انه حوار حول الوضع الراهن فى بلادى , جمعنى مع احد السودانيين من حملة الجوازات الاجنبية , تناولنا فيه بالتشريح ما الم بوطننا الحبيب من محن وما اصابه من جراحات و مآسى , ذكر لى تجربته مع وطنه الاصل عندما قدم اليه من بعد غيبة طويلة وسرد كيف انه قد دوهم البيت الذى كان يسهر فيه مع اصدقاء ورفاق دربه من قبل قوات النظام العام وان المنقذ الوحيد له كان جوازه الاحمر عندما اصر عليه افراد القوة التى تجاوزت خصوصيتهم واقتحمتهم طلبت منه ان يعتلى ظهر البوكس مع اخرين , و حكى عن مدى احترام سلطاتنا للاجنبى واحتقارها للمواطن صاحب الساس والراس , تعرضنا فى حديثنا الى ضرورة قيام كل فرد بما يستطيع من دور فى سبيل الاصلاح لانه مسئولية الجميع , كان تعقيب هذا الاخ ان لا امل فى الاصلاح وان الحال ميئوس منه و ان الناس فى بلادى يجيدون التنظير اكثر من اجادتهم للعمل و الجد والاجتهاد , كان ردى عليه فيماذكر انه اذا اصبح الكل يقول ذلك القول المكرور فان هذه تعتبر روح مشبعة بالتشاؤم فيجب ان نستصحب دائماً وابداً المثل يقول ان تضئ شمعة خير من ان تلعن الظلام , ومن خلال تجاربى وملاحظاتى على حملة الهويات الاجنبية فان بعضهم دائماً ما يقل حماسه للاهتمام بقضايا وطنه ومسقط راسه و يشعرونك بانهم ومن زاوية حصولهم على الهوية الاخرى لا يكترثون لبلد مثقل بالهموم ويفضلون العيش بعيداً عن الصداع ووجع الراس , هذا بلا شك يعتبر هروب من مواجهة قضايا وطن يعانى و الانسلاخ منه بالانتماء الى اوطان اخرى لن تجدى من يتمسك بها نفعا ولن تكون بديلاً له عن وطنه الام مهما منح الشخص فيها من امتيازات مادية و اوراق ثبوتية تبين انتمائه اليها لان الاسماك لا تقوى على العيش خارج البحار. فى مرحلة تاريخية حرجة كالتى نعايشها هذه الايام لابد من تضافر جهود ابناء الوطن للمساهمة فى عملية حل الازمة المستحكمة هذه و لابد لكل فرد ان يقدم ما لديه من رأى و عمل لا ان نستكين ونقول ان الامر لا يعنينا , انه شأن يمسنا جميعاً و لا فكاك من ان نقول كلمة الحق لا ان نكتمها و ننزوى بعيداً ونبقى انفسنا فى هذه الحالة التشاؤمية , اذا تعاملنا مع قضايانا كما يفعل هذا الاخ من اختباء خلف الجواز الاجنبى و قمنا بتأمين متطلبات الاسرة الصغيرة من مسكن وماكل ومشرب وتعليم للابناء وتناسينا واجبنا تجاه اسرتنا الممتدة داخل مساحات الوطن الشاسعة التى يطحنها ارتفاع اسعار السلع الضرورية , وغضضنا الطرف عن مسئوليتنا تجاه هؤلاء الاهل بالتخلى عن هذا الواجب العظيم الذى يقع ثقله على عاتقنا شئنا ام أبينا ففى هذه الحال ينطبق علينا القول (كأنك يا ابوزيد ما غزيت ) , أن الهجرة عن تراب الوطن والبحث عن تحسين للحالة المعيشية و طلب العلم يعتبر حالة استثنائية فرضها واقع محدد و هذا الواقع سوف يظل ماثل فى ذهن كل من غادره و تركه من خلفه جاهلاً او متجاهلاً , سوف تظل تلاحق الانسان فى المهجر ازمات مجتمعه المتراكمة ليل نهار , ومن الممكن لمثل هذه الشخص ان يلعب دوراً ايجابياً فى معالجة هذه الازمات أن هو اراد ذلك و نزع روح الاحباط عن نفسه و استشعر الدور المنوط به تجاه الوطن . هنالك أخوة فى الوطن قدر لهم ان يشغلوا مواقع مهنية عليا فى دول المهجر وقد ساهموا بحكم مواقعهم هذه فى علاج الازمات الوطنية التى مرت وتمر بالبلاد و قدموا هذه المعالجات فى اشكال مختلفة بعكس الاخرين المنكفئين على الاوراق والكراتين و حسب , لقد قالها احد المناضلين ان يحيا الانسان دونما قضية يعمل لاجلها فان حياة كهذه لعنة , فالوطن ليس تلك الارض الممتدة بمدنها وصحراءها و غاباتها فقط , أنها معنى راسخ فى الوجدان ايضاً و لن يستطيع الفرد منا ان ينتزعه من دواخله لانه متشعب ومتجذر فى وعى ولا وعى الانسان , و من يحاول ان يجد له بديلاً يمكننا تشبيه مثل هذا الشخص كمن يحاول زراعة اشجار النخيل فى جونقلى , هنالك علاقة وجدانية عنيفة بين الانسان ومسقط راسه , عندما ضاقت حلقات الحرب على الرئيس العراقى الراحل صدام حسين لجأ الى تكريت والعوجة المكان الذى ولد فيه وكذا العقيد معمر القذافى بعد الهزيمة التى الحقها به تحالف الثوار مع النيتو ذهب الى سيرت مسقط راسه و احتمى بها من دون سائر المدن الليبية , وهنالك الكثير من الوقائع المشابهة , فالانسان يشعر بغربة كبيرة فى كل الامكنة التى لا تشبه بلاده و يسيطر عليه دافع قوى للرجوع الى مرتع الصبا مهما طالت الايام والليالى فكيف لنا ان نترك تراب تنسمنا رائحته منذ نعومة الاظافر بحجة ان البلد استلموها الكيزان , هل يعقل ان تتنازل عن وطن لمجرد ان حزب سياسى ما هيمن عليه و بطش بالناس ؟ ان الحكومات تأتى وتذهب و لكن الاوطان تبقى و تستمر , على كثير ممن يعتمدون هذا الفهم ان يعلموا ان التنازل عن الاوطان لفئة محددة والهرب من واقعنا المؤلم هو ضعف وهوان وأنعدام لجدارة الانتماء الى هذا الوطن . قد تشوب النفس البشرية حالات من اليأس فى مرحلة من مراحلها نتاج لتراكم وتعقيدات مشكل اجتماعى , اقتصادى , سياسى , عام , خاص ولكن لا يعنى هذا ان الدنيا قد وصلت الى نقطة النهاية واللاعودة كما تنبأ بعض اصحاب الخيال الخصب بنهاية الكون اثر توقعات سقوط ذلك القمر الصناعى فى الايام الماضية , كل المعضلات التى شهدتها المجتمعات والدول والكيانات واجهت مصائر و نهايات متشابهة بالاخص المجتمعات التى حاصرها ظلم الجبابرة , مثل هذه المجتمعات ما كان لها ان تنتصر لو انها قبعت تحت قبة اليأس و الأحباط واستكانت , اذا توقف نبض الشخص ووصل الى قناعة انه لا امل فى الحل فاليتذكر انه ليس هو الوحيد الذى حباه الله بنعمة الفكر وسداد الراى و نقاء السريرة , انه وفى صباح كل يوم جديد يولد العديد من الاناث والذكور الذين يحملون فى جيناتهم الكثير من الاختلاف عمن سبقوهم الى رؤية الشمس , فالندع هؤلاء يقذفوا بما وهبهم الله به من خير فى ماعون الوطن الكبير وان لا نسد امامهم الطريق بأدعائنا امتلاك كل الحقيقة. اسماعيل عبد الله [email protected] 00971555666428