في مدينة الفاشر بولاية شمال دارفور    قطر والقروش مطر.. في ناس أكلو كترت عدس ما أكلو في حياتهم كلها في السودان    تامر حسني يمازح باسم سمرة فى أول يوم من تصوير فيلم "ري ستارت"    شاهد بالصورة والفيديو.. المودل آية أفرو تكشف ساقيها بشكل كامل وتستعرض جمالها ونظافة جسمها خلال جلسة "باديكير"    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    شركة "أوبر" تعلق على حادثة الاعتداء في مصر    بالفيديو.. شاهد اللحظات الأخيرة من حياة نجم السوشيال ميديا السوداني الراحل جوان الخطيب.. ظهر في "لايف" مع صديقته "أميرة" وكشف لها عن مرضه الذي كان سبباً في وفاته بعد ساعات    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    هل يرد رونالدو صفعة الديربي لميتروفيتش؟    محمد وداعة يكتب:    انتخابات تشاد.. صاحب المركز الثاني يطعن على النتائج    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    السودان..اعتقالات جديدة بأمر الخلية الأمنية    شاهد بالصور.. (بشريات العودة) لاعبو المريخ يؤدون صلاة الجمعة بمسجد النادي بحي العرضة بأم درمان    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    روضة الحاج: فأنا أحبكَ سيَّدي مذ لم أكُنْ حُبَّاً تخلَّلَ فيَّ كلَّ خليةٍ مذ كنتُ حتى ساعتي يتخلَّلُ!    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    القبض على الخادمة السودانية التي تعدت على الصغيرة أثناء صراخها بالتجمع    الصحة العالمية: نصف مستشفيات السودان خارج الخدمة    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    وزير الداخلية المكلف يقف ميدانياً على إنجازات دائرة مكافحة التهريب بعطبرة بضبطها أسلحة وأدوية ومواد غذائية متنوعة ومخلفات تعدين    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حول دعوة د. عبد الله أحمد النعيم 7. هل هو يجهل أم يتجاهل خالد الحاج عبدالمحمود


بسم الله الرحمن الرحيم
(مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ، وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا).. صدق الله العظيم..
فكرتُ كثيراً: هل عبدالله فعلاً يجهل الأمور الأولية، التي يتحدث عنها؟! أم هو يتجاهل؟! هل هو جاهل بهذه الأمور، أم هو مغرض، يفتعل الجهل من أجل الوصول لغرضه؟! وما يثير السؤال، هو أن الأمور التي يتناولها، ويظهر فيها جهله الفاضح، هي أمور، في الغالب، لا يجهلها الانسان الأمي، العادي، خلِّ عنك أكاديمي في درجة بروفسير..
مثلاً القضية الأساسية التي يركز عليها عبدالله تركيزاً شديداً هي الخطأ في مفهوم الدولة الدينية.. وهو يبني على خطأ في المفهوم عنده هو.. وهو خطأ، في الأوضاع الطبيعية، لا يجوز حتى على المراهقين، ممن لم يتلقوا أي تعليم.
فحجته الأساسية في رفض الدولة الدينية أو الإسلامية هي أن مفهوم الدولة الدينية يقتضي أن تكون الدولة قادرة على التدين، من نية، وممارسة طقوس!! فهو يقول مثلاً: (مشروع الدولة الدينية، أو ما يسمى عندنا بالدولة الاسلامية، هو زعم باطل مفهومياً، ولا أساس له من التجربة التاريخية، فالدولة هي دائماً مؤسسة سياسية لا تقدر على التدين أو الاعتقاد في ذاتها).. وهذا قول ظل يكرره ربما لعقدين من الزمان بصور مختلفة، وفي أمكنة مختلفة، ولا يزال يكرره!!
وقد نبهناه إلى أن القول بالدولة الدينية، لا يعني، لغةً أو اصطلاحاً، أنها دولة متديِّنة، فعبارة (دينية) إنما هي نسبٌ وليست صفة.. بل حتى لو كانت صفة، فإن أي إنسان يفهم اللغة العربية لن يفهم أنها تعني (الدولة القادرة على ممارسة الطقوس الدينية) نظراً لأن هذا يخالف البداهة.. ولكن د. عبدالله، وبرغم التنبيه المتكرر، مصرٌّ على موقفه في عناد!! واصطلاحاً، نحن لم نسمع بأي إنسان، فسر الدولة الدينية، بأنها الدولة القادرة على ممارسة الطقوس.. وقد طلبنا منه أن يذكر لنا مثالاً واحداً للذين يقولون بأن الدولة الدينية هي الدولة، ككيان مجرد، القادرة على التدين.. ولم يستطع أن يورد أي مثال.. ثم، قلنا له إن جميع من تحدثوا عن الدولة الدينية، في التراث البشري، يقرون بوجودها، ولا يفهمون منها ما يفهمه هو.. بل هنالك مصطلح عالمي للدولة الدينية هو (الثيوقراطية).. ورغم كل ذلك، هو مصر على موقفه!!
فهل هذا جهل أم تجاهل؟! يصعب جداً أن نقول إنه جهل.. بل يستحيل ذلك، خصوصاً إذا عرفنا أنه هو نفسه يتحدث عن الدولة الدينية، بل الدولة المتديِّنة!! وهذا ما سنوضحه
والنقطة الثانية في رفضه للدولة الدينية هي أنه يرى عدم إمكانية تقنين الشريعة، بحجة أنها علاقة بين العبد وربه، وأنها فردية.. وهو في هذا يتحدث عن الشريعة الفردية في العبادات.. وقد ذكّرناه بأن الشريعة الجماعية، تقوم على العلاقة بين العبد والعبد، وأنها يمكن أن تقنّن.. ومع ذلك هو مصر على موقفه!! المدهش أنه هو، نفسه، يتحدث عن تقنين الشريعة، كقانون عام، ويدعو له!! وهذا ما يؤكد أن موقفه لا يمكن أن يكون عن جهل، وإنما هو عن تجاهل.
ثم الأدهى، والأمر، أن د. عبدالله يزعم أنه، تلميذ للأستاذ محمود في جميع أحواله وأقواله العامة.. وهذه التلمذة استمرت ما يزيد على أربعين عاماً.. فهل مَن هو، بهذه الصفة، يمكن أن يجهل الأمور الأولية في دعوة الأستاذ محمود، إلى الحد الذي به ينسب للأستاذ، عكس ما يقول؟! الأستاذ محمود يدعو للدولة الإسلامية بصورة جلية، ومفصلة، يعرفها من له أبسط إلمام بالفكرة الجمهورية، ليس من الجمهوريين فقط، وإنما من عموم القراء، حتى الذين لم يتلقوا تعليماً متقدماً.
د. عبدالله يقول: (الفكرة الجمهورية تهدف إلى التزام الإسلام لدى كل مسلم وليس لإقامة دولة تزعم أنها إسلامية، في مغالطة وخداع للشعب)..الصحافة_مايو 2008م.. فمن أين أتى عبدالله بالقول بأن الفكرة االجمهورية لا تدعو لدولة إسلامية؟! هل فعلاً هو يجهل أن الفكرة الجمهورية تدعو لدولة إسلامية؟؟ هذا احتمال بعيد جداً، خصوصاً أن عبدالله يقول: (الكتاب الأول الذي اطلعت عليه وغير حياتي بصورة جذرية هو (أسس دستور السودان) الذي كتبه الأستاذ عام 1955م قبل الاستقلال)!! ندوة مركز الخاتم عدلان 27 ديسمبر 2008.. وهذا الكتاب، الذي يقول عبدالله إنه غير حياته بصورة جذرية، هو بالأساس عن الدولة الإسلامية، التي يدعو لها الأستاذ محمود، وهو يقدم دستور هذه الدولة، المأخوذ من القرآن، وتفاصيل تكوين الحكومة في الدولة بمؤسساتها المختلفة.. بل إن تعريف عبدالله للدولة ينطبق على ما ورد في هذا الكتاب.. كما أن مفهوم الرسالة الثانية، ومفهوم تطوير التشريع، وهي مفاهيم معروفة جداً، في دعوة الأستاذ محمود، هي تقوم، بصورة لا لبس فيها، على دعوته للدولة الإسلامية..
ومهما يكن رأي د. عبدالله الشخصي، في الدولة الدينية، لا يمكن أن يعطيه هذا الرأي، الحق، في أن يزعم أن الأستاذ محمود يدعو لأن يكون الإسلام مجرد سلوك شخصي فقط.. وأن الإسلام، عند الأستاذ محمود، دين وليس دولة، أو أن الأستاذ محمود يدعو لدولة علمانية، وليس لدولة إسلامية.. ذلك أن موضوع الدولة الإسلامية، في دعوة الأستاذ محمود، في هذا الصدد، لا يتعلق بالفهم، وإنما هو خبر.. والخبر إما صادقٌ أو كاذب!!
هل الأستاذ محمود يدعو لدولة إسلامية؟! الإجابة واحدة هي نعم، أو لا!! ولا علاقة للإجابة بفهم من يجيب، وإنما هي تقوم على الواقع الفعلي.. والواقع الفعلي، من كتابات الأستاذ محمود وأحاديثه، يقول: نعم، إنه يدعو إلى تحقيق "الدولة الإسلامية"..
وعبدالله أحمد النعيم، أرّخ، في كتابه (الإسلام وعلمانية الدولة) لموضوع إسلامية الدولة، وموضوع الدستور الإسلامي والدستور العلماني، منذ الحركة الوطنية، وإلى اتفاقية السلام عام 2005م وذلك في محاولة منه للتدليل على أن الخطأ في موضوع الدولة الإسلامية، هو خطأ في المفهوم.. والعرض كله خارج الموضوع، لأن القضية، لا تتعلق بالتاريخ، وإنما بالمفهوم.. المهم، أن عبدالله، طوال هذا العرض، لم يتعرض للأستاذ محمود، إلا في صفحة واحدة أورد فيها جزءاً من مقابلة مع طلبة معهد الدراسات الأفريقية والآسيوية بجامعة الخرطوم، عن نشأة الحزب الجمهوري ودوره في الحركة الوطنية حتى 1951م.. وبعد ذلك لم يشر في كل الكتاب، إلا لتطوير التشربع، ليتجاوزه.. وبصورة خاصة، هو أهمل إهمالاً تاماً، كتاب (أسس دستور السودان) مع أنه في لب موضوعه، عن (الخطاب الديني في تاريخ السودان)، ومفهوم الدولة الدينية وموضوع الدستور بين العلمانية، والإسلامية، بالرغم من أنه أورد العديد من الأفكار والآراء ، لأفراد، ولجماعات، وأحزاب أخرى!!
أنا، لا أعتقد أن إهمال د. عبدالله لكتاب (أسس دستور السودان)، كان عن جهل، وإنما هو عن غرض.. فهو يريد أن يبرهن على بطلان مفهوم الدولة الإسلامية، والدستور الإسلامي، وهذا الكتاب (أسس دستور السودان) يقوم دليلاً قوياً، ضد طرحه.. وفي غير كتابه هذا، يقول د. عبدالله إنه تلميذ للأستاذ محمود، في كل أحواله وأقواله العامة، ولكنه بالرغم من ذلك، تجاهل، في كتابه هذا، كل نشاط الجمهوريين، في مجال الدستور والحقوق الأساسية، ومناهضة الدستور الإسلامي المزيف، وهو نشاط واسع جداً، وهو شخصياً شاهد عليه.. ثم إنه تجاهل موقف الجمهوريين من حل الحزب الشيوعي، في حين تحدث عن مواقف غيرهم.. كما تجاهل، موقف الجمهوريين من قوانين سبتمبر، ومنشور (هذا أو الطوفان)، ومحاكمة الأستاذ، والتنفيذ، وكل هذا من صميم قضيته التي تناولها، ومن المستحيل أن يجهلها لأنه شاهد عليها، فلم يبق غير التجاهل!!
ثمّ، هل يمكن لبروفسير في القانون أن يجهل القانون الطبيعي؟! ففي لقاء باولا بيرنارديني، كان عبدالله يجيب على أسئلة السائل باسم الأستاذ، على خلاف ما يزعم من أنه لا يتحدث باسم الأستاذ!! وقد جاء قول السائل:
س: إذاً أنت لا تعتقد أنه من الممكن الحديث عن (القانون الطبيعي) من داخل الاسلام؟!
لم يجب عبدالله إجابة مباشرة، وإنما قال:
ج: مرة أخرى، مصطلح القانون الطبيعي مصطلح مسيحي نبع من ظروف معينة.
رد عليه صاحب السؤال:
س: إنه ليس مصطلحاً مسيحياً فقط، بل في الواقع فلاسفة اليونان استخدموه.
فهل يجهل عبدالله القانون الطبيعي أم يتجاهل؟! إذا كان يجهل فهذا جهل غير مبرر، طالما أن السؤال في الأمور الأولية، في مجال تخصصه.. لا أستطيع أن أتصور أن طالب قانون درس كورساً واحداً في فقه القانون (Jurisprudence)، يجهل القانون الطبيعي، فهو موضوع أساسي.. ثم إن السؤال عن القانون الطبيعي، في الإسلام.. فهل عبدالله يجهل موضوع القانون الطبيعي في الفكرة الجمهورية؟!
في الفكرة الجمهورية، فلسفة القانون، تقوم بصورة كلية على مفهوم القانون الطبيعي.. أكثر من ذلك القانون الطبيعي هو الموضوع الأساسي، للمعرفة التوحيدية، والسلوك.. لا يمكن أن يكون هناك جمهوري، مهما كان مستواه، يجهل (وحدة الفاعل)!! والموضوع وارد في مواقع لا حصر لها في تراث الفكرة.. وهو بصورة خاصة، وارد في كتاب (أسس دستور السودان)، الذي يقول عنه عبدالله، أنه غير حياته!! فقد ورد في هذا الكتاب مثلاً: (إن الوجود وحدة، تخضع لإرادة واحدة من ذراريه الى شموسه، فتلك الإرادة هي القانون الطبيعي، الذي اختط للعوالم المختلفة والحيوات التي تعج بها تلك العوالم، بداياتها ونهاياتها، ثم رسم لها خط سيرها فيما بين ذلك رسماً محكماً لا مكان فيه للمصادفة، وإنما كل ما فيه بحساب دقيق وقدر مقدور: وهذا القانون الطبيعي المحكم الدقيق هو أثر للعقل الكلي القديم الذي ما عقولنا الجزئية المحدثة إلا أقباس منه.. والقرآن يهدف الي تحرير عقولنا بأن يوجد بينها وبين العقل الكلي القديم صلة موصولة، وذلك بأن يقيدها بقانون يحكي في دقته وفي وحدته القانون الطبيعي، ليخلق بقانون الوحدة من عقولنا المنقسمة بين عقل باطن وعقل واع كلاً واحداً متسقاً قادراً علي التوفيق والتوحيد بين المظاهر المختلفة في الحياة، وبذلك تقوم في أخلادنا الصورة الصحيحة عن الحياة وعن حقيقة البيئة التي نعيش فيها).. واضحٌ من هذا النص، الأهمية الكبيرة جداً، لمفهوم القانون الطبيعي في الفكرة، للمعرفة التوحيدية، والسلوك، والتصور للوجود.. ومن لا يعرف (القانون الطبيعي)، وأهميته، لا علاقة له بالفكرة الجمهورية، مهما كان انتماؤه لها، فالفكرة الجمهورية ليست مجرد انتماء اسمي..
وأنا أشك، بشدة، أن عبدالله قال ما قال عن جهل.. فهو لأمر ما في نفسه، يضحي بكل شيء في سبيل قضيته الأساسية: خطأ مفهوم الدولة الإسلامية.. فقد ضلل عبدالله، السائل في هذه المقابلة، تضليلاً كبيراً، جعله يعتقد أن دعوة الأستاذ محمود لا تقوم على القانون الطبيعي، على عكس ما عليه الأمر.. وهذا ديدن عبدالله: ينسب للفكرة عكس ما تقول به.. ونحن سنرى هذا بشيء من التفصيل.
في هذه المقابلة، بادر عبدالله من عنده، وذكر للرجل موضوع (رسل العقول)، وعندما سأله، أين ورد هذا عند الأستاذ؟ كان رده: (أتذكر أنه تحدث عن ذلك شفاهة)!! وهذا أمر أستبعد جداً أن يجهله أي جمهوري، فهو وارد في أشهر مقدمة من مقدمات كتب الفكرة، مقدمة الطبعة الرابعة لكتاب (رسالة الصلاة)!! ومن لا يعرف أساسيات الفكرة، لماذا يتبنى الرد نيابة عن صاحبها؟!
الحديث عن مقدمة الطبعة الرابعة لكتاب (رسالة الصلاة) يقودني الى موضوع الإنسان.. عبدالله، يقول بعدم وجود إنسان عالمي (كوكبي)، ويصر على البشرية، ويعرف الطبيعة البشرية تعريفاً سلبياً، فهي: خطّاءة ولا يمكن أن تتخلص من الفساد والهوى والصراع...الخ.. فهل فعلاً يجهل، عبدالله، تصور الفكرة الجمهورية لمفهوم الإنسان، وتعريفها للإنسان.. ذلك التعريف المحدّد، والشامل والمفصل؟!
فالحديث عن الإنسان وارد في جميع كتب الفكرة الجمهورية.. وعند الفكرة الجمهورية الإنسان هو غاية الوجود الحادث كله.. ومقدمة الطبعة الرابعة، لكتاب رسالة الصلاة، مخصصة للحديث عن الإنسان.. وهي تتحدث عن الإنسان، في أصله، في الملكوت، حيث خُلِق (في أحسن تقويم).. ثم تتحدث عن ردّه إلى (أسفل سافلين).. ثم عن مسيرته لاسترداد مقامه، عن طريق التجربة، وتجسيده في الملك.. وهي تتابع مسيرة الإنسان منذ أن كان ذرة غاز هيدروجين، وتتبّع مراحل تطوره من المادة غير العضوية الى المادة العضوية، عبر الحيوات المختلفة، في مستوياتها المختلفة، إلى أن وصل مرحلة البشرية الحالية.. وتفصّل في المرحلة الحالية، وتبشر بالمرحلة القادمة _مرحلة تحقيق إنسانية الإنسان_ وتضع لها التعريف، وتبيّن السبيل لتحقيقها.. فهل يجهل عبدالله كل هذا؟! أم هو فقط يتجاهله؟!
على كلٍّ، تعريف عبدالله، للطبيعة البشرية، هو نقيض تعريف الأستاذ محمود لها.. فعند الأستاذ محمود الوجود، كلّه، يقوم على الخير.. والطبيعة البشرية (الإنسانية)، في أصلها خيرة.. وهي سائرة، وصائرة، إلى هذا الأصل، بصورة حتمية.. بل هي توشك أن تدخل مرحلة إنسانيتها، حيث الفطرة _سلامة القلب وصفاء الفكر..
وحتى نعطي التصور الكافي للتناقض بين مفهوم عبدالله، للطبيعة البشرية، ومفهوم الأستاذ محمود، نورد هنا، حديث الأستاذ عن درجة المقربين، وهي المرحلة التي يعود فيها الإنسان الى طبيعته الأصلية.. والعودة إلى هذا الأصل إنما تكون بالتقوى، وقد سبق أن أشرنا لموضوع التقوى.. والتقوى تبدأ من مستوى المؤمن العادي ثم الورع، ثم صاحب اليمين، والبر، والمقرب.. ومنزلة المقربين هذه هي مرحلة دخول الإنسان، مرحلة إنسانيته.. وقد جاء من أقوال الأستاذ عن هذه المنزلة، قوله: (والمقربون هم الذين يكونون عند ربهم، غالب أحوالهم، وهم علماء، قد وسّع العلم عليهم ما ضّيق الجهل على سواهم.. فأصبحوا، بفضل الله، ثم بفضل سعة علمهم، رحماء، طيبين، متسامحين، محبين للأشياء، والأحياء، في سلام مع ربهم، ومع أنفسهم، ومع الناس.. يدعون إلى الرضا بالله، والمصالحة مع الناس، وينشرون الحب، والسلام، والمسرة، بين الناس، كما ينشر الزهر العطر، وكما تنشر الشمس النور، والحرارة، والدفء.. هؤلاء هم ملح الأرض، عرفوا، أو لم يعرفوا.. وتقوى هؤلاء هي عمل، أو ترك للعمل، إبتغاء وجه الله.. وزمنهم فكر متصل.. فجميع أوقاتهم معمورة بالفكر، والعمل.. وفكرهم ليس تعملاً، وإنما أصبح طبيعة، تنبع فيهم المعاني، والمعارف، كما ينبع الماء النمير من العين الثرة، وقد تطهرت من أوساخها، وأوضارها.. وعبادة المقربين الاستقامة.. والاستقامة أن تكون على السراط المستقيم، في الفكر، والقول، والعمل، فلا تميل يسرة، ولا يمنة)..
فلماذا ترك عبدالله، مفهوم الإنسان هذا، وذهب ليحدث الناس عن (بشريته) القميئة التي يصر عليها؟! ثم هو يتحدث بصفته تلميذاً للأستاذ محمود، مما يضلل الناس، عن فكر الأستاذ، ويجعلهم يعتقدون أن الإنسان، عند الأستاذ محمود، هو ما يتحدث عنه تلميذه، عبدالله!!
إن الفرق بين مفهوم الأستاذ عن الإنسان، ومفهوم عبدالله، يعطي تصوراً عن علاقة عبدالله بالفكرة، وإنْ كانت علاقة عبدالله، في حقيقتها، كما تظهر من أقواله، أبعد بكثير، ويعكسها، بصورة أكبر، موقفه المبدئي من الدين الذي تحدثنا عنه.
فهل يجهل عبدالله هذا الذي نقلناه من الفكرة، عن الطبيعة الإنسانية؟! هل هذا أمر طبيعي أن يجهل شخصٌ قضى أكثر من أربعين عاماً، في رحاب فكرةٍ ما، الأساسيات التي تقوم عليها هذه الفكرة، بصورة تجعله يعكس الأمور، ويقلبها، على هذا النحو؟! إن الحديث الوارد عن الإنسان، في مقدمة الطبعة الرابعة لكتاب (رسالة الصلاة) وحده، يقع في أربعة وأربعين صفحة، وهو حديث مشهور جداً، لدى الجمهوريين، ولدى عامة قراء الفكرة الجمهورية، بل هناك من غير الجمهوريين من يستدل به، في مواضع شتى!! فهل عبدالله يجهل ذلك أم يتجاهله؟ أنا أميل، وبصورة حاسمة، إلى أنه يتجاهل.
وعندما يتحدث عبدالله، عن الأستاذ محمود على أساس أنه مجتهد، ويطلق على أفكار الأستاذ محمود مسمى (الاجتهاد)، هل هو يجهل أن الاجتهاد هو فيما ليس فيه نص، وأن (تطوير التشريع) الذي يقول به الأستاذ هو فيما فيه نص؟! من المؤكد أن د. عبدالله لا يجهل كل ذلك، وإنما يتجاهله، بدليل أنه هو نفسه يقول إن الاجتهاد فيما ليس فيه نص، ويقول إن (تطوير التشريع) هو الانتقال من نص إلى نص.. فعبدالله، يقول عن الاجتهاد: (الاجتهاد _لغةً_ هو بذل الوسع في طلب المقصود.. واصطلاحاً، استفراغ الفقيه الوسع لاستنباط حكم فقهي في أمر لم يرد بصدده نص من القرآن والسنة)..نحو تطوير التشريع ص 54.. هنا، الأمر المؤكد أن ما يقوم به عبدالله ليس جهلاً، وإنما هو تجاهل.. وإذا صح التجاهل في حالة واحدة، فليس من المستبعد أن يصح في جميع الحالات.. ففي هذا الكتاب، تحدث عبدالله عن تطوير التشريع، بصورة واضحة، تنفي كل ما قاله عنه، في كتاب (الإسلام وعلمانية الدولة)..
من المؤكد أن هنالك خلل أساسي في المنطق بل في التفكير، عند عبدالله.. ولكن هذا الخلل، لا ينفي التجاهل، ولا يبرره.. يقول عبدالله مثلاً: (وهذا القول عندي ينطبق على ما أعتقد بأنه شريعة الرسالة الثانية.. فعقيدتي في الرسالة الثانية لا تجعلها قانوناً للدولة، إلا إذا تم تشريع القاعدة القانونية من خلال المنطق المدني وليس على أساس العقيدة الدينية.. وعندما يأتي التشريع بهذه الطريقة فإنه سيكون قانون بشري).. أولاً: هل عقيدته هي ما تقوم عليه الرسالة الثانية، أم ما في الرسالة الثانية هو الذي يقرر العقيدة حولها؟؟.. الوضع الطبيعي، والبديهي، أن الرسالة الثانية هي الأصل، لا العقيدة حولها.. فمن يعتقد في الرسالة الثانية، يعتقد فيها كما هي، وكما وضعها صاحبها.. وهذا، ينطبق على أي عقيدة، في أي شيء.. فالعقيدة لا تغير طبيعة الشيء المعتقد فيه، وإنما تقوم عليه كما هو.. فبغض النظر عن عقيدة عبدالله، في الرسالة الثانية، كما هي، وحسب المصادر من كتابات صاحبها وأقواله، هل الشريعة فيها قانون للدولة أم لا؟ مال الرسالة الثانية وعقيدتك؟! الشريعة في الرسالة الثانية، كما هي عند صاحبها، قانونٌ للدولة، وهذا ما أوردته أنت شخصياً في كتابك (نحو تطوير التشريع.....)، وقد فصلت، في هذا الكتاب، في تشريع الدولة، كما هو في الرسالة الثانية!! والكتاب صدر عام 1994م، وهو معتمد عندك حتى الآن، وقد أوردته من ضمن مصادرك في كتابك (الإسلام وعلمانية الدولة)، الصادرة طبعته العربية في 2010م، كما ذكر ضمن السيرة الذاتية للمؤلف، المكتوبة في الغلاف.. فما السر في هذا الانقلاب؟! وكيف تقول الشيء ونقيضه في نفس الوقت؟؟
الأمانة تقتضي أن تقول للقاريء، ما كتبته في الكتاب الأول، وتبين علاقة موقفك الجديد، بموقفك القديم.. ولكن المشكلة (الكبرى) أنك تعتمد النقيضين في نفس الوقت!! وهذا ما سنفرد له حلقة خاصة به، فهو يمثل قمة الذاتية المفرطة ويجعل طرحك كله، لا قيمة له، بصورة أساسية.
المهم هنا هو موقفك الأخير من التشريع للدولة في الرسالة الثانية.. هل هو قائمٌ على جهل، أم تجاهل؟! من المؤكد أنه تجاهل بدليل أنك تعرف الموقف الصحيح للفكرة الجمهورية في هذا الصدد، وقد أوردته بنفسك في كتاب (نحو تطوير..) وبالتفصيل، مما يؤكد أن الأمر ليس جهلاً بالموضوع، وإنما هو تشويه متعمد، أنت فيه مغرض.
ليس من الضروري متابعة التفاصيل، فما ذكرناه كافٍ، وهو يتعلق بالمسائل الأساسية.. وسيتضح الأمر بصورة أكبر، عندما نتحدث عن التناقض في طرح عبدالله، وبصورة خاصة عندما نتحدث عن التناقض بين دعوة عبدالله، ودعوة الأستاذ محمود، الذي يدعي عبدالله، أنه تلميذٌ له، بل تلميذ، في كل أحواله وأقواله العامة، كما يزعم!!
هل عبارات الإساءة، والشتيمة، التي وردت في أقوال عبدالله هي مقصودة أم غير مقصودة؟! تلك العبارات، مثل: (لا يصح ديناً، ولا يستقيم عقلاً، مجرد وهم باطل، مضلل لنفسه ومخادع للناس...الخ..)؟!
أولاً: مجرد أن العبارات عامة، مرتبطة بالمفهوم، فهي عند صاحبها تلحق بكل من تنطبق عليه.. وطالما أن الأمر كله لا يقوم على الجهل، وإنما التجاهل، فالطبيعي أن تكون العبارات مقصودة.. ولكن لماذا؟! هذا ما لم نجد له إجابة.. سألنا صاحب الطرح، ولم يرد علينا.. ونحن هنا نجدد السؤال: لماذا؟!! ما الذي فعله الأستاذ محمود حتى يستحق منك كل هذا؟! ما أعلمه، أنا شخصياً، أنه لم يقدِّم لك إلا كل خير.
تشويه متعمد وليس عن جهل:
إن تشويه، د.عبدالله أحمد النعيم، للفكرة الجمهورية، إما أن يكون متعمداً، أو عن جهل.. والخيار الثالث الممكن، هو أن يكون د.عبدالله غير مالك لأمره.. وهذا خيار بالنسبة لي، مع كل الاعتبارات، التي تنفيه في الظاهر، إلا أنه غير مستبعد، خصوصاً، في الولايات المتحدة، موطن الاجرام الرسمي العلمي!! ولكن لا يوجد دليل، على هذا الخيار، ولذلك هو مستبعد، لهذا الاعتبار.. الكل يعلم، خصوصاً أستاذ القانون، الاختلاف بين القتل العمد، والقتل الخطأ.. فجريمة د. عبدالله قتل عمد، وليس قتلاً خطأ.. ولكن ما الدليل؟
أعتقد أن الدليل واضح، وقاطع، وما سبق أن قدمناه من حلقات، كاف لبلورته عند القاريء.. ونحن هنا نلخصه في نقاط:
1. أقوال د. عبدالله، الأساسية، موثقة، في عدة مواقع وقد مضت عليها عدة سنوات، وهي مكتوبة، وإذا لم يكن يقصدها، لما أقام عليها الوقت الطويل.. فهي ليست فلتة لسان، ولا زلة قدم، وإنما هي اقوال واسعة، قيلت بعدة وجوه، وفي مختلف المناطق في العالم، لتوكيدها.
2. من حيث المبدأ، عندما يقول انسان واع، ورشيد وخال من الموانع الشرعية، أي قول، من الطبيعي أنه يقصده، كما تدل عليه معاني الكلمات.. فنحن نعرف أفكار الكتّاب، ومقاصدهم، من خلال التعبير عنها، بما هو مشترك بيننا اللغة .. فإذا قال د. عبدالله: الأستاذ محمود لا يدعو لدولة اسلامية، نحن لم نكن نستطيع أن نفهم ما بعقله إلا بعد أن عبر عنه بهذه الجملة.. ونحن لا نملك إلا أن نأخذ الجملة كما يعطيها معناها الظاهر.. فإذا قال عبدالله، أنه لا يقصد ما فهم من جملته من أن الأستاذ محمود لا يدعو لدولة اسلامية، عليه هو أن يغير جملته، ويعبر تعبيراً آخر، يعطي المعنى الذي يقصده، وإلا فليس من حقه أن يعترض لأن القاريء أوالسامع لا يستطيع أن يفهم ما يقصده المتكلم أو الكاتب، إلا من خلال أقواله، حسب ما تعطيه اللغة المتعارف عليها.
3. د. عبدالله أحمد النعيم، دكتور في القانون، وحسب صفته هذه، هو مؤهل لأن يعبر عن نفسه التعبير الصحيح، خصوصاً عندما يكون التعبير، كتابة، وممتد لعدة سنين.. ثم عبدالله، منتسب للفكرة الجمهورية، حسب قوله، لأربعين عاماً، ولا يمكن أن يجهل أساسيات هذه الفكرة المنتمي اليها.. فإذا جهل أمراً أو أمرين، لا يمكن أن يجهل الكم الهائل من الأمور التي تناولها في طرحه، الى الحد الذي معه ينسب للفكرة عكس ما تقول به في كل هذه الأمور.. هذا أمر، في الأوضاع الطبيعية، مستبعد تماماً.
4. الفكرة الجمهورية لها مصادرها، وهي متوفرة لكل إنسان، وبالطبع متوفرة لعبدالله، بصورة أكبر.. فإذا أخطأ عبدالله في نسبة شيء للفكرة، يمكنه أن يرجع لمصادر الفكرة ويصحح نفسه.. وهو يخطيء في كل الأساسيات، ولم يصحح نفسه في شيء واحد منها، مما يؤكد أنه يقصد ما يقوله، ويصر عليه، وإلا فإن التصحيح كان ميسوراً، إذا أراده
5. أنا شخصياً، ظللت أنبهه، في كتابات مطولة، منذ 2009م.. أبين له الخطأ، وأذكر له ما هو صحيح، وأحدد له المصادر التي لا تخفى عليه.. وحتى الآن، لم يصحح ولا قضية واحدة، كما لم يذكر سنداً واحداً لصحة قوله، من مصادر الفكرة، كما لم يقم بمحاولة واحدة لتفنيد قولي.. وهذا يدل بصورة واضحة على أنه يصر على قوله، على ما هو عليه من الخطأ، مما يؤكد القصد.
وقد طلبت منه مطلباً واحداً، حتى يبريء ساحته من التشويه المتعمد، من الأفضل أن أورده بنصه، فقد جاء فيه:" أنا هنا، أطلب من د.عبدالله، طلب واحد، وبسيط جداً.. هو يزعم أن الأستاذ محمود لا يدعو لتشريع جماعي ولا لدولة اسلامية.. وأنا أقول هذا القول باطل تماماً، وما هو إلا تشويه لدعوة الأستاذ محمود.. والحكم بيننا مراجع دعوة الأستاذ. فعلى عبدالله: إما أن يورد بالدليل من أقوال الأستاذ محمود ما يثبت صحة زعمه. أو يعترف صراحة، أن قوله هذا خطأ، وان حقيقة الأمر، ان الأستاذ يدعو لتشريع جماعي ولدولة اسلامية.. على أن يكون ذلك في منبر عام، فلا أحد من الجمهوريين يجهل هذا الأمر..الخ".. نشرت الكتابة، في موقع الجمهوريين (الصالون) بتاريخ 26/9/2011م وحتى الآن لم يرد، ومن المستبعد جداً أن يرد رداً واضحاً وصريحاً.. فعندما يرفض الانسان تصحيح الخطأ، بهذه الصورة، ألا يؤكد هذا أن تشويهه متعمداً؟!
6. اعتاد دكتور عبدالله، أن يقول في موقع الجمهوريين، انه لا يقصد هذا، ودون أن يورد الذي يقصده!! عندما يقول انسان، أنه لا توجد دولة دينية، ويكرر هذا القول عشرات المرات، أو يقول الفكرة الجمهورية لا تدعو لدولة اسلامية، لا يستطيع أحد من القرآء أو السامعين، أن يفهم خلاف ما يعطيه ظاهر الكلمات، بل ليس من حقه، أن يفهم خلاف ما يعطيه ظاهر الكلام
7. الأمر القاطع، والذي يستحيل معه أن نفهم أن د. عبدالله، غير متعمد في تشويهه للفكرة هو، إيراده هو نفسه كتابة، الأقوال الصحيحة، التي تؤكد عدم صحة، أقوله التي يرمي بها الى التشويه!! فمثلاً زعم عبدالله، أن الفكرة الجمهورية، لا تدعو لتشريع جماعي على مستوى الدولة، وقد سبق أن أوردنا أقواله في ذلك.. وعبدالله نفسه، في كتابه (نحو تطوير التشريع الاسلامي)، أورد دعوة الفكرة للتشريع الجماعي، بصورة مفصلة وواضحة.. والكتاب الأخير، لا يزال معتمداً عنده، كما سبق أن ذكرنا.. فلا أحد بعد هذا يستطيع أن يقول أن د. عبدالله قد قال ما قاله، عن جهل، وليس عن عمد.
وهذا مجرد مثال، وإلا فإن جميع القضايا الأساسية في تشويهه، أوردنا من ما يثبت بالنص القاطع من أقواله المعتمدة، عدم صحتها.. وهذا سيتضح بصورة أكبر بعد نشر الحلقة التي تتحدث عن التناقض.
هذا كما أن الحلقة الأخيرة، ستضيف دليل آخر دامغ.
هل د.عبدالله، واع تماماً، لأبعاد، وخطورة أقواله، المفارقة للدين؟!
من حيث المبدأ: أي جريمة، أو خطيئة، أو مفارقة لقيم الدين، أو قيم المجتمع، لا تتم، إلا بعد أن يكون صاحبها قد بررها لنفسه، بالصورة التي تخدر ضميره، في المستوى الذي يقتضيه القيام بالعمل المعين.. ففي حالة أن الضمير صاح والعقل واعٍ لحجم المفارقة، ومخاطرها، فإن الدافع لارتكاب المفارقة، لا يكتمل، والفعل لا يتم.
مثلاً، نموذج، كلاسيكي، جريمة راسكلنكوف ، بطل رواية(الجريمة والعقاب) لدستوفسكي.. راسكلنكوف كان يريد قتل العجوز المرابية، لحاجته، وحاجة أسرته الملحة للمال.. وقبل ارتكاب الجريمة، كان في حالة صراع داخلي عنيف بين القوى الداخلية التي تدفع للقتل، والقوى التي ترفض القتل، وتستقبحه، وقد صور دستوفسكي، هذا الصراع الداخلي، تصويراً رائعاً، من خلال تكنيك المنلوج الداخلي.. وبعد معاناة شديدة ، انتصرت القوى التي تدفع للقتل، على القوى الأخرى، واستطاعت أن تنومها، ولو مؤقتاً، حتى تتم الجريمة.. فعند تنفيذ الجريمة، كان راسكلنكوف، يكاد يكون في حالة عدم وعي حقيقي ببشاعة العمل المقدم عليه.. ونفذه كالمنوم.. وبعد التنفيذ، يعود الوعي، ويدرك هول ما أقدم عليه، وتطارده جريمته.
راسكلنكوف لم يكن يستطيع القيام بالجريمة، ما لم يقنع نفسه بها، ويبررها لها.. وهذا ينطبق على كل عمل في السلوك، يقوم على مفارقة، لقيم الفرد وقيم مجتمعه أو دينه.. بطل دستوفسكي كان يحدث نفسه أن العجوز المرابية لا تحتاج لهذه الأموال التي تجمعها، وهي إنما تجمعها على حساب المحتاجين مثله ومثل أسرته، فهي عدو للمجتمع، وربما يكون التخلص منها خدمة للإنسانية، لأنه يتيح الفرصة لإنقاذ حيوات أناس مرضى، هم أصغر منها سناً، وأفيد للمجتمع.. وعلى كل هي ستموت اليوم، أو غداً، بحكم سنها، وهو بقتلها لا يفعل شيئاً سوى أنه يعجل بهذا الموت، لانقاذ آخرين، في حاجة للمال، الذي أصلاً، كانت ستتركه بعد موتها.
مثل هذا التبرير، يحدث عند كل مفارقة يقوم بها فرد من البشر.. ولذلك صاحب المفارقة، رغم علمه بمفارقته، أو جريمته، إلا أنه يبررها لنفسه بشتى الحيل، لتقليل العبء النفسي.. وإذا تراكمت المفارقات أو الجرائم فإن مقاومة فعل الشر تضعف.. أو قد يستيقظ الضمير بعد الفعل، وتظل الفعلة تطارد صاحبها، وتنغص عليه حياته.. ومن الناس من يسوقه الشعور بالخطيئة والاثم الى العودة الى الله.
فالتبرير، بمختلف صوره، هو أخطر ظاهرة في السلوك البشري، وهو يخدر شعور الفرد ببشاعة عمله، ويعمل على قتل الضمير تدريجياً، إذا لم يعد الفرد من قريب.
في القرآن يقول الله تعالى مثلاً:" وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ".. ففسادهم واضح، وقد شهد الله به، ولكنهم يبررونه لأنفسهم، إلى الحد الذي يعكسون معه الصورة، بقولهم:"إنما نحن مصلحون" وروح الآية، في عبارة (ولكنهم لا يشعرون)، الواردة في آخرها.
ويقول تعالى:" أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ ....." فاطر8 ويقول:" .....وَلَكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ".. والآيات في هذا الصدد كثيرة، وهي تفيد أن (عقل المعاش) شيطان الداخل، يزين للنفس الخطأ، ويبرره لها، حتى تقع فيه.. وقد يقع الندم، من قريب، أو من بعيد، أو لا يقع، حسب، قسوة القلوب، التي أشارت اليها الآية الكريمة.
وفي الدراسات النفسية الحديثة، هنالك العديد من الحيل، التي تبرر، وتزين بها النفس سوء العمل.. وقد عرفت هذه الحيل، بآليات الدفاع عن النفس، ومن أهمها: الكبت، والتبرير، والاسقاط، والانكار... الخ.
فدكتور عبد الله احمد النعيم، يعلم مفارقته، ولكنه لضعف الاهتمام لا يشعر بأبعاد مفارقته.. والخوف، كل الخوف، أن تتداعى، (ولكن لا يشعرون)، الى (قست قلوبهم) !!
وعبدالله، يعمل على تبرير مفارقاته، بشتى السبل مستخدما العديد من حيل الدفاع عن النفس وهي في معظمها لا شعورية.. ومن هذه الحيل الأدب الظاهري.. فكل الذين يعرفون د. عبدالله، يعرفون له سمت من الأدب الظاهري واضح، وهو في كثير من الحالات، يقول: سيدي الأستاذ محمود.. والأدب في الدين ادب ظاهر وباطن معاً، هو أدب عقول وقلوب، وليس مجرد أدب أجساد ولسان، كما يظهر عند عبدالله.. فعبدالله، لأنه ينطوي على مبالغة شديدة في سوء الأدب، مع: الله ورسوله والمرشد، يحاول أن يغطي على سوء الأدب بادب الظاهر.. وهذا، ادخل في (التحويل العكسي)، وهو أن يظهر الشخص عكس الميل أو النزعة الموجودة لديه.. والغالب على عمل عبدالله، من حيث آليات الدفاع عن النفس هو، الانكار denial ، ليس الانكار الفكري، وإنما الانكار السيكولوجي، وهو يعني رفض الحقائق غير السارة، أو المؤلمة، وتجاهل وجودها، لتجنب التوترالناجم عن الاعتراف بها.
الذين يحاولون حجب حقيقة واقع عبدالله عنه، هم يؤذونه أشد الأذى، هم في الواقع، ليس لهم اهتمام، لا بدينهم ولا بدينه.. فعبدالله لا يحتاج لمن يخدعه عن نفسه، فهو قد بلغ شأواً بعيداً في خداع النفس.. وإنما هو في أشد الحاجة، لمن يجسد له بشاعة واقعه، بالحق، لعل ضميره يستيقظ، ويرجع الى ربه من قريب.. وهذا ما أنا بصدده منذ حين.
د. عبدالله، عندما يقول:"أنا تلميذ للأستاذ محمود محمد طه في جميع أحوالي، وفي كل ما أدعو اليه من أمور الحياة العامة"، إنما يحاول أن يضع غطاءً سميكاً، لعله يغطي، واقعه المناقض لقوله هذا.. وهو ليخفف على نفسه معاناة وخز الضمير، يحاول أن يجعل عبارات الاساءة ليست مباشرة، فهو مثلاً، لا يقول عمل النبي في دولة المدينة سياسة وليس دين، وإنما يقول:"دولة المدينة هي دولة سياسية، وليس دينية، هي معادلة سياسية..." أو يتجاهل أن أمر العدة هو أمر ديني يقوم على الكتاب والسنة، وتوجيهات المرشد، ليقول سبابه القبيح وكأنه لا يلحق بالله ورسوله وبالمرشد.. ومثل هذه الحيل كثيرة جداً في أقوال عبدالله.
يقول د. عبدالله:"علاقتي بالأستاذ محمود هي علاقة تلميذ بأستاذه، لا علاقة تابع بقائده.. فإذا تشكلت لدي قناعة تخالف الأستاذ محمود في مسألة أساسية لديه أكف عن أن أكون تلميذاً له".. كما رأينا هو يكاد يخالف الأستاذ محمود في جميع أساسيات دعوته، ونحن لنا حلقة خاصة بهذا الأمر.. فقوله هذا، يؤدي نفس الغرض السيكولوجي الذي يؤديه، الأدب المظهري الذي تحدثنا عنه.. ود. عبدالله، يصل حد الزعم، بأن كل عمله هذا الهدام هو من اجل الفكرة الجمهورية، فهو يقول مثلاً:"مواجهتي للدولة الدينية هي مواجهة من أجل طرح فكر الأستاذ محمود..." ندوة بمركز الخاتم عدلان 27ديسمبر 2008م .. وأنت قد تعجب، ما قيمة هذا المغالطة؟! وفي الواقع هي ليست لها قيمة فكرية، ولكنها وسيلة سيكولوجية، للتقليل من عذاب الضمير.
خالد الحاج عبدالمحمود


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.