البيان الذي أصدره بنك السودان مؤخرا وساق فيه مبررات أرجع فيها أسباب ارتفاع سعر صرف الجنية السوداني مقابل العملات الأجنبية إلى تسرب كميات من الأموال من دولة الجنوب إلى دولة الشمال أثناء تبديل العملة بعد الانفصال واستخدامها في شراء العملات الحرة من السوق، من وجهة نظرنا انه حديث غير اقتصادي ومحاولة من البنك لتغطية أوجه القصور في أداء الدولة الاقتصادي الذي تبدو انعكاساته بادية للعيان، ومثل هذا الحديث من هكذا مؤسسة تعتبر كل معلومة اقتصادية صادرة منها بمثابة مقياس حقيقي لأداء الاقتصاد تعتمد عليها المؤسسات المالية العالمية والدول في تقيمها لأداء الدولة الاقتصادي قد يؤثر على الثقة فيها. ولأن القائمين على أمر البنك يدركون جيدا أسباب ارتفاع سعر صرف الجنية مقابل الدولار فهم بهذه المبررات يحاولون أن يجدوا شماعة يعلقون عليها تدهور أداء الدولة الاقتصادي الذي تظهر نتائجه في ارتفاع معدلات التضخم بصورة عاليه، تبدو صورته البشعة في الارتفاع الجنوني في أسعار السلع والخدمات، وهي المرحلة التي يعقبها ركود اقتصادي سببه ضعف القوة الشرائية ثم تكون نهاية الأزمة انهيار اقتصادي، وهي مرحلة لم نصل إليها بعد، وهو ما يجعل هناك فرصة في التصدي للقضايا الاقتصادية بصورة جادة من قبل الدولة واتخاذ من القرارات وحمايتها ما يبعث الروح مجددا في القطاعات الاقتصادية الإنتاجية. وما يجعلنا أكثر حزننا على بيان البنك أن العاملين فيه أهل معرفة ودراية اقتصادية، وهم بذلك أكثر مقدرة على غيرهم في تقديم مبررات اقتصادية واقعية لمسببات تدني قيمة الجنية مقابل الدولار، تلك المسببات التي تدركها حتى "بائعات الشاي " واللائي يعرفن كم تساوي قيمة "فنجان القهوة" بالدولار أو الريال، دعك من ذاك التاجر أو تلك المؤسسة أو شركات الدولة التي لا تنتظر من البنك تحديد سعر صرف الجنية بل تسبقه بوضع أسعار جديدة على سلعها وخدماتها وفقا لسعر "السوق الأسود للدولار والريال!!! ومن هنا تبدو بوادر مسببات الأزمة وتفرض العديد من الأسئلة نفسها بحثا عن الإجابة!!! وهي لماذا تسعر السلع من قبل التجار وفقا لسعر الدولار ؟ والإجابة بسيطة وسهلة وهي عدم قدرة الحكومة في أن توفر لهم النقد الأجنبي لتمويل الصادر والوارد، وإن وجد هذا الدعم فإنه لا يتم بعدالة، وهذه أحدي أسباب فشل سياسة تحرير الاقتصاد التي تقوم على مبدأ المنافسة بين الشركات بعد خروج الدولة من السوق، غير أن الدولة التي خرجت من السوق بالباب عادة إليه بالشباك عبر العديد من الشركات التي تنتمي لمؤسسات نافذة في الدولة فكانت هي الأخرى طرفا مباشرا في المضاربة على الدولار لان التوسع في عملياتها يستدعي توفر المزيد من النقد الأجنبي حيث لا يكفي ما يتوفر لها من عملة أجنبية من البنوك، وفي ظل سيطرت بعض الشركات والتجار وتوفير الحماية لهم سقط مبدأ المنافسة في السوق وساد مبدأ الاحتكار الذي يتضرر منه المواطن، أما الحقيقة الأخرى والتي يدركها حتى " المغفل" هى أن عجلة الإنتاج تراجعت معدلاتها في القطاعات الاقتصادية المختلفة بعد أن فقدت دعم الدولة، مما أدي لضعف الصادرات وبالتالي قلة العائد من العملة الأجنبية، هذا بالإضافة إلى فقدان شئ من عائدات النفط . ومما سبق نستطيع القول إن تدهور الجنية السوداني أو ارتفاع سعر الدولار هو أمر لا علاقة له بالانفصال ولا هو نتيجة تسرب عملة من دولة جنوب السودان لشراء الدولار من الشمال، وهي فرية يدحضها ما أعلنت عنه الحكومة من مفاجأة باتخاذ قرار تغير العملة تحوطا لمثل هذه الأشياء، ولأن البنك تجاهل الأسباب الحقيقية لمبررات هذا الارتفاع، فإنه يكون بذلك انحرف عن تطبيق معيار الشفافية في الأمور المالية، وهذا التجاهل يجعلنا نطالبه بأن يكشف لنا عن دوره في الرقابة على الأداء المصرفي وما يضخه لها من عملات أجنبية لتغذية عملياتها وأين تذهب هذه العملة؟ أما ما لم يفصح عنه البنك في بيانه من أسباب مباشرة وواقعية لارتفاع الدولار وغيره من العملات الأجنبية الأخرى هو ما تواجه البلاد من حصار اقتصادي، وارتفاع معدلات التضخم، وضعف الإنتاج، وفشل سياسة تعويم الدولار، واستمرار تزايد معدل الإنفاق الحكومي، ضعف الصادرات، ومعالجة ذلك تمكن في وقف الاستيراد للسلع غير الضرورية، تفعيل دولار البنك في الرقابة على النقد الأجنبي عبر تشديد الرقابة على المصارف وشركات صرافات العملة ، وقف تهريب العملة الأجنبية للخارج، وترشيد إنفاق الدولة، مراقبة الأداء المالي للدولة، تشجيع الصادرات عبر دعم القطاع الخاص. عادل الريح محمد