تكية الفاشر تواصل تقديم خدماتها الإنسانية للنازحين بمراكز الايواء    تايسون يصنف أعظم 5 ملاكمين في التاريخ    دورات تعريفية بالمنصات الرقمية في مجال الصحة بكسلا    د. الشفيع خضر سعيد يكتب: الدور العربي في وقف حرب السودان    السودان.."الشبكة المتخصّصة" في قبضة السلطات    ريال مدريد لفينيسيوس: سنتخلى عنك مثل راموس.. والبرازيلي يرضخ    مقتل 68 مهاجرا أفريقيا وفقدان العشرات إثر غرق قارب    توّترات في إثيوبيا..ماذا يحدث؟    اللواء الركن (م(أسامة محمد أحمد عبد السلام يكتب: موته وحياته سواء فلا تنشغلوا (بالتوافه)    مسؤول سوداني يردّ على"شائعة" بشأن اتّفاقية سعودية    السودان..إحباط محاولة خطيرة والقبض على 3 متهمين    دبابيس ودالشريف    منتخبنا المدرسي في مواجهة نظيره اليوغندي من أجل البرونزية    بعثة منتخبنا تشيد بالأشقاء الجزائرين    حادثت محمد محمد خير!!    هل محمد خير جدل التعين واحقاد الطامعين!!    دقلو أبو بريص    اتحاد جدة يحسم قضية التعاقد مع فينيسيوس    حملة في السودان على تجار العملة    إعلان خارطة الموسم الرياضي في السودان    غنوا للصحافة… وانصتوا لندائها    توضيح من نادي المريخ    حرام شرعًا.. حملة ضد جبّادات الكهرباء في كسلا    تحديث جديد من أبل لهواتف iPhone يتضمن 29 إصلاحاً أمنياً    شاهد بالفيديو.. بأزياء مثيرة وعلى أنغام "ولا يا ولا".. الفنانة عشة الجبل تظهر حافية القدمين في "كليب" جديد من شاطئ البحر وساخرون: (جواهر برو ماكس)    امرأة على رأس قيادة بنك الخرطوم..!!    وحدة الانقاذ البري بالدفاع المدني تنجح في إنتشال طفل حديث الولادة من داخل مرحاض في بالإسكان الثورة 75 بولاية الخرطوم    المصرف المركزي في الإمارات يلغي ترخيص "النهدي للصرافة"    الخرطوم تحت رحمة السلاح.. فوضى أمنية تهدد حياة المدنيين    أول أزمة بين ريال مدريد ورابطة الدوري الإسباني    "الحبيبة الافتراضية".. دراسة تكشف مخاطر اعتماد المراهقين على الذكاء الاصطناعي    أنقذ المئات.. تفاصيل "الوفاة البطولية" لضحية حفل محمد رمضان    بزشكيان يحذِّر من أزمة مياه وشيكة في إيران    لجنة أمن ولاية الخرطوم تقرر حصر وتصنيف المضبوطات تمهيداً لإعادتها لأصحابها    انتظام النوم أهم من عدد ساعاته.. دراسة تكشف المخاطر    خبر صادم في أمدرمان    اقتسام السلطة واحتساب الشعب    شاهد بالصورة والفيديو.. ماذا قالت السلطانة هدى عربي عن "الدولة"؟    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنان والممثل أحمد الجقر "يعوس" القراصة ويجهز "الملوحة" ببورتسودان وساخرون: (موهبة جديدة تضاف لقائمة مواهبك الغير موجودة)    شاهد بالفيديو.. منها صور زواجه وأخرى مع رئيس أركان الجيش.. العثور على إلبوم صور تذكارية لقائد الدعم السريع "حميدتي" داخل منزله بالخرطوم    إلى بُرمة المهدية ودقلو التيجانية وابراهيم الختمية    رحيل "رجل الظلّ" في الدراما المصرية... لطفي لبيب يودّع مسرح الحياة    زيادة راس المال الاسمي لبنك امدرمان الوطني الي 50 مليار جنيه سوداني    وفاة 18 مهاجرًا وفقدان 50 بعد غرق قارب شرق ليبيا    احتجاجات لمرضى الكٌلى ببورتسودان    السيسي لترامب: ضع كل جهدك لإنهاء حرب غزة    تقرير يسلّط الضوء على تفاصيل جديدة بشأن حظر واتساب في السودان    استعانت بصورة حسناء مغربية وأدعت أنها قبطية أمدرمانية.. "منيرة مجدي" قصة فتاة سودانية خدعت نشطاء بارزين وعدد كبير من الشباب ووجدت دعم غير مسبوق ونالت شهرة واسعة    مقتل شاب ب 4 رصاصات على يد فرد من الجيش بالدويم    دقة ضوابط استخراج أو تجديد رخصة القيادة مفخرة لكل سوداني    أفريقيا ومحلها في خارطة الأمن السيبراني العالمي    الشمالية ونهر النيل أوضاع إنسانية مقلقة.. جرائم وقطوعات كهرباء وطرد نازحين    السودان.. مجمّع الفقه الإسلامي ينعي"العلامة"    ترامب: "كوكاكولا" وافقت .. منذ اليوم سيصنعون مشروبهم حسب "وصفتي" !    بتوجيه من وزير الدفاع.. فريق طبي سعودي يجري عملية دقيقة لطفلة سودانية    نمط حياة يقلل من خطر الوفاة المبكرة بنسبة 40%    عَودة شريف    لماذا نستغفر 3 مرات بعد التسليم من الصلاة .. احرص عليه باستمرار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قامات وطنية وأغنيات خالدة: في ذكري الإستقلال .. أعد الملف : صلاح الباشا
نشر في سودانيل يوم 18 - 12 - 2017

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
ظلت الحركة الوطنية السودانية الحديثة ومنذ بدايات القرن العشرين تقدم رموزا وشهداء وزعماء من أجل تحقيق أستقلال البلاد من ربقة الإستعمار الإنجليزي الذي سيطر علي الوطن منذ معركة كرري في سبتمبر من العام 1898م ، وكان لابد من أن تطل إلي الوجود حركة المقاومة الوطنية المنظمة ، حيث ظهرت جمعية الإتحاد السوداني في العام 1921م ثم جمعية اللوا ء الأبيض الأكثر شهرة بسبب إرتباطها بقوة دفاع السودان ( الجيش ) مقرونا بالعناصر المدنية أو ماعرفت بإسم قائدها العسكري البطل علي عبداللطيف وعبدالفضيل الماظ ، ومن المناضلين المدنيين تأتي أسماء عبيد حاج الأمين وثابت عبدالرحيم وحسن فضل المولي وغيرهم ، ومع كل ذلك ظهرت أغنيات خليل فرح الخالدة .
وبعد تأسيس مؤتمر الخريجين في العام 1938م بودمدني أولا ثم الخرطوم حين كان المحامي الأستاذ أحمد خير يبتدر أمر المؤتمر في ودمدني ، تمدد النضال المدني في العاصمة ، وتكونت الأحزاب الكبيرة ( الإتحادي والأمة ) ، وهنا لابد من ذكر الدور الوطني الكبير الذي قام به أبو الوطنية السيد علي الميرغني ، والإمام السيد عبدالرحمن المهدي ، والمناضل الكبير الزعيم الأزهري ورفاقهم أجمعين في تحقيق إستقلال البلاد .
والكل يعلم بأن السودان قد نال إستقلاله من الإستعمار الإنجليزي في 1/1/1956م تنفيذا لقرار البرلمان السوداني الصادر بإجماع نوابه في جلسة 19/12/1955م التاريخية ، حين سار النواب من مبني البرلمان القديم بشارع الجمهورية الواقع مقابل القنصلية المصرية ، ساروا في موكب مهيب يتقدمه الزعيم الراحل إسماعيل الأزهري وزير الداخلية وقتذاك وبجانبه الأستاذ محمد احمد محجوب المحامي وزعيم المعارضة في برلمان 1954م ، حيث لم تصبح الحكومة السودانية مستقلة بعد ، حتي وصلوا إلي قصر الحاكم العام والذي يسمي الآن بالقصر الجمهوري ، لتقديم مذكرة للحاكم العام الإنجليزي يخطرونه بقرار مجلس النواب بإعلان إستقلال السودان من داخل البرلمان ، فماكان من الحاكم العام إلا أن يستلم المذكرة ويرفعها إلي حكومة جلالة الملكة اليزابيث في بريطانيا ، فقررت بريطانيا الموافقة علي منح شعب السودان إستقلاله ، وقد تحدد تاريخ الفاتح من يناير 1956م هو اليوم الرسمي لإعلان الإستقلال وإنزال علمي دولتي الحكم الثنائي ورفع علم السودان بألوانه الثلاثة علي سارية القصر الجمهوري ، وقد ظل التلفزيون يبرز ذلك الحدث في كل عام تخليدا لتلك الذكري .
ولكل ذلك ، فإننا نخصص هذا الملف لعرض ملامح طفيفة علي أناشيد الحركة الوطنية التي كتبها شعراء السودان في زمان الإستعمار الإنجليزي ، وأيضا بعدما نالت البلاد إستقلالها مستصحبين معنا حلو الذكريات العطرة ، ومبتدرين الذكري مع صاحب نشيد الإستقلال الأستاذ الدكتور محمد وردي الذي سرد لنا بعض ذكرياته حول نشيده الخالد .
اليومَ نرفُ راية إستقلالنا ... ويسطِّرُ التاريخ ُ مولدَ شعبنا ربما تتساءل أجيال عديدة عن قصة النشيد الوطني المعروف الذي تبثه الإذاعات والفضائيات السودانية خلال الفترة من 19 ديسمبر إلي الأول من يناير في كل عام ميلادي . من الذي كتبه ، وأين هو الآن ، وكيف قابله الأستاذ الموسيقار محمد وردي .
إتصلنا بالأستاذ وردي مهنئين سيادته بعيد الإستقلال ، وسألناه أن يتحدث عن قصة النشيد المعروف والذي يتم بثه دوما في الذكري السنوية لإستقلال البلاد ، فذكر بأنه كان يلتقي كثيرا ومنذ سنواته الأولي في طريق الفن بالأدباء والشعراء من طلاب جامعة الخرطوم في ذلك الزمان إلي أن أعطاه ذلك النشيد أحد أولئك الشعراء وهو عبدالواحد عبدالله ، من أبناء القضارف وقد كان طالبا بكلية الآدب ، وكان ذلك في العام 1961م ، إبان فترة الحكم العسكري الأول بقيادة الفريق إبراهيم عبود التي إمتدت من 17/11/1958م وحتي قيام إنتفاضة أكتوبر الشعبية في 21/10/1964م حيث تنازل عن الحكم بخطاب معروف في أمسية الأربعاء 28/10/1964م .
وحين سألنا الأستاذ وردي عن الطلاب الشعراء بالجامعة وقتذاك من هم ؟ أفاد بأنهم الذين شكلوا فيمابعد بسنوات قليلة مجموعة الغابة والصحراء كنموذج لإنصهار الثقافة السودانية التي تجمع مابين العروبة والأفريقانية ، وأضاف وردي : أذكر منهم محمد المكي إبراهيم الذي أعطاني بعد إنتفاضة أكتوبر نشيد ( اكتوبر الأخضر ) وكذلك أذكر الشاعر الراحل والطالب وقتذاك ( علي عبد القيوم ) الذي تغنيت له بنشيد ( نحن رفاق الشهداء ) .
وعن الشاعر صاحب نشيد الإستقلال والمشهور بمقدمته ( اليوم نرفع راية إستقلالنا ) وهو عبدالواحد عبدالله فإنه قد سبق له أن عمل بالإعلام ، وقد تم إختياره كمدير عام الإذاعة السودانية في فترة السبيعينات في زمان حكم الرئيس الراحل جعفر نميري ، وبعد أن نال الأستاذ عبدالواحد درجة الدكتوراة فقد إلتحق بهيئة اليونسكو UNESCO التابعة للأمم المتحدة في مقرها الدائم بباريس ، وإصطلاح يونسكو هو إختصار لإسم المنظمة الطويل وهو ( منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة ) .. وبعدها إنتقل الدكتور الأديب عبدالواحد عبدالله من اليونسكو بباريس للعمل خبيرا بالخليج حتي اللحظة .
يقول الراحل المقيم الموسيقار الأستاذ محمد وردي بأن عمر هذا النشيد أكثر من نصف قرن من الزمان ، حيث ظهر إلي الوجود عبر الإذاعة السودانية في 1/1/1961 أي قبل ظهور التلفزيون الذي بدأ بثه بالعاصمة فقط في العام 1963م حين كان الراحل اللواء محمد طلعت فريد وزيرا للإستعلامات والعمل قبل أن تسمي لاحقا بوزارة الإعلام ، ثم تم إنشاء التلفزيون في الجزيرة ووصلها الإرسال في العام 1972م في عهد وزير الإعلام الراحل العميد (م) الأديب عمر الحاج موسي .
غير أن الأستاذ وردي ذكر بأن النشيد لم يسبق إيقافه من البث عبر الأجهزة في كل العهود ، إلا في عهد الرئيس الراحل جعفر نميري في الأعوام
1971/1973 م حين كان وردي في المعتقل السياسي بسجن كوبر إثر فشل حركة الرائد الراحل هاشم العطا العسكرية ، ثم إطلق سراح النشيد وبقية أعمال الأستاذ وردي مع نهاية العام 1973م إثر إجتماع خاص بين الرئيس نميري ومحمد وردي بمبني وزارة الإعلام ذات مساء وبترتيب من الراحل الأستاذ احمد عبدالحليم الذي كان يعتلي مقعد وزارة الإعلام في ذلك الزمان .
ظلت الأحداث السياسية منذ بزوغ فجر الحركة الوطنية قبل وبعد الفتح الإنجليزي للسودان في العام 1898م تلهم أهل الفن شعراء ومطربين منذ قديم الزمان ليوظفوا مواهبهم الفنية لخدمة قضايا هذا الشعب والوطن ، وفي مقدمة أولئك يأتي الفنان الوطني الكبير حسن خليفة العطبراوي وقد وضع تلك القضايا الوطنية نصب عينيه وهو يري منذ ريعان شبابه وبحسه الوطني العالي كيف كان عمال السكة الحديد في عطبرة يسيرون التظاهرات في ميدان المولد هناك ضد المستعمر الذي أرهق مناضلي المدينة وأهلها كثيراً ، فكانت تلك التظاهرات هي التي ألهمته عند توظيفه لموهبته الغنائية والموسيقية توظيفاً متقدماً ليخرج للجماهير تلك الأناشيد الخالدة التي سكنت الوجدان تماماً من خلال أكبر مجال وهي الليالي السياسية والإجتماعية بعطبرة والدامر .
وحين تأسس مؤتمر الخريجين ، ظلت عطبرة تحتفي بذلك الحس الوطني ضد المستعمر ، والتظاهرات تلهم الجماهير الثبات والنضال ، فأخرج حسن خليفة من خلال تلك الأجواء الوطنية الباهرة تلك الأنشودة الرائعة والصامدة حتي اللحظة ، والتي ستحافظ علي ذات ألقها وقوة طرحها بما ظلت تكتنزه مفرداتها من إفتخار بالحس الوطني عالي المقام ، فجاءت إلي الوجود في العام 1943 والحركة الوطنية تتوثب إلي إثبات ذاتها في خارطة السياسة السودانية ، جاءت أنشودة ( أنا سوداني أنا ) والتي كتبها في عطبرة إبن مدينة رفاعة الشاعر الأستاذ محمد عثمان عبدالرحيم حين كان في قوة شبابه ووطنيته ، وهو حاليا يعاني كبر السن بكل هدوء في مدينته رفاعة حيث أطلت القصيدة في ذلك الزمان وهي تمتليء بمفردات كبيرة المعني ، قوية الطرح ، تلهم الروح الوطنية لكل من يستمع لها بلحن حسن خليفة وبصوته الواضح المعالم والمتمدد عشقاً لتراب هذا الوطن وقد كان التركيز في مخارج الصوت واضحا :
كل اجزائه لنا وطنٌ..
إذ نباهي به ونفتتنُ
نتغني بحسنه ابداً..
دونه لايروقنا حسنُ
لو هجرناه فالقلوب به ..
ولها في ربوعه سكن ُ
نتملي جماله لنري..
هل لترفيهِ عيشه ثمنُ
غير هذي الدماءِ نبذلها..
كالفدائي حين يُمتَحنُ
بسخاءٍ بجرأةٍ بقويً..
لا يني جهدها ولا تهِنُ
تستهينُ الخطوبُ عن جلدٍ..
تلك تنهالُ وهي تتزنُ
أنا سوداني أنا ، أنا سوداني أنا
نعم ... أتي ذلك النشيد يهز أركان الوطن كله بما طرحه من مضامين تخاطب الروح الوطنية في ذلك الزمان الذي شهد بدايات حركة الخريجين ، ماقاد إلي إنتباه السلطات البريطانية لمتابعة مايفعله إنشاد ذلك الشاب – حسن خليفة
- المتفجر وطنية وقوة بأس وعدم تردد في زمن كانت الكلمة الرمزية الواحدة يعمل لها الإستعمار ألف حساب منذ عهد صاحب شعر الرمزية الأول ( خليل فرح
) ، فمابالك بنشيد العطبراوي الذي كانت تصحبه الموسيقي والإيقاع والطبل وترديد الجماهير له في كل محفل وجلسة ونادي .. فكان لابد من أن يدخل بسببه العطبرواي سجن المديرية في الدامر في أربعينات القرن الماضي ...
وبعد رحيل العطبراوي ظلت الفنانة أسرار محمد بابكر تؤدي ذات النشيد عبر الإحتفاليات القومية وبطريقة رائعة جداً .
وقد كان للسودان ولايزال دورٌ مشرفُُ في مناصرة شعوب العالم المستضعفة وقد ظل يجاهر بذلك دون تحفظ أو وجل ، والآن لابد من تبيان دور الفن السوداني الأصيل في خدمة قضايا شعوب العالم المستضعفة لنري كم كان أهل السودان ومبدعوه ينشدون ويتغنون لتلك القضايا منذ عقود طويلة .. مايؤكد علي حيوية الشعب السوداني وتميز مبدعيه منذ قديم الزمان .
فكيف لنا أن ننسي رائعة الأستاذ الشاعر د. تاج السر الحسن التي كتبها في زمان باكر وقد كان لايزال شاباً في مرحلة الطلب الجامعي ويعيش إنتشاءات وآمال ومفاصل نضالات حركات التحرر الوطني من ربقة الإستعمار إبان سنوات الخمسينات الذي إشتاق ذات الإستعمار الآن للعودة لها في قالب جديد إسمه المحكمة الجنائية الدولية التي لن تتمكن ابدا من معاقبة منتهكي حقوق الدول كلها كالعراق وافغانستان وفلسطين ولبنان .
وقد تغني بتلك الأنشودة الخالدة الأستاذ عبدالكريم الكابلي في زمان باكر أيضاً من مسيرته الفنية الطويلة بالمسرح القومي بام درمان ولأول مرة أمام الرئيس عبدالناصر في عام 1960م حين زار السودان في زمان حكم الرئيس الراحل الفريق إبراهيم عبود .. فجاءت هذه المقاطع المتميزة : ( عندما أعزف ُ ياقلبي.. الأناشيد القديمة ..ويطل الفجر في قلبي.. علي أجنح غيمة) يا صحابي فأنا .. مازرتُ يوما أندونيسيا أرض سوكارنو .. ولا شاهدتُ روسيا غير أني والسنا .. في أرض أفريقيا الجديدة والدُجي يشربُ .. من ضوء النجيمات البعيدة قد رأيتُ التاسَ في قلب الملايو..
مثلما شاهدتُ جومو ..
ولقد شاهدتُ جومو ..
مثلما إمتد كضوءِ الفجر يوم ُ
والآن يعيد التاريخ نفسه وبذات الملامح .. ليتمدد عطاء الفن لخدمة قضايا السودان وهو يخوض أشرس المعارك للحفاظ علي وجوده .. لذلك كان الفن ..
وكان الإبداع .. وكان المبدعون الذين يلهمون شعبنا الصمود والتحدي والتصدي معاً .. فجاءت هذه الوقفة لمناصرة رمز السيادة الوطنية وشرف أهل السودان والتي أثبتت علي حيوية الشعب السوداني .. وبمناسبة حيوية شعبنا هذه والتي ظل يتمتع ويتميز بها .. تستحضرني هنا مقولة الرئيس الراحل جمال عبدالناصر حين زار الخرطوم عقب نكسة حزيران/يونيو 1967م لحضور مؤتمر القمة الذي خرج بلاءاته الثلاثة المعروفة ( لا صلح ولا تفاوض ولا إعتراف بإسرائيل إلا بعد خروجها من الأرض المحتلة ) .. فقال ناصر للصحافة العربية والعالمية : بأن حيوية الشعب السوداني قد أدهشته وشدت من أزره تماماً برغم أن الصحف العالمية كانت تقول أن الخرطوم قد خرجت لإستقبال القائد المنهزم .. فكتب له وقتذاك أبوآمنه حامد وتغني ايضاً كابلي:
وإلتقت نهضتنا بالعرب ِ .. يوم صافحنا جمال العرب ِ .. أنت ياناصر في أرضي هنا .. لست بالضيف ولا المغترب .
ألم يكتب الصحافي والشاعر الراحل مرسي صالح سراج في زمان بعيد مضي ليتغني بها وردي ذات يوم ( نحن في الشدة ِ بأسُُ ُ يتجلي .. وعلي الود نضُّم الشملَ أهلاً .. ليس في شرعتنا عبدُ ُ ومولي ).
إذن .. فلنردد مع الفيتوري ووردي تارة أخري غنائنا القديم العريق الخالد ونحن نشهد الآن صمود الخرطوم كعادتها عند الشدائد : ( أبداً ما هُنت يا سوداننَا يوماً علينا .. بالذي أصبح شمساً في يدينا ..وغناءً عاطراً تعدو به الريح ... فتختال الهوينا يابلادي.. من كل قلب يابلادي).
ولودالقرشي والشفيع .... إسهامهما الواضح في الغناء ضد المستعمر من منا لايذكر ذلك النشيد الذي لازالت أصداؤها تتردد حتي بعد إنتقال صاحبيه إلي الفريق الأعلي ، وقد متبه الشاعر والملحن في ذات الوقت ( محمد عوض الكريم القرشي ) الذي كتب أكثر من 90% من غناء عثمان الشفيع ، وقد أدي الشفيع ذلك النشيد إبان سطو الإستعمار الإنجليزي في الحفلات العامة وفي المدارس إلي أن تم إعتقاله في نهاية أبرعينات القرن الماضي وتم إنذراه رسميا بتعهد منه بعد ترديده، تماما ملثما كان قلم المخابرات في السودان يتتبع أي أعمال غنائية تتحدث عن الوطن والوطنية تشحذ الهمم علي مقاومة الإستعمار .
فقد كان نشيد ( وطن الجدود .. نفديك بالأرواح نجود .. وطني ) يعمل فعل السحر في أوساط شعب السودان ومثقفيه وطلابه وعماله ومزارعيه ، لذلك ظلت تجمعات الطلاب في الثانويات وفي الجامعة تنشده بلا تحفظ داخل أسوار معاهدها في مهرجاناتها العامة السنوية .
كما أردفه ودالقرشي والشفيع بعمل وطني آخر هو ( جنود الوطن ) ، غير أن قوة نشيدهما الأول ( وطن الجدود ) كان الأكثر إنتشاراً حتي اللحظة .
العديد من المتابعين يتذكرون تلك الأغنية الوطنية المعروفة التي قام الموسيقار بشير عباس بإعادة توزيعها موسيقيا في العام 1972م ، حيث ظلت مجموعة البلابل تؤديها منذ ذلك الزمان ، وهي أنشودة ( الشرف الباذخ) ، غير أن البعض يعتقد بأن الأغنية هي من التراث الذي لا يعرفون له شاعر محدد أوشاعرة معينة ، غير أننا نؤكد هنا بأن نشيد الشرف الباذخ قد كتبه وتغني به الشاعر والمغني الوطني الراحل خليل فرح إبان سطوة الإستعمار وإشتداد حركة المقاومة الوطنية منذ العام 1921م حتي رحيل خليل فرح في العام 1932م وقد مات وهو في الثامنة والثلاين من عمره .
كان ذلك النشيد وبلغته البسيطة يعبر عن آمال وطموحات الشعب السوداني في الإستقلال ، لكن إاردة الله شاءت أن يرحل الفنان الوطني الخليل قبل أن يري بلاده التي أحبها قد نالت الإستقلال بعد 24 عاما من رحيله . ولنا أن نعيد بعض مقاطع ذلك النشيد الذي يشتمل علي شحنات عالية من الحس الوطني الدفاق :
نحن ونحن الشرف الباذخ
دابي الكر شباب النيل
من تبينا .. قمنا ربينا
ما إتفاسلنا قط بقليل
ده ود عمي ... وده ضرب دمي
إنت شنك .. طفيلي دخيل
قوم وقوم كفاك يانايم
قوم وشوف حداك ياهايم
مجدك طلَّ .. وشرفك ولّي
وإنت تزيد ... زيادة النيل
**
إذن .... كان الخليل وبحسه الوطني المتقدم ، كان يري ملامح الصمود سوف تتفاقم ، حيث شهد عهده قيام جمعية اللواء الابيض في العام 1924م ، برغم أن الخليل كان من مؤسسي جمعية الإتحاد السودان في الأعوام 1920/1921م كإنعكاس وتأثر بثورة عام 1919م بالشقيقة مصر ضد الوجود البريطاني في مصر وبقيادة زعيمها الوطني سعد زغلول في ذلك الزمان.
ومنذ لك الزمان .. بدأ المبدعون الوطنيون من أهل السودان يحثون علي رفع وتيرة الإحساس الوطني لدي الجماهير بإنشادهم الوطني عالي المقام . ورويدا رويدا ، تكونت الجمعيات ومؤتمرات الخريجين وتشكلت التكوينات الأولي للأحزاب السودانية ، فالنقابات المهنية ، حتي تحقق إستقلال السودان في 1/1/1956م فأتي الإستقلال سالما ً تماماً( كالصحن الصيني.. من غير شق أو طق ) كما قالها الزعيم الأزهري في خطاب الإستقلال مشيرا إلي الدور التاريخي الذي قام به السيد علي الميرغني بأنه : ( لولا الأسد الرابض في حلة خوجلي لما تحقق الإستقلال ).. وكل عام وأهل السودان في كل الدنيا بالف خير وعافية وأمان ،،،،،،،


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.